اكاد اجزم بأننا نحن شعوب ونخب المغرب العربي، لا نعرف الكثير عن بعضنا البعض.. فهناك نوع من التباعد فيما بيننا، على الرغم من قرب المسافة التي تفصل تونس عن الجزائر والرباط ونواكشوط وطرابلس.. وقد ترسخت هذه الملاحظة في ذهني بصورة اكبر عندما زرت المغرب مؤخرا، وتجولت بين ارجاء الدارالبيضاء وطنجة واصيلة.. فعلى الرغم من كل المعلومات والاخبار التي وصلتني حول المغرب خلال السنوات الخمس الماضية، لم اكن ادرك ان هذا البلد بمثل تلك الحركية التي لاحظتها وتوقفت عندها خلال الايام القليلة التي قضيتها هناك.. تشعر بها منذ الوهلة الاولى التي تطأ فيها قدماك ارض مطار الدارالبيضاء، الذي يشهد عملية توسعة هي الاضخم ضمن مطارات المغرب، استجابة لحركة الطيران التي تكاد لا تهدأ في هذا المطار الدولي، بالنظر الى عدد الوافدين الى المغرب من كل اصقاع العالم، يتجاوز السبعة ملايين شخص، وفق الارقام الرسمية.. على ان ابرز حلقات هذه الورشة المفتوحة، تلك التي تخص البنية الاساسية الضخمة التي اخترقت العاصمة وضواحيها، بل بلغ مداها مدن الجنوب والشمال، في سياق استراتيجية عنوانها الرئيسي: «مغرب الطرقات السيارة».. ولعل المتنقل بين الدارالبيضاء وطنجة، او بين طنجة واصيلة، ومنها الى مستوى اغادير، يلحظ بوضوح هذا الجهد الضخم في تحويل المغرب الى طريق مفتوحة وسريعة، طريق تربط اوصال المغرب التي كانت مقطعة خلال العقود الماضية او يصعب التنقل فيما بين مدنها، بفعل الطرقات القديمة، والاودية والانهار التي تتوزع على طول المساحة المغربية بشكل رائع، على الرغم من التعقيدات التي تسببها بالنسبة للراغبين في الانتقال من منطقة الى اخرى.. وعندما تتنقل بواسطة السيارة بين الدارالبيضاء وطنجة على سبيل المثال، تكتشف تلك الطريق والبنايات الفارهة، والقصور الضخمة التي تشعرك وكأنك في اسبانيا او ايطاليا، عبر زخرفتها الهندسية التي تزواج بين المعمار الاندلسي والمغربي والاسباني، في شكل روائع هي الى التحف المعمارية اقرب منها الى البيوت والمساكن.. المغاربة يحدثونك في هذا السياق عن مشروع الملك محمد السادس لتطوير شبكة الطرقات في كامل المغرب، وهو مشروع تبناه المغاربة، بحيث تراهم شديدي الحرص عليه، يتحدثون عنه بنوع من الشعور بالانتماء اليه، وكأنه مشروعهم هم.. شخصية ثقافية مغربية، فضلت عدم ذكر اسمها، حدثتني عن الجهود الشخصية للملك المغربي واشرافه الشخصي على هذا المشروع.. ومن بين ما يتردد في هذا السياق، ان الملك محمد السادس الذي يقوم بزيارات فجئية الى مواقع المشاريع الضخمة، اكتشف ذات يوم وجود تلاعب في احد المحولات الهامة، فقرر احالة المهندسين على القضاء، حيث حوكما ودخلا للسجن بتهمة سوء التصرف والغش، وهي الحادثة التي تتردد في اكثر من بيت وحي مغربي، بما كان له ابلغ الاثر على سير بقية مشروعات البنية الاساسية.. في الطريق من طنجة الى اصيلة، تستوقفك الطريق السيارة التي تشق اودية وانهارا وجبالا، وهي طريق يبدأ خيطها الاول من الدارالبيضاء باتجاه اغادير، على امتداد 600 كلم تقريبا، في مبادرة هي الاولى من نوعها لربط العاصمة المغربية بأقصى نقطة في الجنوب.. على ان هذه الطرقات، لا تشمل العاصمة والمدن والمسالك الرابطة بينها فقط بقدر ما تشمل الاحياء السكنية وضواحي العاصمة، التي تشهد عملية تحسين وتطوير في شبكة طرقاتها، حول بعضها الى ضواح هي اقرب لضواحي لندن وباريس وواشنطن، من حيث اتساع الطريق وامتداداته.. مدخل للتنمية وفي الحقيقة، حيثما حل المرء في المغرب، يقف عند هذه الورشة التي تبدو وكأنها الشغل الرئيسي للقصر والحكومة، اذ يعتبرونها المدخل الاساسي لاي اقتصاد معولم ومفتوح مثل الذي اختاره المغرب ولاي مجتمع يضع اقدامه في العصر، ولذلك ليس من الغريب ان تقرأ على بعض اللافتات الضخمة المعلقة عند مداخل المدن المغربية «مشروع الملك والشعب»، في اشارة الى هذه البنى التحتية التي تنفق عليها المغرب مليارات الدولارات، على الرغم من ضعف مواردها الطبيعية، واتساع رقعتها الجغرافية وكثافة عدد متساكنيها الذي يصل الى نحو 33 مليون ساكن.. واللافت للنظر في هذا السياق، ان جهود تطوير البنى الاساسية للمغرب، يرافقها جهد يؤكد المغاربة انه الاضخم والانشط في تاريخ البلاد، وهو المتعلق بحملة تجميل واسعة، حولت المغرب الى حديقة جميلة يحلو النظر اليها، ناهيك ان اطراف وجنبات الجبال المحاذية للطرقات، تم تحويلها الى فضاءات يمكن استخدامها للتوقف من قبل المسافرين، اما لراحة او لتناول لمجة خفيفة.. وحدثنا مسؤول مغربي عن وجود شركات اسبانية متخصصة في النظافة وعملية التجميل، تم التعاقد معها منذ فترة غير بعيدة، للقيام بهذه المهمة، وقد رأينا «جيوشا» من النساء والفتيات يضطلعن بعملية التنظيف وزرع الورود على طول الطرقات الرابطة بين المدن والضواحي والعاصمة.. تلك هي صورة المغرب الجديد، التي جعلته في مقدمة الدول المغاربية من حيث توافد السياح، ومن حيث المشروعات الاستثمارية الضخمة، في الصناعة والسياحة والخدمات، وهو ما جعل المراقبين يرشحونه لكي يلعب دورا محوريا في المنطقة خلال السنوات القادمة.. لكن كيف يبدو المغرب من الزاوية الاجتماعية؟ وهل انعكست التنمية السياسية التي دشنها المغرب منذ نحو عقد من الزمن، على الجوانب التنموية؟ ذلك هو موضوع الحلقة القادمة من هذه الملاحظات..