مع احتدام الجدل في تونس حول قضية الزي الاسلامي المصطلح عليه شعبيا وعربيا بالحجاب ,ومع تصاعد نبرات المواجهة الكلامية بين أنصار بعض الأطراف الحكومية المسؤولة وكثير من المعارضين والحقوقيين حول أحقية الدولة في املاء زي نسائي معين على مواطناتها,فانه بات من اللافت للنظر اختفاء بعض الأطراف الايديولوجية المغالية في الانتصار للحداثة من باب القمع وراء عملية التحريض ضد الحجاب كاختيار ديني محض بعيد كل البعد عن القناعات السياسية,ولعله من المفيد في هذا الصدد التذكير ببعض الكتابات غير المسؤولة حول الموضوع والتي لقيت احتفاء كبيرا على الغراء الصباح التونسية. لم تكن الصباح كصحيفة عريقة مسؤولة بلاشك عن هذا النمط من الكتابات فكما هو معلوم في أبجديات العمل الاعلامي أن المقالات أو حتى الافتتاحيات هي تعبيرة حرة عما يراود أصحابها من رؤى وأفكار,ولم تكن أقوال كتابها يوما قرانا منزلا أو كان أصحابها "أنبياء" لايمشون في الأسواق. غير أن الصباح أخضعت ومنذ مدة في ظل تردي واقع الاعلام وتقييد حريته الى رقابة شبه صارمة استطاعت التخلص منها نسبيا في الأشهر الأخيرة وبشكل لافت للانتباه دون أن يعني ذلك تجاوزا منها للخطوط السياسية الحمراء. وبالعودة الى موضوع الحجاب الذي كانت الصباح أكثر المتعاطين معه من خلال أقلام لم تعكس الرأي الاخر وحججه,فانه من اللافت للانتباه انزلاق الموضوع الى مواجهة شبه امنية في بعض الجامعات والمعاهد من خلال محاولات فرض قسرية لمنع ارتدائه في بعض المؤسسات التعليمية والتربوية. ومع دخول الموضوع الى مرحلة متقدمة من الجدل جاءت تصريحات الرئيس بن علي لتلقي بمزيد من الاضاءات حول الموقف المتشنج واللامسؤول الذي أدلى به الدكتور الهادي مهني في مسامرة دينية ورمضانية,لتقدم هذه التصريحات الرئاسية انتصارا لموقف الدفاع عن الحياء والحشمة في بلد الخضراء ولكن مع احتراز لافت من الرئيس بن علي على اللباس الطائفي الدخيل. وفي الوقت الذي كنت أظن ان كلام الرجل الأول للدولة التونسية قد حسم الموضوع من خلال اعطاء تعليمات بالكف عن التصريحات المستفزة في الغرض والكف عن الحملات الأمنية التي تشوه صمعة تونس وتعطي ذريعة للاسلام الاحتجاجي والفرقاء السياسيين بترويج صورة سلبية عن الحكم في ظل عدم الاستجابة لنداءات الاصلاح والمصالحة الوطنية,فانني فوجئت هذا اليوم الجمعة 20 رمضان 1427 بدخول "النساء الديمقراطيات" و"الحزب الاجتماعي للتحرر" والصحافة التونسية في حملة تصريحات وبيانات تنسف مقولات الحريات الأساسية وضرورة الدفاع عنها ولاسيما اذا تعلقت بحريات خاصة وشخصية...ولقد لفت نظري أيضا دخول حركة النهضة على الخط رسميا في الموضوع كما الحزب الديمقراطي التقدمي منذ يومين على الأقل من باب الانتصار للحرية الفردية في مجال الزي-ولو أنني حبذت ابتعاد النهضة عن الموضوع من باب عدم توفير الذرائع السياسية لخلفيات هذه المصادرة الحكومية. واذا كنت لاأستغرب ولم أستغرب ولن استغرب موقف مايسمى بالنساء اللاديمقراطيات عفوا الديمقراطيات من الموضوع بحكم مواقفهن السابقة والمعادية لقيم الأصالة بدعوى الحداثوية,الا أن انضمام الحزب الاجتماعي للتحرر الى هذه الجوقة اللاديمقراطية كان لدي من باب عناصر الوصول الى لحظة التنوير الأدبية والسردية خاصة وان تسميته ترمز قطعا الى قيم الليبيرالية. اما عن الصحافة التونسية المغلوبة على امرها فحدث ولاحرج يوم أن غدى بعضها يقدح في الأعراض ويفبرك قصصا جنسية عن المعارضين والمناضلين والمناضلات بما لايتقبله عقل أو يرنو اليه خيال,وبالتالي فان "الطير يغني وجناحه يرد عليه",أي أن ماتروج له في حق الحجاب هو من قبيل ترديد بعض الأناشيد السياسية الجاهزة لبعض الأطراف المتنفذة في الحكم والمعادية قطعا لقيم العروبة والاسلام وحتى ماتقتضيه قيم الحداثة والعقل من مرونة وتسامح وعدم حض على الحقد العقدي والديني والسياسي. ولعله لايفوتني التنويه الى الموقف الرئاسي الذي يمكن أن ناخذه على محمل الايجابية والتنويه بحكم أنه انتصر الى الحشمة والحياء والزي التونسي الأصيل ثم ماورد تجاهه من توضيحات على لسان مستشار رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بن ضياء ولو بشكل غير مباشر حيث اعرب هذا المسؤول السياسي الرفيع عن تمسك تونس بالزي التقليدي مثل السفساري والملية. وبناء على هذه التصريحات السياسية السامية فانني أتوجه بنداء صادق وعاجل وذكي الى نساء تونس وحرائرها من التلميذات والطالبات والموظفات في القطاع العمومي من أجل العودة الى الزي التونسي التقليدي كبديل يرفع الحرج السياسي والأمني الذي ترتب عن التطبيق الجائر للمنشور الفضيحة 108,وأعتبر أنه من واجب الحكومة التونسية بعد أن توضحت الأمور تفسيريا من خلال مالمقصود بمفهوم الزي الطائفي,أعتبر أن من واجبها توفير مستحضرات نسيج السفساري والملة والملابس التونسية التقليدية المحتشمة وذلك من باب الحرص على تطبيق تعليمات وتوجيهات رئيس الجمهورية ومن ثمة عدم ترك السوق التونسية خالية من هذه المستحضرات ولاسيما اذا ماعلمنا ان صناعة السفساري والحرايرية كانت قد انقرضت منذ عقود في ظل ماعرفته البلاد من موجات تحديث اصرت على استهداف الأزياء النسائية التونسية الأصيلة. انها دعوة صادقة للمرونة السياسية والذهنية في مواجهة عقد السياسة والايديولوجيات تجاه قطعة قماش أخذت شكل الحجاب الحديث واتهمت بالطائفية والدخيلة وكأن ملابس الدجينز والتنورة الفاضحة والقصيرة وماالى ذلك من ملابس شفافة تدفقت علينا من كل عواصم العالم تحت مسميات الموضة لم تكن يوما دخيلة ومستوردة!!! انني امنت ومازلت مؤمنا بحق الجميع في الاختيار الحر للملبس ,ولكن أمام تشنج بعض الجهات النافذة في الحكم تجاه هذا الموضوع واستعمالها للعصا الغليضة في تحديد ملابس الناس ومن ثمة اتخاذه ذريعة لافساد قنوات اتصال جارية من أجل مصالحة وطنية حقيقية, فانني أدعو الى التمسك الحرفي بمواقف رئيس الجمهورية التونسية في معرض لقاء له مع وزير الشؤون الدينية السيد أبو بكر الأخزوري وذلك بالعودة الى كل الملابس التونسية التقليدية الموفية بغرض الحياء والحشمة لنلقي بذلك جميعا بالمنشور 108 في غياهب مزابل التاريخ. *