تشير الأخبار الواردة من لبنان و فلسطينالمحتلة أن القرار الأممي 1701م قد صادقت عليه الأطراف المتحاربة و أن الحرب السادسة قد أوشكت على الانتهاء ، وهو ما سيفتح المجال واسعا لتناول ما بعد الحرب بالتحليل و الاستنتاج .. أعلنت دولة إسرائيل الحرب على لبنان ، وهي تتوعد بتدمير حزب الله و فرض شروطها على لبنان ، وإعدام الخاطفين و تحرير جنودها و إرجاع البلد ثلاثين سنة إلى الوراء و تجريد المقاومة من سلاحها ، و أطلقت يد الآلة العسكرية الضاربة لتفعل بلبنان ما شاءت ، وتوفر لهذا الجيش غطاء دوليا قلما وجد في حرب سابقة . و في المقابل وقف حزب الله بما يمثله من مقاومة إسلامية و ثقافة الكرامة والشرف و الصمود . و معه الديمقراطية اللبنانية التي حافظت على وحدة البلد و رفضها لشروط العدو فسطرت آيات في البطولة و التضامن و الالتحام .رغما عن التدمير و الهمجية و آلاف الشهداء و المصابين .و أراد بعض الحكام العرب و قد ظنوا أن الهزيمة محققة أن يحفظوا عروشهم و ينالوا رضا أوليائهم في أمريكا و بريطانيا ، فما كان منهم إلا أن يعلنوا أن المقاومة الإسلامية طائفة خارجة عن القانون و أنهم أول من يسعى للتخلص منها . أما الجماهير فقد أدركت بحسها الوطني الشريف أن المعركة معركتها و أن الحرب تستهدف كرامتها و كبريائها و وجودها فعبرت عن تضامنها مع المقاومة و أصبحت جزء من معادلة القوة لصالح المقاومة ، مما فرض تعديل بعض المواقف الرسمية العربية و أكد للدوائر الاستعمارية أن سكوتها عن الهمجية في لبنان قد يؤدي إلى دعم قوى الإرهاب و ينتهي إلى الإضرار بمصالحها الحيوية . اليوم سكتت المدافع وعادت الطائرات إلى مواقعها ، و عاين كل طرف حجم الأضرار التي لحفته ،و بدأ الفصل الثاني من المعركة . كل طرف يحاول أن يفرض قراءة المشهد من وجهة نظره ... هذا المقال يحاول أن يستقرئ المشهد في لبنان في أعقاب الحرب السادسة ، و ينظر في تداعياتها على الجبهة الداخلية و كاتبه يدرك أن الشأن اللبناني لا يمكن تناوله بمعزل عن المحاور الإقليمية و المخططات الدولية لكن ذلك يتجاوز حدود هذا المقال . 1 الاتجاه نحو الاستقطاب والخلاف . حرصت قوى المقاومة أن تعلن عن انتصارها قبل أن تتوقف المعارك . و هي تعلم جيدا ما تعنيه من هذا الانتصار ، وهي التي سبق لها أن بينت حدود الانتصار و الهزيمة منذ البداية من خلال الأهداف التي سطرها العدو وبعد استعراضها لملامح السياسة الأمريكية في المنطقة القاضية بتشكيل شرق أوسط جديد . و تتلخص هذه الملامح في ضمان سيطرة الكيان الإسرائيلي على المنطقة و وضع ثرواتها تحت تصرف الإدارة الأمريكية و القضاء على قوى المقاومة والصمود و الممانعة ومن تمّ تعميم ثقافة الهزيمة . لم تنجح إسرائيل و حلفاؤها في تحقيق الأهداف التي أعلنتها قبل الحرب , بل على العكس تدعمت قوة حزب الله بما أثبته من قدرة قتالية عالية ، أفلح بها في الدفاع عن بلاده و أوقع في صفوف عدوه خسائر فادحة ، وأنهى بها أسطورة الجيش الذي لا يقهر و تقليد الحرب الخاطفة التي تدور على أرض العرب و تظل فيها المدن الإسرائيلية آمنة ... لم تدع المقاومة أنها قادرة على منع التقتيل و التدمير و الهمجية ، فهي تعترف منذ البداية بأن الدمار سيكون كبيرا لكنها تعد بالقيام بواجبها في إعادة البناء ... و تجاوبت الشعوب شرقا و غربا مع هذه المقاومة و أعلنت تضامنها معها دون تحفظ و عبرت عن سرورها بانتصارها .. و بدا ذلك واضحا في وجوه العائدين إلى بيوتهم المدمرة في الجنوب . و في المقابل حرصت القوى الأخرى على إعلان تباينها مع المقاومة و تحميلها مسؤولية هذه الحرب ، وهي بذلك تتناغم مع الثقافة التي تشربتها من زمن بعبد ، ثقافة الهزيمة و الاستسلام للعدو التي تخشى صولته و جولته ، وهو ما فهمته إسرائيل بأنه ضوء أخضر من هذا الفريق العربي للقيام بمهمة تصفية المقاومة ، ولو أنها لم تكن في حاجة لأي لون من الأضواء . و كان واضحا أن هذا الفريق لا تعنيه روح المقاومة و لا فكرة الصمود و الممانعة ، ولا تهمه قيم الكرامة والشرف ، و لا معاني الهزيمة والنصر . لذلك ركز منذ البداية على الذريعة التي منحها حزب الله لإسرائيل حتى تدمر لبنان و أكد على ما أسماه " بأجندا "إيران .ثم أخذ يبحث في قوات المحور دون أن يقول شيئا عن قوات الحلفاء . ليقنعنا أن خيار المقاومة قد مات منذ زمان في أرض العرب ، ومن يقدم نفسه اليوم على أنه مقاومة في لبنان ليس إلا رأس حربة للمحور الإيراني الذي هو أخطر على العرب من إسرائيل مبرزا الطابع الطائفي و الأطماع الفارسية ومتناسيا الحديث عن الأطماع الأمريكية و الإسرائيلية . و راهنت إسرائيل و أمريكا على قوى 14 آذار في الحكومة اللبنانية و خارجها لانتزاع شرعية المقاومة و إدخال البلد في حرب أهلية ستمكن الدولة العبرية من التحكم في خيوطها و بالتالي إغراق لبنان في بحر من الدماء سيتحمل سلاح المقاومة وحزب الله وزرها التاريخي و من هناك القضاء للأبد عن شيء اسمه مقاومة الاحتلال و لكن الحس الوطني البنان استيقظ طوال الحرب لحكمة أرادها الله أولا ولحسابات قام بها البعض و أملت عليه الالتزام بالموقف المتضامن . و كان واضحا أن إسرائيل لم تنجح في إشعال الحرب الأهلية على الأقل أثناء حربها العدوانية رغم كل الدمار الذي أحدثته و كل الشهداء الذين سقطوا ، فكان ذلك نصرا للمقاومة أضيف لانتصاراتها في ميادين المعارك و نأمل أن لا تنجح الجهود المشبوهة الذي تبذل الآن من أجل شق الصفوف الوطنية و إحداث شرخ في الجبهة الداخلية . و الخوف أن تتمكن قوى الحلفاء من اختطاف النصر العسكري و تحويله إلى هزيمة سياسية محورها الإصرار على نزع سلاح المقاومة و من تم اندلاع الحرب الأهلية ... 2 هل نحن بصدد مواكبة نصر استراتيجي ؟ المشهد السياسي اللبناني هذه الأيام تتجاذبه رؤيتان متعارضتان . الأولى تؤكد على فشل العدوان الإسرائيلي ، و تحقيق نصر استراتيجي من شأنه أن يقوي الجبهة اللبنانية و يمنح المناعة للبلد ،وتؤكد أن الجهود يجب أن تنصب الآن على مساعدة السكان وكسب معركة إعادة الإعمار ، تركز هذه الرؤية على أن جميع اللبنانيين يحب أن يعبروا اليوم عن ابتهاجهم بما تحقق على أرض المعركة ، و أن يعملوا على تحقيق انتصار سياسي و دبلوماسي يمكن الدولة من أسباب القوة المادية والمعنوية و يوفر حظوظها في تبوء المكانة التي تستحقها على الصعيدين الدولي و العربي و من تم الاستفادة من ذلك في إعادة الاعمار و تحقيق الازدهار والتنمية .. الثانية ، لا يهمها مما تحقق من نصر عسكري في الجنوب باعتباره حدثا تحقق لحساب المحور الإيراني ، بينما تركز على مشاهد الدمار الواسعة لتقدمها على أنها مظاهر العزيمة . أما من الناحية السياسية فإنها ترى في الأحداث التي جرت نصرا لحزب الله على حساب الأطراف الأخرى و بالتالي فإنها تحرص على تجريده من ثمرات هذا النصر ، بالضغط من أجل تحقيق مطالبها القديمة المتمثلة في نزع سلاحه و فرض ما تسميه بفرض سلطة الدولة على الجنوب . الحديث كثر عند هذا الفريق عن الدولة في مقابل الدويلة ، والدفاع عن المصالح العربية في مقابل المطامع الإيرانية . و الغريب أن هذا الفريق يرفض الحديث عن نصر لحزب الله لكنه يمتدح ما يسميه بالنصر السياسي و الدبلوماسي الذي تحقق للبنان في الأممالمتحدة مع صدور القرار 1701 . هناك ولا شك جهود كبيرة تبذل من الحلفاء لتحقيق الأهداف التي لم تتحقق بقوة السلاح و الدمار ، و تستثمر من أجل ذلك قوى المحور المعادي للمقاومة و لا ندري هل ستنجح في مسعاها أم تفشل . ما مؤكد فقط هو أن التحالف الدولي سوف ينجح إذا وجد في الداخل اللبناني من يشعل فتيل الحرب الأهلية بما سيؤدي إلى كسر إرادة الصمود و حمل الشعوب العربية و الإسلامية التي ناصرت المقاومة وابتهجت بانتصارها على الشعور بالإحباط . التصريحات التي تصدر من فريق 14 آذار و الحكومة اللبنانية لا تبعث على الارتياح و لكنها تدفع على الاعتقاد بأن حربا حول مفهوم الدولة و المقاومة و السيادة والجيش قد تندلع من تحت الأنقاض المتراكمة ، حربا إذا اندلعت لن يكون بعدها مجال للحديث إلا عن الهزيمة . و من المرجح أن لا يستخدم السلاح في هذه الحرب نظرا لاختلال التوازن العسكري بين الفرقاء لكن تواصله لمدة طويلة على المستوى السياسي وما يتصل به من تحالفات شرعية و مشبوهة و ما يتخلله لا سمح الله من مسلسلات الاغتيال لم تبق معنى الانتصار الاستراتيجي . و عليه فيبدو أن إعلان النصر الاستراتيجي حتى بالمعايير التي تطرحها المقاومة يجب أن ينتظر قليلا وفي الأثناء من الواجب على مختلف القوى الوطنية أن تبشر بنجاح صمودها و احتفاظها بشرفها و كبريائها و كرامتها .خاصة و نحن لم نعرف بعد حجم الخسائر التي تكبدها حزب الله وهي خسائر لا بد أن تؤثر على دوره المستقبلي بعد انتشار الجيش اللبناني والقوات الدولية و فك الحصار و في ظل المعادلات الجديدة . كما أن طبيعة العلاقة التي ستتأسس بين سوريا و لبنان سوف يكون لها تأثير مباشر على نتيجة المعركة ، لأن عملية قطع لبنان عن عمقه الطبيعي والاستراتيجي لن يكون بأي حال من الأحوال نصرا للبنان و سورية و المقاومة . و نأمل أن تنجح القوى الوطنية اللبنانية بمختلف انتماءاتها على التوافق فيما بينها بما يخدم مصلحة الوطن و يضر بمصلحة العدو .