يتجه المجتمع الجزائري نحو فقدان ميزة طالما افتخر بها النظام السياسي طوال عقود من الزمن، وهي المتمثلة في كون ثلثا ديمغرافيتها من فئة الشباب، وقد كشفت عن هذه المستجدات هيئة رسمية هي "الديوان الوطني للإحصاء"، من خلال دراسة ديمغرافية أعدتها بعنوان "المجتمع الجزائري وآفاق 2030"، تشير إلى أن عدد المواليد في النصف الأول من العشرية الحالية يرزح دون عدد الولادات المسجلة في السنوات الأربع من عشرية التسعينيات. هذه الدراسة التي تعتبر آخر ما أنجزه الديوان الجزائري للإحصاء، والتي اطلعت عليها "إذاعة هولندا العالمية" توقعت أن يصل عدد سكان الجزائر في الفاتح من يناير 2007 إلى 33.8 مليون نسمة، بزيادة 600 ألف نسمة فقط عن الرقم المسجل في سنة 2006، المقدر ب 33.2 مليون نسمة، في وقت كانت فيه الزيادة السنوية في حدود المليون نسمة. وبالغوص في أعماق الجداول الإحصائية للدراسة التي مسحت 16 سنة بداية من 1990 إلى السنة الحالية يتبين أن وتيرة الارتفاع في عدد المواليد في الجزائر كانت تسير بوتيرة عادية من سنة 1990 إلى 1994، مسجلة أرقاما لم تقل عن عتبة 773 ألف مولود حي، قبل أن تأخذ في التراجع بداية من سنة 1995 التي سجلت 711 ألف مولود حي، و607 آلاف في سنة 1998 و 594 في 1999إلى سنة 2000، التي سجلت أدنى نسبة على الإطلاق بواقع 589 ألف مولود حي. وتشير الدراسة ذاتها إلى أن الارتفاع في عدد المواليد الأحياء لم يسترجع نسقه التصاعدي إلا بداية من سنة 2001 التي سجلت رقما يساوي 619 ألف مولود حي، ثم 649 ألف في سنة 2003 و 669 ألف في سنة 2004، و703 آلاف مولود حي في سنة 2005. وعلى الرغم من أن النسق التصاعدي في عدد المواليد عاد مع سنة 2001 إلى أيامنا الراهنة، وهي السنوات التي بدأ فيها السلم والأمن يعم أرجاء البلاد؛ بسبب سياسة المصالحة الوطنية التي تبناها الرئيس "عبد العزيز بوتفليقة" منذ وصوله إلى السلطة في سنة 1999، إلا أنه ومع ذلك، فإن الرقم المسجل بعنوان سنة 2007 لم يصل حتى إلى الأرقام التي سجلت في السنوات الأربع الأولى من عشرية التسعينيات، والتي لم تكن تقل عن عتبة 773 ألف مولود حي، في حين أن الرقم المسجل في سنة 2005 يقل عن الرقم الأخير بواقع 70 ألف حالة ولادة عادية. الدراسة قدمت أرقاما أخرى تتعلق بعدد الزيجات في السنة، والتي تعتبر عاملا مهما في تفسير هذا التراجع الحاد في عدد المواليد، وهنا أشارت الدراسة إلى أن عدد الزيجات بلغ 280 ألف في سنة 2005، مسجلة ارتفاعا محسوسا بلغ 12 ألف حالة زواج، وبنسبة زيادة قدرت ب 4.4 بالمائة، إلا أنها مع ذلك تبقى دون المستوى الذي سجلته نسبة الزيجات في العشريات السابقة، والتي لم تكن تقل عن زيادة ب 10 بالمائة سنويا. واللافت للنظر في هذه الدراسة، هو أن تراجع عدد الولادات امتد ما بين 1995 و 2000، وهي السنوات التي شهدت تصاعدا خطيرا وغير مسبوق في طبيعة ونوعية العمليات الإرهابية في الجزائر، والتي أخذت طابع المجازر الجماعية بدل عمليات الاغتيال المتفرقة، التي كانت تحدث هنا وهناك، وأبرز مثال على ذلك مجازر"الرمكة" بمدينة غيليزان الواقعة على بعد 350 كلم غرب العاصمة الجزائر، والتي خلفت 800 ضحية، إضافة إلى المجزرة التي ارتكبت بمنطقة "الرايس" الواقعة على بعد 20 كلم جنوب العاصمة، والتي خلفت أزيد من 600 ضحية، وكذا مجزرة "بن طلحة" القريبة منها، والتي خلفت ما يقارب ال 500 ضحية، وهي عامل يؤثر على عدد الزيجات،وبالتالي على عدد الولادات، إلى جانب الوضع الاجتماعي المزري الذي خلفه تراجع دور الدولة في توفير أبسط الشروط الاجتماعية التي تساعد الشباب على الزواج، وفي مقدمتها السكن. وكان وزير التربية الجزائري "أبو بكر بوزيد" قد كشف في تصريح له بمناسبة الدخول المدرسي للموسم الحالي 2006 / 2007، عن تراجع عدد التلاميذ المسجلين في السنة الأولى ابتدائي في سنة 2006، مقارنة بالسنة الماضية، الأمر الذي دفعه إلى حث الجزائريين على الإقبال على الزواج، مستأنسا بالتحسن الذي عرفته الوضعية الاجتماعية للجزائر، لا سيما على مستوى قطاع السكن، الذي أصبح يوفر عروضا مختلفة للاستفادة وبأسعار في متناول الراغبين، على اعتبار أن هذا القطاع يعد عاملا مهما في الإقبال على الزواج. ويمكن تبرير ما قاله وزير التربية الوطنية بالرجوع إلى عدد المواليد في سنة 2000، التي شهدت أضعف نسبة على مدار ال 15 سنة التي شملتها الدراسة، مع العلم أن سنة 2000 هي السنة التي ولد فيها التلاميذ المتمدرسين لأول مرة في الموسم الدراسي الجديد، بحكم السن القانوني للتمدرس المحدد بست سنوات. نتائج هذه الدراسة وإن حملت تباشير بارتفاع مضطرد لسكان الجزائر إلا أنها كشفت من جهة أخرى عن مستجدات "غير سارة"، وهي أن الزيادة التي سجلت بعنوان سنة 2007 والمقدرة ب 600 ألف نسمة، ليس مردها إلى عدد المواليد فحسب، وإنما لارتفاع عامل الأمل في الحياة الذي وصل إلى 75 سنة بالنسبة للجنسين (74 سنة للرجال، و 75 بالنسبة للنساء)؛ مما يعني بالنتيجة أن الجزائر تتجه تدريجيا نحو فقدان خصوصية ديمغرافيتها التي ظلت على مدار سنوات يتشكل ثلثاها من فئة الشباب، وأن مجتمعها يتجه شيئا فشيئا نحو شيخوخة غير مسبوقة. وقد اعتمدت هذه الدراسة الديمغرافية على معطيات مستقاة من دفاتر الحالة المدنية بعنوان "الولادات التي شهدتها سنة 2005" ، والتي كشفت عن زيادة ديمغرافية قدرت ب 4.9 بالمائة، مقارنة بسنة 2004، على الرغم من الارتفاع المحسوس في عدد الوفيات المقدر بستة آلاف حالة، مقارنة بسنتي 2003 و 2004 اللتين شهدتا تراجعا نسبيا، حسب نفس الإحصائية. 19-10-06 Radio Niederland internetonal