يقول محللون وساسة إن حلفاء بن علي السابقين لا يزالون في مواقع السلطة، ويعملون من وراء الكواليس لإنقاذ أصدقائهم وحماية مصالحهم وتقويض المكاسب التي حققها الشعب فيما تابع العالم العربي محاكمة الرئيس المصري السابق حسني مبارك الأسبوع الماضي مذهولا لرؤية الزعيم الذي قاد بلاده ثلاثة عقود وراء القضبان في قاعة محكمة، أفرجت تونس بهدوء عن وزير العدل السابق المكروه. جاء الإفراج عنه بينما تونس تفيق من انباء فرار سيدة العقربي، وهي شخصية بارزة في النخبة التونسية القديمة الحاكمة والمتهمة بالفساد، الى باريس من دون أن تتم محاكمتها. وبعد مرور سبعة اشهر على الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي، والتي كانت الشرارة التي فجرت احتجاجات «الربيع العربي» لا يزال التونسيون بانتظار اقامة العدل. وفي حين مثل مبارك وابناه جمال وعلاء امام محكمة مصرية ليواجهوا اتهامات، لم يعد بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي من المنفى في السعودية، وصدرت عليهما أحكام غيابية بالسجن، مما أغضب التونسيين المتعطشين للمحاسبة بعد 23 عاما من القمع السياسي والفساد المستشري والمحسوبية. لفتة فارغة: وقال سامي، وهو سائق سيارة أجرة «محاكمة بن علي غيابيا لفتة فارغة. من الصعب إعادته الآن، لكن عليهم على الأقل محاكمة رموز الفساد المتبقية». وأضاف «محاكمة مبارك عمل بطولي. حتى مبارك بطل لأنه لم يهرب. ليس جبانا مثل بن علي». وليس هناك تفسير رسمي للإفراج عن الوزير السابق لكن قضيته لم تغلق رسميا. وكانت العقربي مقربة من زوجة بن علي وكانت ضمن بطانة الرئيس. وليس صدفة أن كثيرا من التونسيين يقولون إن العقربي فرت من تونس قبل ايام من إصدار ممثل الادعاء أمرا بمنعها من السفر. وتقول مصادر قضائية إنه تم تأجيل القرار بسبب تراكم العمل، لكن التونسيين يشتبهون على نطاق واسع في أنه تم تسريب المعلومة للعقربي. ويقول محللون وساسة إن حلفاء بن علي السابقين لا يزالون في مواقع السلطة، ويعملون من وراء الكواليس لإنقاذ أصدقائهم وحماية مصالحهم وتقويض المكاسب التي حققها الشعب، منذ فر الرئيس من البلاد في 14 يناير بعد احتجاجات استمرت اسابيع ضد حكمه. ويقول سفيان الشورابي، وهو صحافي شاب وناشط ومدون ساعد في انتشار الثورة من المناطق المهمشة الى تونس العاصمة في ديسمبر، إن الصراع الآن بين من دعموا الثورة التونسية وبعض جيوب النظام السابق الذين يريدون حماية مصالحهم السياسية والاقتصادية السابقة. واستطرد قائلا: في هذه المعركة، فإن الأركان الأساسية للتحول الديمقراطي، مثل إرساء قيم المحاسبة والعدالة والعقاب، لا تزال في حالة مستمرة من التقدم والتقهقر. سرقة الثورة : وفي اليوم الذي حاكمت فيه محكمة تونسية علي السرياطي مدير الأمن الرئاسي و23 من اقارب بن علي والطرابلسي، تجمع المحتجون في شارع الحبيب بورقيبة الذي كان مركزا للتظاهرات التي أسقطت الرئيس السابق. وتم إلقاء القبض على الأقارب في المطار بينما كانوا يهمون بالفرار ومعم أموال ومجوهرات في الليلة التي فر فيها بن علي. ولا يشعر التونسيون بالرضا عن المحاكمات والإفراج عن المحتجين، ويتحدثون عن أن الثورة «سرقها» فلول نظام بن علي. ويقول نعمان القدري (39 عاما) وهو طبيب: «سمحوا للمجرمين المعروفين بالانصراف. هذه مؤشرات على مشاكل عميقة في القضاء... لا يوجد من يوقف ثورتهم المضادة سوانا بتحركنا كأفراد». وأضاف «نحن نحتج على وضع القضاء في بلادنا. نريد قضاء مستقلا، وهو أمر حاسم في هذه المرحلة لبناء مستقبلنا». وفي حين لعب المحامون والقضاة لفترة طويلة دورا مهما في معارضة الحكم الشمولي لبن علي، وشاركوا في الاحتجاجات التي أسقطته، فإن التونسيين يخشون من أن يؤثر المتعاطفون سياسيا مع الرئيس السابق على الأحكام القضائية. وضاق التونسيون ذرعا بالقضايا التي تأجلت مرارا وتكرارا. ومنها قضية حسام الطرابلسي بشأن مقتل سبعة اشخاص عام 2007 في حفل نظمه. ويعترف التونسيون بأنه تم إحراز تقدم. وفي تونس القديمة لم تكن لتعقد محاكمة في قضية من هذا النوع. غير انهم يشعرون بأنهم ما لم يواصلوا الضغط فربما يفقدون مكاسبهم. ومن المزمع تنظيم المزيد من التظاهرات للمطالبة بإصلاح قضائي لضمان الا تذهب هباء دماء اكثر من 100 شخص قتلوا خلال الاحتجاجات التي أسقطت بن علي. -تحديث الوسط التونسية بتاريخ 13 أغسطس 2011- س 19 بتوقيت تونس