أبرز ما جاء في لقاء رئيس الدولة بوزيري الشؤون الاجتماعية والاتصال..    6 سنوات سجنا لنائب سابق من أجل الإثراء غير المشروع    عبدالله العبيدي: إسرائيل تواجه خطر الانهيار وترامب يسارع لإنقاذها وسط تصاعد الصراع مع إيران    قافلة الصمود : الإفراج عن 7 من الموقوفين    فرصة عمل للتونسيين في السعودية: إليك التفاصيل    عاجل/ رئيس الدولة يفجرها: "لا أحد فوق المساءلة والقانون..ولا مجال للتردّد في إبعاد هؤلاء.."    هيونداي 9 STARIA مقاعد .. تجربة فريدة من نوعها    مطار طبرقة عين دراهم الدولي يستأنف نشاطه الجوي..    درة ميلاد تدعو إلى تنويع السياحة وإنقاذ قطاع الفنادق في تونس    تحويلات التونسيين والسياحة تغطي أكثر من 80٪ من الديون الخارجية    121 حريق تسبّبت في تضرّر أكثر من 200 هك منذ بداية جوان: إقرار لجان تحقيق مشتركة للبحث في ملابسات اندلاع الحرائق    عاجل/ بعد أيام من تعيينه: اسرائيل تغتال هذا المسؤول الايراني..    الجيش الإيراني يتوعد بتصعيد الهجوم على إسرائيل في الساعات المقبلة    بعد السقوط أمام فلامنجو... الترجي في مواجهة هذا الفريق بهذا الموعد    كأس العالم للأندية : برنامج مباريات اليوم الثلاثاء    لاتسيو الإيطالي يجدد عقد مهاجمه الإسباني بيدرو رودريغيز حتى 2026    الطقس اليوم: حرارة مرتفعة..وأمطار مرتقبة بهذه الجهات..    موعد إعلان نتائج البكالوريا 2025 تونس: كل ما تحتاج معرفته بسهولة    سر جديد في القهوة والأرز... مادة قد تحميك أكثر من الأدوية!    عدد ساعات من النوم خطر على قلبك..دراسة تفجرها وتحذر..    إلى حدود 15 جوان: تجميع حوالي 3.51 مليون قنطار من الحبوب    ‌الجيش الإسرائيلي: قتلنا رئيس أركان الحرب الجديد في إيران علي شادماني    انعقاد جلسة عمل اللجنة القطاعية للبيئة في إطار إعداد المخطط التنموي 2026-2030    طقس اليوم: خلايا رعية محلية مصحوبة ببعض الأمطار بهذه المناطق    كيف سيكون طقس اليوم الثلاثاء ؟    كأس العالم للأندية: الترجي الرياضي ينهزم أمام نادي فلامينغو البرازيلي    رونالدو يهدي ترامب قميصا يحمل 'رسالة خاصة'عن الحرب    السفارة الأمريكية تعلن تعليق عملها وتعذر إجلاء مواطنيها من إسرائيل    هجوم إيراني جديد على تل أبيب وأميركا تنفي المشاركة بالقتال    ملتقى تونس الدولي للبارا العاب القوى (اليوم الاول) : العناصر التونسية تحرز 9 ميداليات من بينها 5 ذهبيات    فوكس نيوز: ترامب طلب من مجلس الأمن القومي الاستعداد في غرفة العمليات    ماكرون.. ترامب أبلغ زعماء مجموعة السبع بوجود مناقشات للتوصل إلى وقف إطلاق نار بين إسرائيل وإيران    كأس العالم للأندية: تعادل مثير بين البوكا وبنفيكا    كأس العالم للأندية: التشكيلة الأساسية للترجي الرياضي في مواجهة فلامينغو    القيروان: إزالة توصيلات عشوائية على الشبكة المائية في الشبيكة    عاجل: أمر مفاجئ من ترامب: على الجميع إخلاء طهران فورا    في اصدار جديد للكاتب والصحفي محمود حرشاني .. مجموعة من القصص الجديدة الموجهة للاطفال واليافعين    الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟    يهم اختصاصات اللغات والرياضيات والكيمياء والفيزياء والفنون التشكيلية والتربية الموسيقية..لجنة من سلطنة عُمان في تونس لانتداب مُدرّسين    المندوبية الجهوية للتربية بمنوبةالمجلة الالكترونية «رواق»... تحتفي بالمتوّجين في الملتقيات الجهوية    إسناد العلامة التونسيّة المميزة للجودة لإنتاج مصبر "الهريسة" لمنتجين إضافيين    تونس تحتضن من 16 الى 18 جوان المنتدى الإقليمي لتنظيم الشراء في المجال الصحي بمشاركة خبراء وشركاء من شمال إفريقيا والمنطقة العربية    تجديد انتخاب ممثل تونس بالمجلس الاستشاري لاتفاقية حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه لليونسكو    تونس تدعو إلى شراكة صحّية إفريقية قائمة على التمويل الذاتي والتصنيع المحلي    الدورة الأولى من مهرجان الأصالة والإبداع بالقلال من 18 الى 20 جوان    "مذكّرات تُسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684": إصدار جديد لمجمع بيت الحكمة    الكاف: فتح مركزين فرعيين بساقية سيدي يوسف وقلعة سنان لتجميع صابة الحبوب    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من "مجلس قيادة الثورة" إلى "مجلس العائلة"

إلى حدود عام 1995، لم يكن أحد يتخيّل خليفة للعقيد معمر القذافي، غير الرائد عبد السلام جلود، الذي كان يجمع حقائب عديدة بين يديه، ليس أقلّها رئاسة الوزراء وقيادة الأجهزة الأمنية.
غير أن إبعاده من الحُكم واقتلاع رُموز قبيلته "المقارحة" من أجهزة الدولة لاحقا، أتاحا لفريق "القذاذفة" السيطرة على المناصب القيادية في الدولة وتحويل مسألة الخلافة إلى أمر يُحَل في "مجلس القبيلة".
انتهى جلود سياسيا في أواسط العقد الماضي، بعد قصقصة أجنحته وتقزيم دوره على مدى عشر سنوات. ومع تسريع نسق الاتصالات مع الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة لرفع العقوبات الدولية على ليبيا، صعَد في أواسط التسعينات نجم سيف الإسلام، نجل الزعيم الليبي الذي بات المُحاور المُفضل لكل من واشنطن وباريس في قضيتي طائرتي "يو تي آي" (التي تفجّرت فوق صحراء النيجر) و"بان أمريكان" (التي تفجرت فوق قرية لوكربي الإيرلندية). وكان لافتا أن المصادر الأمريكية، هي أول من استحسن فكرة تحبيذ خلافة سيف الإسلام لوالده معمر.
لكن هذا الخيار لا يعني أن جلود كان مناهضا للأمريكيين، بل على العكس فقد استطاع الرجل فتح طريق الحوار معهم لتسوية الأزمة. وقابل جلود السيناتور الديمقراطي غاري هارت سرّا في طرابلس في مارس 1992، ووافق على تسليم المُشتبه بهما في عملية "لوكربي"، الأمين فحيمة وعبد الباسط المقرحي، وكذلك على وقف الدعم ل "التنظيمات الإرهابية" ومناقشة مسألة تفكيك البرنامج النووي الليبي، ما جعله مُؤهّلا، طبقا لتأكيدات السيناتور هارت نفسه، لتطبيع علاقات بلده مع الولايات المتحدة، قبل عشر سنوات من التطبيع الذي تمّ لاحقا على أيدي غيره، إلا أن إدارة بوش الأب رفضت الصفقة وكان ذلك أحد الأسباب التي ساهمت في السقوط السريع لجلود.
كان يُمكن أن تُطرح أسماء أخرى من أعضاء مجلس قيادة الثورة لخلافة القذافي بعد استبعاد جلود، أسوة بما حصل في مصر عندما غاب عبد الحكيم عامر ثم استبعد أركان "الضباط الأحرار" لدى وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، من عيار علي صبري وحسين الشافعي وخالد مُحي الدين، ليُتَوج أنور السادات خليفة للرئيس الراحل.
لكن أعضاء "مجلس قيادة الثورة" في ليبيا غادروا الركح (أو بالأحرى أبْعدوا منه) باكرا، إذ لم يتبَق في السّلطة الآن من 12 ضابطا الذين قادوا الانقلاب عام 1969، سوى 4، هم الرائد الخويلدي الحميدي (أقصي حاليا من جميع المسؤوليات الرسمية) والعقيد أبو بكر يونس جابر، الذي مازال ماسكا بالمؤسسة العسكرية والعقيد مصطفى الخروبي والعقيد القذافي نفسه.
ولم يستطع أحد من هؤلاء أن يملأ المكان الذي تركه جلود، إذ تسلم الأخير عمليا مقاليد الحكم في مناسبتين انسحب خلالهما القذافي من سدّة السلطة لأسباب قاهرة، الأولى عام 1974، بعد انهيار الوحدة التونسية الليبية. والثانية، عام 1986، بعد قصف بيته (القذافي) في ثكنة العزيزية في طرابلس واضطراره للاختفاء في صحراء سَبها، بعيدا عن العاصمة.
هكذا سقط أهم جواد في سباق الخلافة مع تنحية جلود، والأرجُح أنه لن يعود، فحياته اليومية تقتصر على ممارسة رياضة المشي وسط حراسه في الحي الذي يقطن به، مع الابتعاد الكامل عن دفّة الحكم، حتى أن "جمعية الدراسات الإستراتيجية والدولية" الأمريكية، ذات الإطلاع الواسع على الشؤون الليبية (مقرها في نيويورك)، استبعدت أن يمنحه القذافي منصبا ما لكسب مبايعة قبيلة "المقارحة" لأحد أبنائه، عندما يُسمي خليفة من بينهم، وتوقعت دراسة أعدتها الجمعية عام 2004 أن يحُل ميقات الخلافة في ليبيا بعد خمس سنوات أي عام 2009، لكن من هو المؤهل لتسلم المقاليد من القذافي؟
من الواضح أن الزعيم الليبي مضى في إضعاف جلود منذ عام 1986، بسبب الخلافات المتصاعدة بينهما. ومن الجلي أيضا، أن بصره انتقل منذ تلك الفترة إلى أسرته الصغيرة باحثا عمّن يحمل مُواصفات الخليفة كما يتمنّاه. وخلال السنوات الأخيرة، انتهى إلى الحسم بين مُرشّحين متعدّدين، ليختار "" لخلافته وهو سيف الإسلام، وهذا يعني استبعاد نجله الأكبر محمد القذافي، المولع بكرة القدم مثل شقيقه الأصغر الساعدي.
كما يعني أيضا، التخلي عن العقيد الساعدي، رغم أنه يشعر بوشائج خاصّة نحوه، جعلته يُرسله إلى الكليات الحربية المرموقة، ليسير في المسلك العسكري الذي سلكه والده.
وهناك من رأى في الساعدي، الذي عُيّن أخيرا قائدا لقوات الطلائع في القوات المسلحة (أسوة بنجل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح)، خليفة جيّدا، نظرا للعلاقات المتينة التي تربطه بالجيل الجديد من الزعماء العرب، وخاصة عبد الله الثاني ومحمد السادس. كما أنه اكتسب خبرة اقتصادية واستثمارية من خلال رئاسته للمجموعة الاستثمارية الليبية في الخارج، فضلا عن معرفته بعالم كرة القدم، إذ ترأس اتحاد كرة القدم الليبي ولعب مع أكبر ناديين ليبيين، إلى جانب نادي "يوفنتوس" الإيطالي الشهير، وساعده ذلك على نسج علاقات سياسية واسعة، سواء في العالم العربي أو إيطاليا، أحد شركاء ليبيا الرئيسيين.
لكن العواصم الغربية لا تبدو آخذة أمره مأخذ الجد، فخلال زيارته الأخيرة لباريس في وقت سابق من العام الجاري، اكتفى الفرنسيون بتنظيم جلسة بين الساعدي ورئيس أركان الجيوش هنري بنتوجا، ولم يستجيبوا لرغبته الاجتماع مع وزيرة الدفاع ميشيل أليو ماري، على رغم أنه كان يعتزم البحث معها في تحديث طائرات "ميراج" الفرنسية، التي اشترتها ليبيا في عهد الرئيس الأسبق جورج بومبيدو. وكان لافتا أن وزير الخارجية فيليب دوست بلازي استقبل في الفترة نفسها شقيقه سيف الإسلام، الذي ذهب ليناقش مع السلطات الفرنسية ملف الممرضات البلغاريات السجينات في ليبيا.
عائشة وإخوتها
وحتى عائشة، نجلة العقيد، ذات الشخصية القوية، ربما بدت في عين والدها جديرة بالزعامة لولا أن المجتمع الليبي المحافظ لن يقبل بذلك السيناريو أيا كانت الحيثيات. ويدل تكليف عائشة، التي درست القانون في الجامعة الليبية بمهام سياسية دقيقة، أبرزها قيادتها الوفد الليبي الذي استقل طائرة خاصة وخرق الحظر المفروض على العراق في أواخر التسعينات حاملا مساعدات وأغذية، على رغبة والدها إقحامها في الركح السياسي الليبي والعربي.
ولوحظ أن الرئيس العراقي صدام حسين استقبلها آنذاك وتسلّم منها رسالة من والدها، كما لوحظ أنها أدلَت بتصريحات سياسية قوية ضد أمريكا وتصرّفت تماما كما تصرّف رؤساء الوفود العربية المشابهة، التي زارت العراق في الفترة نفسها.
ومازالت عائشة تدافع عن المواقف إياها وتشتغل بالسياسة، وهي طلبت تسجيلها على لائحة المحامين المدافعين عن صدام حسين، كما وجّهت دعوة مفتوحة إلى ابنته رغد للإقامة الدائمة في طرابلس، عندما زارت الأخيرة ليبيا تلبية لدعوة تلقّتها من "الدكتورة عائشة"، كما تحب أن تُنَادى. وعندما استقبل القذافي رغد، قال لها إنها مثل ابنته عائشة وهي تستطيع أن تطلب ما تشاء وفي أي وقت.
هكذا يبدو أن الأسرة تُحاول اختزال التعدُّدية في تنوّع أفرادها. فمحمد هو نموذج الرياضي الهادئ والزاهد في السياسة، والساعدي هو مثال العسكري الطموح، وعائشة صورة من الفتاة العصرية التي تلبس البنطال وتدرس في الجامعة للحصول على الدكتوراه مع مناهضة شديدة ل"الإمبريالية الأمريكية"، وسيف الإسلام، هو نموذج القيادات الجديدة المُتحرّرة من الإيديولوجية والمُتمردة على قوالب "اللّجان الثورية"، والمنفتحة على الغرب من دون حدود.
يبقى الإبن الأصغر، هانيبعل معمر القذافي، الذي لم يُعرف عنه شيء سوى الطيش الذي قاده إلى القضاء في فرنسا بسبب السياقة المتهوّرة في شارع الشانزيليزي والاعتداء على خطيبته الحامل، لما كانا ينزلان في أحد أفخم الفنادق الباريسية. لكن، أليس هذا أيضا عيّنة أخرى من المجتمع الليبي؟
في آخر المطاف، انتقلت الخلافة عبر لُعبة الدوائر، من إطار "مجلس قيادة الثورة" إلى إطار أضيَق، هو دائرة "القذاذفة" ثم إلى دائرة أشدّ ضيقا هي أسرة معمر القذافي.
ويوحي المشهد اليوم، بعد 36 عاما من التربّع على عرش السلطة، أننا بإزاء مسرح كبير يُديره القذافي الأب، ويلعب فيه الأبناء أدوارا محسوبة بناءً على نوع من "التخصّص"، على نحو يُؤدّي لامتصاص كل تلوينات المعارضة وتدجينها تحت سقف النظام، كي لا يبقى مُبرر لوجود قوى مستقلة خارج خيمة "الأخ القائد".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.