يقول فيليب دوبا – بانتاناتشي، وهو اقتصادي يعمل في بنك ستاندار تشارتر: "الأزمة الليبية ضغطت على قدرة تونس على دعم اللاجئين الذين تدفقوا على البلد، وفي الوقت نفسه حرمت تونس من مصدر قوي تقليدي للإيرادات". ربما تكون ثورة الياسمين في تونس قد ألهمت ملايين العرب للنزول إلى الشوارع، لكن التكلفة الاقتصادية للانتفاضة – وفوضى الكسب غير المشروع والمخالفات المالية التي خلفها النظام السابق وراءه – بدأت الآن فقط تتضح لصانعي السياسات في البلاد. يقدر المسؤولون أن الاقتصاد انكمش بنسبة 3.3 في المائة بالمعدلات السنوية خلال الربع الأول، عندما اندلعت الاحتجاجات في سائر أرجاء البلاد. وأجبرت هذه الاحتجاجات في نهاية المطاف، الرئيس في ذلك الوقت، زين العابدين بن علي، على الهرب لكنها ألقت التجارة التونسية في حال من الاضطراب والفوضى. وبينما تمكن البلد من تجنب "انهيار اقتصادي"، يعترف محافظ البنك المركزي التونسي، مصطفى نابلي، بأن الأشهر الثلاثة الأولى كانت "سيئة جداً". ويأمل البنك المركزي في أن يحقق الاقتصاد معدل نمو كلي بنسبة 1 في المائة هذا العام، بعد أن حقق نمواً بنسبة 3.7 في المائة في العام الماضي، ومتوسط معدل للنمو بنسبة 4.4 في الفترة من عام 2000 إلى 2005، حسب صندوق النقد الدولي. لكن من المتوقع أن يكون هذا العام صعباً. وتتمثل إحدى العوائق الرئيسية للنمو في قطاع السياحة الذي يعتبر أحد الدوافع الحيوية للتشغيل ومصدراً للعملة الصعبة. وتقلصت إيرادات الصناعة بنسبة تصل إلى 50 في المائة نتيجة لغياب الأشخاص الذين يقضون عطلاتهم في البلد، وجلهم من الأوروبيين، وفقد الآلاف وظائفهم. علاوة على ذلك، النزاع المستمر في ليبيا المجاورة – والتي من المفارقة أن الثورة التونسية كانت مصدر إلهام جزئي له أيضاً تأثير موهن. وكان كثير من زوار المنتجعات التونسية غير الأوروبيين، من الليبيين. واضطر عشرات الآلاف من التونسيين العاملين في ليبيا الذين كانوا يحولون الأموال إلى بلادهم، للعودة إلى تونس. ويقول فيليب دوبا – بانتاناتشي، وهو اقتصادي يعمل في بنك ستاندار تشارتر: "الأزمة الليبية ضغطت على قدرة تونس على دعم اللاجئين الذين تدفقوا على البلد، وفي الوقت نفسه حرمت تونس من مصدر قوي تقليدي للإيرادات". ويقدر نابلي أن الاقتصاد التونسي يكسب في العادة مبلغاً يصل إلى 2.5 مليار دولار سنوياً – نحو 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي – من التحويلات، والتجارة، والاستثمار، والسياحة العلاجية من جارته الأكثر ثراء. وتبخر ثلثا هذا المبلغ، حسب البنك المركزي. وتعتبر تكاليف رعاية اللاجئين – التونسيين العائدين والليبيين الهاربين من بلدهم – مصدراً آخر للاستنزاف المالي. "إنه مبلغ ضخم"، بحسب نابلي، مضيفا "إننا بحاجة إلى السياحة كي نتعافى ونريد أن تستقر الأوضاع في ليبيا. لقد كانت الفوضى التي تعمها مؤلمة جداً لنا". وبينما هرب ابن علي وأسرته من تونس إلى المملكة العربية السعودية، يجري ببطء حل الشبكة المعقدة من ملكية الشركات ومشاريع التطوير العقاري والقروض المالية التي أخذوها من البنوك التي تسيطر عليها الدولة. ويقدر البنك المركزي أن نسبة 6 – 7 في المائة من جميع القروض المصرفية في تونس منحت لشركات تسيطر عليها أسرة ابن علي الممتدة والمقربون منها. ويقول نابلي إن بعض المقرضين ربما كانوا بحاجة إلى إعادة رسملة. وهناك نواح مشرقة بارزة في الاقتصاد. فقد انخفضت احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية بواقع ثلاثة مليارات دينار تونسي (2.2 مليار دولار) إلى عشرة مليارات دينار، لكن السلطات تمكنت من المحافظة على ثبات واستقرار العملة، كذلك توقف استنزاف الأموال بشكل كبير، كما يقول نابلي. ويتوقع محافظ البنك المركزي أيضاً أن تتدخل الهيئات متعددة الجنسيات، كالبنك الدولي وبنك التنمية الإفريقي، بحزمة لتلبية احتياجات تونس التمويلية هذا العام، البالغة 1.4 مليار دولار – جزء لسد عجز الميزانية الذي تبلغ نسبته 5 في المائة. ومن المحتمل وصول مزيد من الأموال لدعم توجه البلد نحو الديمقراطية. وزيادة على ذلك، عاد قطاع التصنيع في تونس إلى الحياة ونما التصدير الكلي للبضائع بمعدل 14.2 في المائة منذ بداية العام حتى أيار (مايو). ويؤكد خبراء اقتصاديون على أنه يمكن أن يكون لدى تونس، من بين جميع بلدان شمالي إفريقيا، أفضل احتمالات النمو في المدى المتوسط، لأن لديها طبقة متوسطة كبيرة ومتعلمة تعليماً جيداً، واقتصاداً متنوعاً، وقطاعاً تصنيعياً متطوراً نسبياً. لكن الصورة في المدى القصير أكثر ضبابية، ذلك أن تنامي حجم القوة العاملة يضاف إليه ضعف الاقتصاد يعني أن البطالة – التي كانت واحداً من التظلمات التي أدت في النهاية إلى الإطاحة بابن علي لا يرجح لها إلا أن تصبح أسوأ حالاً. وبحسب آن وايمان، رئيسة إدارة البحوث المتعلقة بالأسواق الناشئة في بنك نومورا "الأمر كله يتعلق بإيجاد الوظائف الآن، لكن ذلك لن يحدث بين عشية وضحاها". إن الانتعاش الاقتصادي من شأنه أن يحسن احتمالات الانتقال السياسي السلس من حكم الفرد إلى الديمقراطية. ووجه التناقض هو أن الإصلاح السياسي قد يكون ضرورياً لتحقيق تعاف اقتصادي قوي ودائم. وتحذر وايمان قائلة: "الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، ومن المؤكد أن لدى تونس لبنات البناء الصحيحة في المدى الطويل، لكن لا ينبغي أن ينظر أي شخص إلى الوضع من خلال نظارات وردية". "إننا بحاجة لأن تتعافى السياحة، ولأن تستقر الأوضاع في ليبيا. لقد كانت الفوضى التي تعمها مؤلمة جداً لنا". تحديث الوسط التونسية بتاريخ 30 جويلية 2011