معطى الحرب في ليبيا، حيث لا يوفر القطر الليبي إنتاجا كافيا من المياه المعدنية بسبب الأوضاع الأمنية هناك. وبالتالي أصبحت السوق الليبية تستحوذ على الكميات الموجهة أساسا للسوق الداخلية التونسية عبر طرق قانونية وغير قانونية. لم يخف عدد كبير من التونسيين حنقهم من نقص المياه المعدنية في تونس، نقص تزامن مع حلول صيف حار في البلاد وتسبب في ارتفاع ثمن المياه المعدنية الذي تضاعف ثلاث مرات، ولئن اختلفت التفسيرات حول أسباب هذا النقص فإنها اتفقت حول ضرورة التوصل لحلول سريعة قبل حلول شهر رمضان، الأسبوع المقبل. عماد بنسعيّد (نص) يبدو أن السوق التونسية تشكو هذه الأيام من نقص حاد في المياه المعدنية، نقص تجلى بوضوح في المدن الكبرى كتونس العاصمة وصفاقس وسوسة وأغلبية مدن الشمال. وقد عبر عدد كبير من المواطنين عن سخطهم من "أزمة المياه المعدنية" التي طالت واحدة من أبرز المواد التموينية خاصة أن هذا النقص تزامن مع حلول فصل صيف حار هذه السنة، حيث وصلت درجات الحرارة إلى مستويات قياسية بلغت أحيانا 42 درجة مئوية في بعض المدن. عوامل عديدة جعلت الحصول على المياه المعدنية صعبا في تونس وأدخلت الاضطراب إلى المجمعات التجارية الكبرى ولدى تجار التجزئة. وقد عبر بعض التجار عن حيرتهم حيال هذه الأوضاع التي تبعث على القلق خاصة مع قرب حلول شهر رمضان، الأسبوع المقبل الذي يشهد عادة إقبالا كبيرا على المياه المعدنية. نقص في المياه المعدنية في المجمعات التجارية الكبرى: ويتحدث حسين ملاوحي 36 سنة، وهو مسؤول في قسم المياه في المجمع التجاري "كارفور" في تونس العاصمة عن وجود بوادر أزمة حقيقية في توزيع المياه المعدنية. ويقول إن استهلاك المياه المعدنية تضاعف 3 مرات أو أكثر منذ شهر يونيو/ حزيران، وفي " كارفور" ينتظر الزبائن عند مدخل قسم المياه نقل العمال لكميات من المياه المعدنية للرفوف للانقضاض على صناديقها. مشاهد يصفها رئيس القسم بغير المألوفة والغريبة في هذا المجمع التجاري الضخم الذي يوفر كل المواد الغذائية طيلة السنة وبكميات كبيرة. لهفة جعلت قسم المياه في المجمع شبه خالي في أغلبية ساعات النهار، حيث "تباع اليوم قرابة 60 ألف قارورة مياه معدنية في ظرف ثلاث ساعات فقط"..لهفة طالت أغلبية ماركات المياه المعدنية، حتى تلك التي كانت تلاقي كسادا يقبل عليها الزبائن اليوم بكثرة في ظل شبه فقدان الماركات التقليدية المعروفة. هذا الطلب الكبير أجبر المسؤولين في قسم المياه في المجمع التجاري على الضغط على الموزعين بغية تزويدهم بكميات أكبر وطلبيات أكثر، إلا أن استجابة الموزعين تبدو أقل من المنتظر..ففي العادة يكفي أن يرسل المجمع التجاري طلباته من المياه عند الساعة العاشرة صباحا لتصل عند الساعة الثانية بعد الظهر تقريبا. أما الآن فتطول مدة الانتظار إلى أكثر من 48 ساعة ولا تأتي بالكميات المطلوبة. ولا يخفي حسين تخوفه من مشاكل التزود بالمياه المعدنية بحلول رمضان حيث قد تصبح الأوضاع حرجة إذا ما تواصل الاستهلاك على هذا النسق في ظل انحسار الإنتاج كما هو الحال الآن. الاحتكار والحرب في ليبيا والاحتجاجات العمالية تسببت في مشاكل بالتوزيع : ولا ينفي سمير سلامة وهو أحد الموزعين في شركة مياه معدنية، وجود أزمة في توفر المياه المعدنية في تونس، ويفسر ذلك بكون موسم تخزين المياه يتم عادة بين يناير/كانون الثاني وآذار/مارس، حين يقل الطلب على المياه. إلا أن الثورة التونسية والظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد والاعتصامات العمالية والاضرابات لم توفر المجال لتخزين كميات كبيرة من المياه تحسبا للاستهلاك خلال فصل الصيف. وبعودة عمليات التخزين كان موسم الصيف قد داهمنا وبالتالي لم يكن من الممكن توفير الاحتياجات بشكل طبيعي. إضافة إلى وجود معطى جديد وهو الحرب في ليبيا، حيث لا يوفر القطر الليبي إنتاجا كافيا من المياه المعدنية بسبب الأوضاع الأمنية هناك. وبالتالي أصبحت السوق الليبية تستحوذ على الكميات الموجهة أساسا للسوق الداخلية التونسية عبر طرق قانونية وغير قانونية. وهذا ما يفسر النقص الواضح في المياه في مدن الشمال والعاصمة والمدن الساحلية، حيث تتجه الشاحنات المحملة بالمياه من المجمعات التجارية ونقاط التوزيع صوب مدن الجنوب والمدن المجاورة للحدود التونسية - الليبية في انتظار عبورها إلى ليبيا. وهذا ما يفسر أيضا شحها وغلاء أسعارها حيث ارتفع سعر القارورة الواحدة من 400 مليم أي 20 سنتا إلى 1 دينار أحيانا أى 50سنتا. ويضيف سمير بأن الكميات الموزعة الآن في تونس من المياه المعدنية وباقي المدن الكبرى أقل مستوى من السنة الماضية، ولا تلبي أكثر من 25 بالمئة من الطلب . تصدير المياه إلى ليبيا مربح أيضا بالنسبة لتجار التجزئة والمهربين الذين يبيعون المياه إلى التجار الليبيين بكميات كبيرة ويقبضون الثمن نقدا، في حين أنهم يبيعونها على أقساط في تونس، كما أنهم حين يبيعون بضاعتهم هناك لا يلتزمون بخدمة ما بعد البيع، في حال وجود مشاكل على مستوى الجودة أو وصول البضاعة في حالة غير طيبة إذ لا يمكن للتجار الليبيين أن يعيدوا البضاعة نظرا لصعوبة العملية. هي إذا تجارة مربحة لهم على كل الأصعدة. الانتاج المحلي السنوي من المياه المعدنية ارتفع ب7 بالمئة: وتوجهنا إلى السيد الحبيب الديماسي، المدير العام للتجارة الداخلية في تونس، الذي أقر بوجود نقص في توفر المياه المعدنية في تونس الكبرى بسبب عدة عوامل، من بينها، تضاعف الاستهلاك المحلي مع اشتداد الحرارة خلال موسم الصيف، وتصدير كميات هامة إلى السوق الليبية وهو عامل جديد هذه السنة أملته الحرب في القطر الليبي. إلا أن السيد الديماسي يحمل المستهلكين المسؤولية بشكل خاص، حيث تسببت بعض السلوكيات في خلق هذه الأزمة وتعميقها. فينتهج المستهلكين سلوكا أنانيا واحتكاريا غريبا. قد يكون أملاه التخوف من المستقبل القريب والخوف غير المبرر من الأزمات الغذائية بعد انتشار الاعتصامات والإضرابات العمالية وعمليات قطع الطرق أمام الشاحنات التجارية... ويضيف الديماسي بأن اللهفة على المواد الغذائية قبل شهر رمضان هي عادية ومألوفة وغالبا ما تتلاشى بعد مرور يومين من شهر الصيام . ويؤكد المدير العام للتجارة الداخلية أن الإنتاج التونسي من المياه المعدنية هذه السنة زاد بأكثر من 7 بالمئة مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، حيث يتم إنتاج أكثر من 6 ملايين قارورة مياه في اليوم، ومصانع المياه تعمل 24 ساعة في اليوم على مدار الأسبوع. كما يتم منذ بضعة أشهر، استغلال وحدتين جديدتين لتصنيع المياه في قفصة وتبرسق، فالانتاج إذا يتم بصفة يومية وعلى نفس الوتيرة. كما أن الديوان التونسي للتجارة قرر بعد اجتماعه مع ديوان المياه المعدنية دعم الانتاج أكثر فأكثر وحتى التخفيض في أسعار المياه المعدنية للقضاء على الاحتكار والأساليب الملتوية لبعض تجار التجزئة والمهربين. كما أن فرق المراقبة البلدية والصحية كثفت من عمليات التصدي لهذه الممارسات الخاطئة ومراقبة مراكز البيع. وبالتالي فلا وجود لمشاكل لوجيستية في عمليات تصنيع المياه في تونس ولا لاعتصامات تكبل الإنتاج فالمشكل سلوكي بالأساس وهو ظرفي كما يؤكد المدير الذي يبدو متفائلا بقرب نهاية هذه الأزمة . تقرير موقع فرنسا 24 - 25 جويلية 2011