عند تلك الهضبة المرتفعة كقامتك في زاوية من رام الله الشامخة بارتفاعها وارتفاعك حيث ينام قبرك حذو قصر الثقافة الذي طالما اعتليت منصته متيقظا لتبثّ قصائدك للعالمين . ها انت الآن تبث جسدك لحفنة من تراب . فماذا تراك فاعل في هذا الليل الشتائي الحزين ؟ وهل ترى المطر اخترق اللحد ليبلل عظامك العطشى الى وطن خصب نديّ ؟ هل مازلت تحنّ هناك الى خبز امك وقهوتها الساخنة ؟ وهل تراك كتبت قصيدتك الأخيرة ؟ علّها اكثر روعة وقد تحرر فكرك من سجن الجمجمة ، وروحك من قفص اللحم والدم ، وقلبك من أزماته القاتلة بضيق الشرايين ؟ لعلّك اكثر ابداعا هناك ؟ تباطأت عجلات السيارة المنسابة في مساء الطريق ، وهبت يدي من شغفها لترفع قليلا صوت المذياع . بينما أضواء الليل على الجانبين تزيد اللحظة تكثفا وحزنا . كلماتك تخترقنا كعادتها ، تفعل بنا فعلها وترفعنا عاليا الى خيمتك في أقاصي الكلام . ها انت كعادتك هنا بيننا حتى في الغياب . في هذا الشارع الليلي ، وسكينة الحزن تنثر هنا ظلالها في فضاء المكان ، وغزة هناك تكرع وجعها اقداح دم ودموع ، وتغسل بنزيفها ما تبقى من افراحنا العالقة على اضواء الطريق. ها انت هنا كعادتك بيننا تمتطي بكلماتك صوت مارسيل خليفة فأنتعش واصدق انك ما زلت هنا لتقول ما لا يمكن ان يقوله احد سواك . أغرق في صوت مارسيل وهو ينبعث شجيا حزينا مهيبا يرتل شعرك كقدّاس فوق توابيت حزننا . (لديني ... لديني لأعرف في اي ارض اموت وفي اي ارض سأبعث حيا سلام عليك وانت تعدين نار الصباح سلام عليك... اما آن لي ان اقدم بعض الزهور اليك اما آن لي ان اعود اليك .....) ها انت عدت وانهيت عودتك بيننا . وها هي الام –الارض تلدك مرة اخرى من رحم سطحها لتخرج الى حضن ترابها الباقي ، وفضاء الخلود . كيف تراك الآن هناك ؟ عند تلك الهضبة المرتفعة كقامتك في زاوية من رام الله الشامخة بارتفاعها وارتفاعك حيث ينام قبرك حذو قصر الثقافة الذي طالما اعتليت منصته متيقظا لتبثّ قصائدك للعالمين . ها انت الآن تبث جسدك لحفنة من تراب . فماذا تراك فاعل في هذا الليل الشتائي الحزين ؟ وهل ترى المطر اخترق اللحد ليبلل عظامك العطشى الى وطن خصب نديّ ؟ هل مازلت تحنّ هناك الى خبز امك وقهوتها الساخنة ؟ وهل تراك كتبت قصيدتك الأخيرة ؟ علّها اكثر روعة وقد تحرر فكرك من سجن الجمجمة ، وروحك من قفص اللحم والدم ، وقلبك من أزماته القاتلة بضيق الشرايين ؟ لعلّك اكثر ابداعا هناك ؟ ولكننا نشتاقك . نشتاقك شوق اللغة الى مجازها ، وشوق الحرف الى مداده نشتاقك كما يشتاق الصوت الى نبراته او صداه . فهل تراك تعي شوقنا لشعرك الذي طالما خفف حموضة الدم المستباح وزاد عبقه قداسة وكبرياء ؟ وهل تراك تدرك كم كان للألم ان يكون اكثر شموخا وبسالة لو لم تختف حنجرتك في غياهب الصمت وغزة هناك تنعي حريق جدائلها ؟ تتبعثر اسئلتي في سكينة الليل وصوت مارسيل يلملم شتات اكتئابي في بوتقة الصمت . تسترخي أذرعي أكثر فأكثر فوق المقود وتستسلم عيوني لشرودها في امتداد الطريق احس بحركة طفليّ في المقعد الخلفي قد سكنت وبالصمت والهدوء يخيمان عليهما وكأنهما تماهيا مع صوت مارسيل فأدرك كم هو شعرك جدير بالسكينة . يزداد الغناء شجنا ومارسيل يرفع حنينك لقهوة امك على نخب الوجع ، بينما تسترسل السيارة في دورانها على درب السكون والليل شاهد دمعتين . شاعرة وكاتبة تونسية مقيمة في فلسطين - الوسط التونسية بتاريخ 12 مارس 2012