قبل بضعة ايام من الاعلان عن أول أيام رمضان المعظم ,كانت عيني ترقب ماسيكتب الزميل الاعلامي الطموح الأستاذ برهان بسيس تعليقا على ماكتبته في افتتاحية صحيفة الوسط التونسية تحت عنوان" الديمقراطي العقلاني وثقافة التصنيف والتحريض ",وفعلا لم يخب ظني حيال ماتوقعت بل انني سررت بعيد ذلك بيوم واحد بتلقي مكالمة هاتفية صباحية منه ,سارع فيها الى توضيح جملة من النقاط التي لم تكن قطعية اللفظ والمبنى في مقاله المنشور حينها على صحيفة الصباح التونسية ليؤكد من خلال مكالمته أن المقصود في مقاله المذكور هو السيدة امينة فاخت ذاك الصوت التونسي الطروب والغارق في عوالم الهيام الجسدي المفتوح,ومن ثمة كانت هذه المكالمة جسرا حقيقيا من اجل التعرف عن قرب عن واحد من أنشط الشخصيات الاعلامية التونسية. لا اخفي عليكم كم كنت قلقا في كثير من الأحيان من الجرأة المتناهية التي كان زميلنا برهان يتعاطى بها في قضايا تمس الدين والمقدس في الذهن الجمعي ,غير أنني في كل مرة كنت احترم حقه في التعبير عن قناعاته الفكرية والسياسية لولا ملامتي عليه في برنامجه المقدم على شاشة الا ان بي ,حيث قصره على من شاطره الرأي تقريبا والرؤية الفكرية والايديولوجية... وفي كل مرة كنت أتابع فيها برنامجه المذكور كنت بلا شك اعلم بانه يوجه رسائل معلنة وخفية الى كثير من أنصار المدارس الفكرية الاسلامية وخاصة في ساحتها التونسية,ومن ثمة كانت الفرصة سانحة للاعتراف بأن مايطرحه صديقنا برهان لم يكن في اجماله مرفوضا من وجهة نظر شرعية او عقلية الا فيما شذ وندر ,كمثل حواره السابق مع الد.منجية السواحلي التي صرحت بمقولات لقيت ثورة العلامة الراحل عبد الرحمن خليف والمفتي الأسبق الفقيه محمد مختار السلامي وغيرهما من الشخصيات العلمية الاسلامية البارزة ,ولعلني أكون صادقا حين أقول بان واجبه الاعلامي يحتم عليه اثارة لحظات الولادة والتنوير في أي حوارات مطروحة ولكن مع مراعاة ثوابت ومعتقدات هذه الأمة كما ثوابت تونس الخضراء. الملف الشائك الذي تألق فيه زميلنا برهان في جرأة المحاججة كان الملف السياسي التونسي ,غير انني أعتب عليه صراحة وبشدة موقفه أيام زمان من دعوة شارون للبلاد التونسية قبيل اشهر من تاريخ انعقاد قمة مجتمع المعلومات,لكنني أحييه صراحة عندما راجع هذا الموقف عندما اندلعت الحرب السادسة في لبنان,هذا ولايفوتني أن اعاتبه ايضا على مرافعاته التي اتسمت بحدة سياسية مبالغة تجاه ملف حركة النهضة المحظورة رسميا في تونس,وذلك من خلال تعاطيه مع الموضوع بنظرة تملكها كثير من غياب المعلومات ولاسيما بعد مرور أكثر من عقد ونصف على مااستجد من أحداث في بداية التسعينات. ولكن برغم كل ماذكرت يبقى الزميل برهان وبكل صراحة محاورا متميزا وذكيا ولبقا يستحق منا حتى وان اختلفنا معه في كثير من القضايا كثيرا من الاحترام. وعودة الى مقال جريدة الصباح الغراء والذي عنونه صديقنا برهان بعنوان قصير ومشحون تحت يافطة "ضد التطرف",فانني لاأخفيكم قولا بأن كثيرا من الكلمات الواردة فيه كانت محملة بالالتباس بحيث انها دفعت اكثر من قلم للرد الهادئ عليه,غير انني فوجئت صراحة بمقال الأخ عبد الحميد العداسي والذي ورد في قالب من شانه أن يحكم على الاخرين بالعدمية ومن ثمة استقبحت صراحة استعماله للفظ الخناس في توصيف الأستاذ بسيس ثم الانحدار في حالة حوارية غير رصينة كنت أتوقع ان تثير كل من يقرؤه من المتابعين. وعلى مدار اليومين الأخيرين كنت أتقلب بين أجنحة الغراء الصباح التونسية عساني أرى ردا غير مباشر في ركن البعد الاخر,حتى أنني رفعت السماعة لمخاطبة الأستاذ بسيس متسائلا عن مصير مقاله الدوري بجريدة الصباح ,فكان أن علمت بأن الرد في طريقه الى البريد الأليكتروني. قرأت رده هذا اليوم السبت 23 سبتمبر 06 تحت عنوان عن التكفير ومدرسته ,فضحكت حين ايقنت مرة اخرى من بشريتنا وادميتنا وطينتها نحن معشر المتخاصمين سياسيا,ولكنني حييت فيه جرأته مرة أخرى وقدرته على تصعيد الخصومة كما تبين مواطن ضعف المحاورين المشاكسين,ولكنني في نفس الوقت اسفت لحدته في معالجة ملف النهضة بشيء من التعميم والتسطيح وذلك بحكم أن النهضة كمدرسة فكرية هي اكبر من الأستاذ راشد الغنوشي ونهجه السياسي الذي يحق لنا أن نختلف معه فيه... أحيي الزميل برهان على وضوحه ومبدئيته في الدفاع عن مساجين حركة النهضة ولو من منطلق انساني,ولكن أدعوه الى عدم اثارة جراحات الماضي من منطلق أن الوطن بعد مضي 15 سنة غفور للسلطة التي قمعت وسجنت وهجرت, وللنهضة التي ارتكبت بلا شك اخطاء سياسية فادحة ترتب عنها اخلال بتوازنات الفضاء السياسي وضعف للمجتمع المدني. أدعوه في صدق وأدعو من ورائه الرئيس بن علي شخصيا بصفته يتابع كتاباتنا باهتمام شديد الى طي صفحة الماضي واحتضان أبناء تونس بروح العفو والصفح ومد الجسور بين الفرقاء وتجسير الهوة بين الحزب الحاكم وكل التيارات السياسية المشكلة للساحة الوطنية,على أرضية انهاء هذا الجرح النازف وتفكيك الألغام بين الدولة والمعارضين على مختلف مشاربهم الفكرية والسياسية . كل ذلك من أجل بذل قصارى مافي الوسع على طريق دخول تونس ساحة الأمن والوئام من منطلق الوفاق الوطني وليس القمع السياسي ,وحينئذ فان تصفية ملف الاعتقال السياسي وبشكل نهائي ورفع المضايقات الأمنية والاجتماعية وغيرها... عن كل من أطلق سراحهم بموجب قرارات العفو الرئاسي الخاص مع التمهيد بقرارات شجاعة من أجل عودة المنفيين في ظل ضمانات قانونية يكون تاجها سن عفو تشريعي عام. جماع هذه التسويات والحلول يعد وبدون ادنى شك الطريق الوحيد من اجل انهاء هذه الحوارات والخصومات السياسية الحادة والتي من شانها ان تصعد من وتيرة الاحتقان الوطني وتبعد البلاد مسافات شاسعة عن أرضية التعايش والوئام المدني المفترض والمرقوب . 24 سبتمبر 2006-1 رمضان بتونس وألمانيا 1427 هجري *كاتب واعلامي تونسي: [email protected]