فى شهر يونيو من هذا العام 2011 زرت تونس للقاء مجموعات من أهلى وأقاربى بعد انقطاع استمر لأكثر من ثلاثين عاما... وكنت قد قطعت عهدا ألا أعود إلى ليبيا وهي تحت حكم القذافى والتى غادرتها منذ 1978 . وقد يسر الله لى أن أعيش وأن أشهد الثورة التونسية رائدة الثورات العربية وهي الثورة التى مهدت الطريق لى ولغيرى من الليبيين لزيارة تونسالجديدة التى تنعم بالحرية وتعيش مرحلة من النشاط السياسى والثقافى تؤكد أن الشعب التونسي وتياراته السياسية قد بدأوا عملية بناء تونس الديمقراطية التعددية . خلال زياتى تلك زرت بعض الثوار الجرحى الذين يعالجون فى تونس ومنهم أبطال من مدينة الزنتان مسقط رأسى ومرابع طفولتى وأولى سنوات شبابى . ورغم ما يعانيه الجرحى من آلام فهم يتمتعون بروح معنوية تدل على قوة الإيمان وتدل على الارادة النضالية الصلبة ... وفى مواساتى لهم قلت : إن جروحكم هي أوسمة الحرية والعزة والكرامة فى معركة التحرير التى يخوضها الشعب الليبى ضد حكم الطاغية القذافى . وكانوا يقولون لى نحن ننتظر ساعة الشفاء لنعودوا إلى جبهة القتال ... إنهم يتوقون إلى ساحات المواجهة ليدافعوا عن حرماتهم وعن ديارهم وعن قيم النبل والشهامة التى يحفل بها تاريخ أجدادهم . هؤلاء الجرحى الأبطال ورفاقهم فى جبهات القتال هم رواد الانتصارات التى تتحقق ميدانيا يوميا فى عدة جبهات وهو الفاتحون لأبواب الحرية أمام الشعب الليبى الذى يستعد لمرحلة ما بعد القذافى . تونس تعج هذه الأيام بالليبيين الذين فروا من جحيم جماهرية الشر والبؤس جماهيرية القتلة الذين تلاحقهم محكمة الجنايات الدولية بسبب ما اقترفوا من جرائم ضد المواطنين الليبيين . الليبيون فى تونس يمثلون كل فئات المجتمع الليبى منهم السياسيون ومنهم رجال الأعمال ومنهم العسكريون ومنهم العاملون فى النشاط الخيرى ومنهم الاطباء . جميعهم يبذلون جهودا كبيرة للتفاعل مع مقتضيات الثورة وما يحتاجه المهاجرون والجرحى من عناية ... وكل يعمل حسب قدراته رغم الصعوبات التى نتجت عن سرعة تطورات الثورة والمواجهات مع كتائب الاجرام والمرتزقة وما مارسوه من عدوان وفضائح تندى لها الجباه وتدمى لها القلوب وتدمع لها عيون الاحرار والحرائر فى بلد فوجئ بشراذم لا دين ولا خلق ولا إنسانية لها . تونسالجديدة وقف شعبها مع ثورة 17 فبراير وقفة عز وكرم وأخوة واحتضن الشعب التونسى اخوانه وجيرانه بكل المحبة والتعاطف . ويمكن لكل ليبى أن يحس بذلك فى كل مكان فى تونس ويمكن أن يحس بذلك عندما يركب التاكسى ويتحدث مع السائق . ويعرف ذلك عندما يقرأ الصحف التونسية اليومية والاسبوعية التى تعد بالعشرات ... وفى الصحف بالذات تنشر الكثير من التقارير الاخبارية عن ليبيا وعن الثوار ... وفيها تنشر بيانات الأحزاب التى تعترف بالمجلس الوطنى الانتقالى ... ومن المؤسف أن الليبيين فى أغلبهم لا يقرأون الصحف بسبب مرحلة التجهيل فى عهد سلطة القذافى وما نفذته من سياسات عقيمة قتلت فى الشباب الطموح وقتلت فيهم الرغبة فى تحصيل المعرفة وتطوير قدراتهم العلمية والتى تبدأ بحب القراءة . فى تونسالجديدة تجرى عبر الصحف وعبر التلفاز والندوات والمساجد حوارات ساخنة حول المجلس التأسيسى وهو المجلس الذى سينتخب فى اكتوبر المقبل لوضع الدستور .. وتجرى حوارات حول ما تطرحه حركة النهضة الإسلامية من أفكار وتصورات وهي مرشحة لكسب شعبية متقدمة حينما تبدأ عملية الاقتراع ... وهناك تيارات علمانية تشدد النقد للنهضة لما تمثله من قدرة على التنافس ... والتيارات العلمانية لها تاريخ وثقافة راسخة فى تونس منذ بورقيبه وما قبله وما بعده . تونس جميلة بسكانها وبطبيعتها وزادت جمالا بثورتها وما أحدثته من تغيير نفسي فى أجواء من حرية التفكير وحرية التعبير والتنظيم . ولعله من المفيد أن يستفيد الليبيون مما يجرى فى تونس وفى مصر من نشاطات وخطط تتعلق بوضع الدساتير وما يتصل بها من قوانين لتنظيم الصحافة والأحزاب السياسية والنقابات وجمعيات النشاط المدنى وغير ذلك من المؤسسات التى تتطلبها دولة الدستور والقانون وهي الدولة التى تعتبر الهدف الأساس للثورات العربية ومنها الثورة الليبية ثورة 17 فبراير 2011 .