مثلت تونس، منذ ثورتها على الرئيس زين العابدين بن علي قبل عام مضى، "أيقونة" أو "سندريلا" لبقية شعوب الأمة العربية، التي كانت ترسخ تحت طُغيان أنظمة حُكم مُستبدة لأكثر من نصف قرن من الزمان. د. سعد الدين إبراهيم-صحف-الوسط التونسية: مثلت تونس، منذ ثورتها على الرئيس زين العابدين بن علي قبل عام مضى، "أيقونة" أو "سندريلا" لبقية شعوب الأمة العربية، التي كانت ترسخ تحت طُغيان أنظمة حُكم مُستبدة لأكثر من نصف قرن من الزمان. و"الأيقونة" في أدبيات اللاهوت الديني هي تمثال صغير مُقدس. و"سندريلا" في الأدبيات الشعبية الأوروبية والعالمية هي تلك "الأخت" المسكينة، التي فقدت أمها وهي طفلة، وتزوج أبوها، وأنجب أخوات أخريات، عاملن سندريلا مُعاملة استعلائية قاسية، حتى جاءت مُناسبة، كان يبحث فيها أمير البلاد عن فتاة ظهرت في إحدى حفلات العصر الملكي فجأة، واختفت فجأة، ولم يكن لديه ما يهتدي به في البحث عنها، إلا مُفردة "فردة" حذائها، الذي تركته وراءها، وهي تُسرع للخروج من القصر عند مُنتصف الليل، طبقًا للأوامر التي صدرت لها من الساحرة، قبل المجيء إلى الحفل الملكي. وعلى غير ما توقعت سندريلا، فإن أعوان الملك الذين تولوا البحث عن صاحبة "فردة" الحذاء ذلك، وصلوا إليها، وفرح الأمير باكتشافها واختارها عروسًا له، وتضاعف حقد أخواتها وزوجة أبيها الشريرات. ولأن تونس هي إحد البُلدان العربية الصغيرة سكانًا ومساحةً، والتي لم يكن لها دور مرموق يُذكر في عالم السياسة، فقد كانت ثورتها على حاكمها المُستبد، ونجاحها في إسقاطه، مُفاجأة كُبرى لبقية العرب وللعالم بأسره. ومن هنا أُوجه الشبه بين تونس وسندريلا، الفتاة التي كانت مغمورة ولكنها هي التي فازت بقلب الأمير الباحث عن عروس. وكانت ثورة الشعب التونسي ونجاحها في الإطاحة بالطاغية زين العابدين بن علي، إلهامًا للشعب المصري، فانتفض شبابه خلال أقل من شهر، بعد ثورة تونس، ونجح أيضًا في الإطاحة بأخر الفراعنة المُستبدين في تاريخ مصر الحديث، وهو الرئيس محمد حسني مبارك. وألهم نجاح الثورتين التونسية والمصرية، شعوبًا عربية أخرى، ثارت على حكّامها المُستبدين في اليمن وليبيا وسوريا. وهي الظاهرة التي أبهرت العالم، فأطلق عليها تعبير الربيع العربي للديمقراطية. واستمرت تونس، سندريلا الديمقراطية العربية في إعطاء قدوة في مرحلة التحول الديمقراطي. من ذلك أنها رسمت خريطة طريق واضحة، بدأت بدستور توافقي مؤقت، ثم بانتخابات برلمانية، عُقدت في الأسبوع الماضي. وأبهر الشعب التونسي العالم مرة أخرى بنسبة المُشاركة غير المسبوقة، عربيًا، ولا حتى دوليًا. فقد وصلت نسبة التصويت أكثر من 85%، وهي أعلى مُعدلات حتى في أعرق الديمقراطيات الغربية. ورغم أن حزب "النهضة" ذا المرجعية الإسلامية قد فاز بالأكثرية، فإن الأحزاب المدنية الأخرى المُنافسة لها، بادرت بالتهنئة والتعبير له وللشعب التونسي، عن استعدادها للعمل والتعاون معه، من أجل بناء تونس ديمقراطية جديدة. وبما أن الثورة التونسية كانت مُلهمة لشباب الثورة المصرية، فلعل الانتخابات التونسية، والروح الرياضية التي عمت إجراءها، تكون أيضًا، خير مُرشد للقوى السياسية المصرية في الانتخابات البرلمانية القادمة. وأول واجب لقوى المجتمع المدني في مصر، فهو أن تضاعف من مجهوداتها من أجل: 1 تعبئة المواطنين للتهيُؤ لمُتابعة الحملة الانتخابية، والمُشاركة في أنشطة الأحزاب والحركات السياسية التي تملأ الساحة المصرية. 2 أن تحضّ كل مواطن أن يصبح، لا فقط ناخبًا نشطًا، يؤدي واجبه الانتخابي، ولكن أيضًا أن يُراقب سلامة ونزاهة العملية الانتخابية. 3 أن يقوم شباب ثورة 25 يناير الذين تبعثروا بعد نجاح ثورتهم، بالتجمع من خلال الحركات الرائدة مثل حركة 6 أبريل، وكفاية، وشايفنكو، واتحاد المُحامين الليبراليين، ولجنة الحريات في نقابة المُحامين، وباقي الائتلافات الأخرى ومعهم مركز ابن خلدون، من خلال كاتب هذا المقال، الذي يظهر عنوان بريده الإلكتروني تحت اسمه أعلاه، أو بالتراسل مع مركز ابن خلدون، في مقره 17 شارع 12 بالمقطم. 4 أن يقوم الراغبون والقادرون من شباب الثورة بالانضمام إلى برنامج "شارك وراقب" الذي يرعاه مركز ابن خلدون، والذي يستغرق عدة أيام، يحصل بعده المُتدرب على شهادة تؤهله للقيام بالمُراقبة الدولية، داخل مصر وخارجها. 5 أن يقوم من لم ينضم منهم إلى أحد الأحزاب القائمة، بالمُبادرة بالانضمام، عملاً بالقول المأثور "يد الله مع الجماعة"، وأن عضويته في أي من هذه الأحزاب، تُضاعف من حيوية الحياة السياسية في مصر. لقد كانت نسبة التصويت في آخر انتخابات عُقدت في عهد الرئيس السابق حسني مُبارك، أقل من 10%، لأن المواطنين المصريين كانوا قد فقدوا الثقة والاهتمام، في العمل السياسي. ولكنهم بعد الثورة، وفي أول استفتاء على التعديلات الدستورية، وصلت نسبة مُشاركتهم إلى أكثر من 40%، أي أنها تضاعفت أربعة أمثال. ولذلك ليس من المُبالغة أن نتوقع استمرار اهتمام المواطنين المصريين بالمُشاركة في الانتخابات القادمة. وحتى إذا لم نصل إلى المُستوى الرفيع الذي وصل إليه الشعب التونسي، أي نسبة مُشاركة 85% فلا أقل من أن نصل بنسبة المُشاركة إلى 75%. وليس ذلك بكثير على مصر والمصريين، فليبهروا العالم كما بهروه بثورة يناير المجيدة. وعلى الله قصد السبيل 29 أكتوبر 2011