ما كانت عبارات بيان الاتحاد "على أن أطر الحوار والتوافق هذه لا تمثّل إلا قوة اقتراح ولا تعوض في شيء السلط الدستورية والشرعية القائمة التي تبقى وحدها صاحبة اتخاذ القرار", ليس الا ضربا من التنميقات السياسية التي لا تنطبق على واقع الحال. فالأحزاب السياسية التي لا تمتلك قاعدة شعبية توجهت للاتحاد, الذي تعتبر اغلب قياداته تابعة لليسار , لأن الاتحاد وحده قادر على تعطيل المؤسسات من خلال دعواته للاضراب المتواصل من أجل الزيادة في الأجور او من أجل مشاكل عادية مثل اضراب النقل الذي شلّ تونس الكبرى. اليوم ابتدأت اجتماعات الأحزاب حول مبادرة الاتحاد بغياب الأضلاع الرئيسية "للترويكا" النهضة والمؤتمر, وحضور الضلع الثالث التكتل. ولعل من أهم ملامحها العميقة دون النظر الى اللمسات الاعلامية والفقاعات الثورية هو ما قاله نائب التأسيسي السيد حسني بعد انسحابه : "ان هذا ليس مبادرة للتشاور, انما هو مؤتمر صحفي". وغياب الكتلة الأكبر والأهم على الأقل عدديا في التأسيسي وشعبيا أيضا, أظهر نقاط استفهام كبيرة, فهل لهذه المقاطعة من تفسير يدخل في باب النهج الثوري أم هو مجرد شدّ حزام بين احزلاب متقاتلة؟ عملت هذه المبادرة على تحقيق هدفين رئيسيين, الأول تجميع كل القوى السياسية بالبلاد مهما كان نوعها والثاني هو إحداث مجلس وطني للحوار. منطقيا الهدفان رائعان, وقد يكونان طريقا لحل اشكالات عالقة, ولكن في تفاصيلهما حفر كثيرة قد توقع بالشرعية الانتخابية وبالثورة والبلد كله في صراعات أخطر وأعمق مما هو قائم حاليا. فالهدف الأول, وحسب ما جاء في بيان الاتحاد"من موقع مسؤوليته الوطنية ودوره التاريخي يدعو -الاتحاد العام التونسي للشغل -كلّ الأطراف، حكومة وأحزابا وجمعيات ومنظّمات إلى ضرورة عقد مؤتمر وطني جامع يدير حوارا حقيقيّا لصياغة توافقات كبرى تؤمّن إدارة المرحلة الانتقالية", وهو ما لايستثني احدا, بما يعني الأحزاب التجمعية وأهمهما حزب نداء تونس, والذي هو حسب رؤية شرائح كبيرة من المجتمع هو التجمع في نسخة جديدة مع سقط كثير من اليسار. وهو ما لا يدع مجال للشك بان هناك أحزابا ومعها الاتحاد لا مشكل لها في عودة التجمع, ولعل من أهم أهداف الثورة بعد حل التجمع قضائيا هو منع نشطائه من العمل على الأقل في مدّة زمنية محددة تخوّل للقوى الثورية بناء تونس دون عودة للفساد. وبالتالي فان هذا الهدف يكشف طبيعة الكثير من الأحزاب, والتي هي في الحقيقة لا تمتلك امتداد شعبيا لتستند عليه للوصول الى سدّة الحكم, فأصبحت تبحث عن حلول اخرى من بينها ركوب ظهر الاتحاد العمالي للوصول الى المشاركة في الحكم باسم التوافق, بالرغم من صياحها العلني بانها مع حلّ التجمع ورموزه, ولكنها في الحقيقة تجده دعما لها في تحالف معلن وغير معلن للوصول الى السلطة. واما الهدف الثاني, وحسب ما جاء في بيان الاتحاد " فهو إحداث مجلس وطني للحوار يجتمع دوريا ويشكّل أداة فعّالة في إدارة الخلافات والتوصل إلى توافقات" وأضاف البيان " مع التأكيد على أن أطر الحوار والتوافق هذه لا تمثّل إلا قوة اقتراح ولا تعوض في شيء السلط الدستورية والشرعية القائمة التي تبقى وحدها صاحبة اتخاذ القرار". وهذا ما يعني, وحسب البيان بان هذا المجلس سيدير الخلافات, وبأي تمثيليات ؟ يعني كل الأحزاب التي تعمل وجاهرت بأن هدفها هو اسقاط الحكومة, وهو ما يعني بالضرورة سقوط شرعية الانتخابات, والتي هي حسب كل القوانين الشرعية الأعلى والأقوى من كل الشرعيات الأخرى بما فيها الشرعية التوافقية. ويظهر للعيان بان احزاب المعارضة التي لم تأخذ شيئا بيدها اليمنى في التأسيسي, تريد أن تأخذ كل شيء بيدها اليسرى تحت عباءة الاتحاد. فأي شئ وافقت فيه المعارضة ومن والاها مع الحكومة, فهذه أول حكومة في التاريخ يطالب باسقاطها من قبل ان تعمل, وأي حكومة في العالم حاججوا فشلها بعدم تشغيل قرابة مليون معطل عن العمل في بضع أشهر؟ وبالتالي سيعود كل شيء الى "المجلس الوطني للحوار " المحدث لأن لا اتفاق في كل شيء, وحسب التوافق داخله فلن يكون لأحزاب الحكومة أية شرعية انتخابات أو تأثير على الساحة. وما كانت عبارات بيان الاتحاد "على ان أطر الحوار والتوافق هذه لا تمثّل إلا قوة اقتراح ولا تعوض في شيء السلط الدستورية والشرعية القائمة التي تبقى وحدها صاحبة اتخاذ القرار", ليس الا ضربا من التنميقات السياسية التي لا تنطبق على واقع الحال. فالأحزاب السياسية التي لا تمتلك قاعدة شعبية توجهت للاتحاد, الذي تعتبر اغلب قياداته تابعة لليسار , لأن الاتحاد وحده قادر على تعطيل المؤسسات من خلال دعواته للاضراب المتواصل من أجل الزيادة في الأجور او من أجل مشاكل عادية مثل اضراب النقل الذي شلّ تونس الكبرى. وكان من الأخطاء التاريخية في مسار ثورة تونس أن تشارك النهضة أو المؤتمر او الأحزاب التي تعتقد بانها تتمسك بالمنهج الثوري في تطهير البلاد, في هذا الحوار لأنه سيكون الضربة القاسمة لهم, فهو سيثبت بأنها أحزاب غير قادرة على الوقوف بمفردها, وغير شعبية, وأيضا أحزاب انتهازية تبحث عن الوصول الى السلطة بأي الطرق. وقد تحول الحراك السياسي في تونس الى قطبين, النهضة والمؤتمر وبعض بقايا التكتل في جهة, والاتحاد بمكوناته الجديدة الجبهة الشعبية ونداء تونس وأحزاب أخرى لا تمثل الا مؤسسيها من جهة. وكقراءة سريعة لمستقبل الأحداث في تونس الى نهاية هذه السنة , سيدخل الاتحاد منعرجات خطيرة من حيث الاضرابات غير المحسوبة التي سيدعو اليها, طبعا بمساندة الأحزاب التي ستحاول تحريك الشارع الى غاية نهاية هذه السنة, وبعدها سينفك الرباط بين أحزاب الاتحاد والتي تدور في فلكه للبحث عن زعامة ما, ومنها من سيحاول عقد اتفاقات مع حركة النهضة في خضم حملة انتخابية نشطة جدا. الأربعاء, 17 أكتوبر 2012