ركز كثير من العراقيين على الاعتذار الذي قدمه الرئيس التونسي عما قام به مواطنون تونسيون من أعمال إرهابية في العراق. وانتشرت صور المرزوقي على مواقع التواصل الاجتماعي العراقية، حتى إن البعض جعل منها بديلاً للصورة الشخصية على صفحة الفيس البوك. شعلان شريف- إذاعة هولندا العالمية- الوسط التونسية: تنفس العراقيون الصعداء بعد انتهاء أعمال مؤتمر القمة العربية في العاصمة بغداد يوم الخميس. ومر أول حدث دولي بهذا الحجم تشهده العاصمة العراقية منذ أكثر من عقدين بسلام، كما انتهت معاناة سكان العاصمة التي دامت لعدة أيام بسبب الإجراءات الأمنية المشددة جداً، والتي جعلت الأهالي حبيسي منازلهم. وتحولت مشاعر الاستياء والتذمر لدى كثيرين إلى شعور بالفخر الوطني، وبقدرة البلاد التي تعاني من العنف والاختراقات الأمنية والانقسامات السياسية، على تنظيم هذا الحدث بشكل ناجح نسبياً، حيث شاركت في القمة جميع الدول الأعضاء في الجامعة العربية، باستثناء سوريا التي لم توجه لها الدعوة للحضور بسبب تعليق عضويتها في الجامعة، على خلفية قمع حكومتها الدموي للاحتجاجات الشعبية فيها. انشغال يومي : وفي اتصال هاتفي مع إذاعة هولندا العالمية قال الكاتب والصحفي العراقي أحمد سعداوي إن القمة العربية كانت الشغل الشاغل لأهالي بغداد خلال الأسبوعين الماضيين "كانت موضوع الأحاديث اليومية وكانت هناك الكثير من التعليقات المتباينة، غالباً تختلف باختلاف الموقف السياسي." وزاد في استياء بعض العراقيين وخاصة من أهالي العاصمة بغداد، الإجراءات الأمنية المشددة، التي أدت اصابت الحياة اليومية بالشلل، بسبب تعطيل الدوائر الحكومية والمدارس، وقطع الكثير من الطرق في المدينة، كما توقفت جميع شبكات الهاتف النقال خلال اليومين اللذين سبقا انعقاد المؤتمر. لكن مشاعر التذمر أخلت محلها لدى الكثيرين مساء الخميس لمشاعر السعادة بنجاح هذا الحدث الكبير، أو على الأقل مروره بسلام. ويقول الكاتب أحمد سعداوي إن القمة "نجحت من الناحية اللوجستية والإجرائية، فلم يحدث انفجار أو اختراق أمني أو خلل بروتوكولي أو أي مشكلة من نوع آخر. بحيث بدت وكأنها تعقد في بلد عادي" في إشارة إلى كون العراق يعيش في الحقيقة أوضاعاً غير عادية منذ الغزو الأمريكي الذي أطاح بنظام صدام حسين عام 2003، وما أعقبه من شبه انهيار لأجهزة الدولة، ثم تدفق موجات المقاتلين والانتحاريين الأجانب، واندلاع أعمال العنف الطائفية. ما بعد "الربيع العربي": تميزت قمة بغداد بأنها أول قمة تُعقد بعد الانتفاضات العربية المطالبة بالديمقراطية، التي أطاحت بأربعة رؤساء عرب، وهو ما بات يُعرف ب "الربيع العربي". وشارك في القمة اثنان من الزعماء الذين أوصلتهم تلك الانتفاضات إلى الرئاسة، في تونس وليبيا. وكان خطاب الرئيس التونسي المنصف المرزوقي حاملاً لنكهة "الربيع العربي". وحظي الرئيس التونسي باهتمام استثنائي من قبل وسائل الإعلام العراقية، كما حظي بالكثير من مشاعر الإعجاب والتقدير من قبل العراقيين.، حيث حفلت المنتديات الالكترونية وصفحات الفيس بوك بالكثير من التعليقات الإيجابية حول شخصيته وخطابه. وركز كثير من العراقيين على الاعتذار الذي قدمه الرئيس التونسي عما قام به مواطنون تونسيون من أعمال إرهابية في العراق. وانتشرت صور المرزوقي على مواقع التواصل الاجتماعي العراقية، حتى إن البعض جعل منها بديلاً للصورة الشخصية على صفحة الفيس البوك. رئيس تونس يعتذر للشعب العراقي : وحول اسباب الاهتمام العراقي بالرئيس التونسي يقول الصحفي أحمد السعداوي: "هناك اسباب عديدة لكن يظل أهمها ههو الاعتذار الذي قدمه للشعب العراقي عن قيام متطرفين تونسيين بأعمال عنف في العراق. فهذه الخطوة لم يتخذها أي مسؤول عربي من قبل." ويضيف السعداوي موضحاً "ذاكرة العراقيين مثقلة بمواقف سلبية من قبل الدول العربية خلال السنوات الماضية، حيث تدفقت إلى العراق أمواج من المقاتلين والانتحاريين العرب الذين ارتكبوا الكثير من أعمال العنف. وهذه هي أول مرة يعتذر مسؤول عربي عن ما فعله بعض مواطنيه، رغم أن التونسيين كانوا هم الأقل مشاركة في أعمال الغنف في العراق." وكان الرئيس التونسي قد أجرى مقابلة مع قناة العراقية شبه الرسمية قبل بدء أعمال القمة، وقال فيها إنه يعتذر للشعب العراقي عما قام به بعض التونسيين من أعمال عنف وإرهاب في العراق. لكنه أردف اعتذاره هذا بالتعبير عن أمله بأن يعفو العراق عن المعتقلين التونسيين ويعيدهم لبلادهم "رأفة بعائلاتهم". وعلى عكس الاعتذار فقد أثار هذا الطلب استياء كثير من العراقيين الذين رأوا فيه عدم مبالاة بمعاناة ضحايا الإرهاب من المدنيين العراقيين وعائلاتهم. لكن الصحفي أحمد سعداوي يقول إنه حتى هذه النقطة رآها البعض لصالحه، فهي تعبر عن اهتمامه بمصالح مواطنيه مهما كانت اختلافاته معهم. لغة جديدة : وإذا كان الاعتذار التونسي هو ما أثار إعجاب الشارع العراقي فإن النخب المثقفة ركزت كثيراً على ما ورد في خطاب الرئيس التونسي في القمة من "لغة جديدة" على حد تعبير الكاتب أحمد سعداوي: "جميع خطب الزعماء، بما في ذلك كلمتا رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء العراقيين، كانت تكراراً لما نسمعه دائماً في المؤتمرات العربية. لكن السيد المنصف المرزوقي فاجأنا بلغة جديدة، وضعت الاصبع على الجرح، فقد دعا إلى المواطنة بدل الوطنية، والديمقراطية بدل الاستبداد، ولم يحاول أن يجامل الأنظمة العربية المستبدة. كلمات مثل المواطنة وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والديمقراطية لم نكن نسمعها من قبل في مؤتمرات القمة العربية." ويعزو سعداوي هذا التميز في خطاب الرئيس التونسي إلى أنه "شخص مثقف في الأساس، وجاء إلى السلطة في انتخابات ديمقراطية، ولم يأت من الحقل السياسي تماماً بل كان ماضيه أقرب إلى شخصية المثقف المعارض." اذاعة هولندا العالمية - 30 مارس 2012