وزير الاقتصاد: الممكلة العربية السعودية تعد من ضمن الدول العشر الاوائل من حيث حجم الاستثمار في تونس    وزير الاقتصاد: سياسة الاستثمار في تونس ترتكز على تجسيم حرية الاستثمار وحماية حقوق المستثمر والحرص على تمتين صلابة الاقتصاد الوطني    الأونروا: انهيار 17 مبنى وتضرّر أكثر من 42 ألف خيمة في غزة جراء المنخفض الجوي    عاجل : هذا شنوا قال مدرب تنزانيا على مباراته ضد تونس غدوة    وزير التربية يُعلن عن إحداث 4 آلاف مكتبة مدرسية في كل المدارس الابتدائية    إدمان قطرات الأنف؟...سرّ خطير علر صحتك لازم تعرفه    حصيلة أبرز الأحداث الرياضية لسنة 2025... الثلاثي الثاني (أفريل – ماي – جوان)    التسجيل مازال مفتوح: دورة فيفري 2026 للتكوين المهني تنتظركم    عاجل:الابن الي قتل والده الطبيب في فرنسا...أخفى الجثة في حديقة المنزل...تفاصيل مرعبّة    عاجل: شحنات لحوم مبرّدة ملوثة كانت ستباع للتوانسة ...تفاصيل تكشفها غرفة القصابين    عاصفة بالسويد تجيب الموت للسويد: 3 ضحايا    عاجل: هذا هو حكم لقاء تونس وتنزانيا    بنك تمويل المؤسسات الصغرى والموسطة يقدّم قرض بدون فائدة...كيفاش ولشكون؟    حكم غيابيا ب12 سنة في قضية التآمر على أمن الدولة: محكمة الاستئناف تنظر في اعتراض أحمد نجيب الشابي    جريمة دامية بالقاهرة.. طعنة غادرة تنهي حياة شاب وسط ذعر المارة في المقطم    بركان إتنا في جزيرة صقلية: هل تصل تأثيراته إلى تونس؟    سليانة: تقدم موسم البذر بنسبة 94 بالمائة    التوانسة في فرنسا يتصدّروا قائمة الحصول على الجنسية الفرنسية    هام/ 6 مؤشرات أساسية لتطمئن على صحة قلبك..    كأس أمم إفريقيا "المغرب 2025": برنامج مقابلات اليوم    الليغ 1: نيس الفرنسي يعلن رحيل مدربه    غلوب سوكر 2025: نجم باريس سان جيرمان يتوج بجائزة أفضل لاعب في السنة    فار من السجن..تفاصيل الاطاحة بمجرم خطير..#خبر_عاجل    مصنفان بالخطيران جدا ... "مونتيتي" و"الزبراط" في قبضة عدلية سيدي حسين    لحظات صادمة في كأس الأمم الإفريقية.. حارس السودان ينهار على أرض الملعب    اتصالات ومهلة وزيارة سرية: "كواليس" تكشف لأول مرة عن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال..#خبر_عاجل    أسعار الخضر واللحوم والأسماك في أسواق العاصمة اليوم    برشا ماتشوات اليوم: اليك شكون ضدّ شكون الوقت والقنوات الناقلة مباشرة    عاجل : أول عملية اعوجاج العمود الفقري للأطفال ناجحة في سبيطار القصاب ...تفاصيل    ''براكاج'' آخر في القيروان: سائق تاكسي يتعرض لمحاولة سرقة وحادث عنيف    عاجل/ وفاة طفلة دهستها حافلة قرب شلالات بني مطير..التفاصيل الكاملة للحادث..    عاجل/ بعد جريمة الأسبوع الماضي: "براكاج" جديد يستهدف سائق تاكسي..وهذه التفاصيل..    عاجل: هذا اللاعب سيحرم من المشاركة في ماتش تونس ضدّ تنزانيا    عاجل/ اثر زيارة غير معلنة للوالي: انهاء مهام هذا المسؤول..    جدل واسع بعد حفل رادس : تذاكر مرتفعة وشكاوى من سوء التنظيم    QNB ينظم ورشة مالية لتلاميذ مدرسة "الشاذلي خزندار" الابتدائية بالزهراء    مواجهات بين الشرطة التركية وعناصر من داعش..#خبر_عاجل    عاجل/ اليوم.. القضاء ينظر في الاعتراض المقدم من طرف أحمد نجيب الشابي على الحكم الصادر ضده..    شوف شنوا تاكل باش تقوي مناعتك في الشتاء    كيف سيكون طقس اليوم 29 ديسمبر؟    المكسيك: 13 قتيلا وعشرات المصابين بعد خروج قطار عن مساره    ترامب يحث زيلينسكي على تسريع عقد اتفاقية سلام ويحذر من خسائر جديدة في الأراضي    القيروان: اعتداء جديد على سائق تاكسي فردي يثير مخاوف مهنيّي القطاع    إندونيسيا: وفاة 16 شخصا في حري بدار للمسنين    ما بقي من مهرجان «خليفة سطنبولي للمسرح» بالمنستير...ذكاء اصطناعي وإبداعي، مسرح مختلف وتفاعلي    مع الشروق .. التاريخ يبدأ من هنا    البنك الوطني للجينات يقوم بتركيز ثلاث مدارس حقلية بولايات سوسة وصفاقس وبنزرت    عاجل/ ايقاف صاحب مطعم..وهذا هو السبب..    فيلم "فلسطين 36" في القاعات التونسية بداية من الأربعاء 7 جانفي 2026    نابل: "العلوم الإنسانية والاجتماعية بين تحديات التحول الرقمي وفرص تحقيق التنمية المستدامة "محور أعمال منتدى تونس الثاني للعلوم الإنسانية والاجتماعية    توزر: إشكاليات تراث جهة الجريد وسبل تثمينه في ندوة فكرية بعنوان "تراث الجريد بين ضرورة المحافظة ورهانات التثمين المستدام"    وفاة الممثلة الفرنسية بريجيت باردو عن عمر يناهز 91 عاما    تونس تودّع سنة 2025 بمؤشّرات تعافٍ ملموسة وتستشرف 2026 برهان النمو الهيكلي    مرض الأبطن في تونس: كلفة الحمية الغذائية تثقل كاهل المرضى والعائلات محدودة الدخل    استراحة الويكاند    نصيحة المحامي منير بن صالحة لكلّ تونسية تفكّر في الطلاق    أفضل دعاء يقال اخر يوم جمعة لسنة 2025    تونس: مواطنة أوروبية تختار الإسلام رسميًا!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نهاية نظرية"التنمية أولا"
نشر في الوسط التونسية يوم 13 - 10 - 2006

تربط الكثير من الدراسات المتخصصة في ما يسمى"التحول الديمقراطي" بين القيم الثقافية لمجتمع من المجتمعات وبين صيرورة العملية الديمقراطية، فاستقرار مفاهيم من مثل التعددية والفردانية والمواطنة وحقوق الإنسان والمساواة داخل القيم العميقة للمجتمع يُعد عاملاً حاسماً لجهة التحول الآمن لهذا المجتمع نحو الديمقراطية. بدون ذلك ربما لن تستطيع "الديمقراطية الوليدة" أو الناشئة أن يتصلب عودها بدون وقتٍ طويل من الصراعات والشد والجذب بين مناصريها وأعدائها، التي ربما تتجلى في نزاعاتٍ مسلحة أهلية أو طائفية وضعف المؤسسات الشرعية والدستورية، وربما أخطر من كل ذلك فقدان الأمن الشخصي للمواطن بما يعني فقدان استقرار المجتمع والدولة معاً.
فالنظام الديمقراطي إذاً يكون أكثر أماناً عندما تكون بناه وسيرورته منسجمة مع القيم الشعبية العامة والنخبوية أكثر منها متصادمة. لكن، ربما ينقلنا ذلك إلى تلك الثنائية التاريخية التي سادت فترةً لا بأس بها واستقرت داخل وعي النخب العربية وتتعلق بالربط بين السيرورة الديمقراطية ودرجة التطور الاقتصادي، وذلك عبر الربط بين درجة تطور الوعي الثقافي وبين الديمقراطية.
لابد من القول – في البداية- إن معظم الدراسات الجدية أشارت إلى وجود علاقة متبادلة إيجابية بين التطور الاقتصادي والديمقراطية، وبحسب تعبير ليبسيت " كلما كان حال الأمة أفضل كانت فرص تعزيز الديمقراطية أعظم" وقد برهن ليبسيت على أن الديمقراطيات عموماً تكون أقرب لأن يكون مستوى تطورها الاقتصادي أعلى من اللاديمقراطيات.
وقد تابع ليبسيت، فيما بعد، كثيرٌ من الباحثين سيما أولئك الذين احتفظوا بانتقادات جادة للديمقراطية انطلاقاً من المنهج الاقتصادي أو الماركسي، لكن، سيفل ووينستين وهالبرين حاولوا إعادة قلب المعادلة وإعادة طرح النظرية بمنطقٍ مختلف وهي"لكي تتطور الدول الفقيرة اقتصادياً ينبغي عليها أن تصبح ديمقراطية". فقد نمت الديمقراطيات الفقيرة بسرعة توازي على الأقل سرعة نمو الأوتوقراطيات الفقيرة، وتفوقت عليها في الأداء تفوقاً كبيراً حسب معظم مؤشرات الرفاهية الاجتماعية، كما تفوقت هذه الديمقراطيات كثيراً في مجال تجنب الكوارث.
وهكذا يناقض سيفل ورفاقه النظرية القائمة على أسطورة"التنمية أولاً" التي نادى بها كما قلنا من قبل سيمور مارتن ليبسيت، قبل خمسٍ وأربعين عاماً، معتبرين أن هذه النظرية أدت أولاً إلى تخليد الاستبداد، كما أنها أعطت مبرراً حقيقياً للغرب لمساندة الحكومات الاستبدادية، التي كانت خارج سيطرة الاتحاد السوفييتي، ليحول دون تحولها إلى شيوعية، وكتبرير قائم على أن الحكم السلطوي يخلق بنية اقتصادية وصناعية قوية في بيئة اجتماعية وثقافية هشة. بيد أن السجل الاقتصادي السيئ للحكومات العسكرية في دول أميركا اللاتينية والحكومات الدكتاتورية في أفريقيا والدول الشيوعية في أوروبا الشرقية وآسيا أسقط الهالة النظرية التي أحاطت بنجاح بعض الأوتوقراطيات في شرق آسيا بخاصةً في سنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان وحديثاً الصين.
فارتفاع نسب الفقر إلى درجة السقوط في المجاعة والإخفاق في السيطرة على نسب البطالة والفشل الصحي المتمثل في انتشار الأمراض الوبائية والجائحة جعل الكثير من الباحثين ينتهون، بعد مقارنة طويلة، بين الدول الديمقراطية ذات الدخل المنخفض وبين نمو الدول ذات الدخل المنخفض وتحكمها حكومات سلطوية إلى أن الديمقراطيات ذات الدخل المنخفض قد نمت بالمتوسط بسرعة توازي سرعة نمو الأوتوقراطيات ذات الدخل المنخفض خلال الأربعين سنة ماضية، كما أن متوسط معدلات نمو الدخل الفردي في الديمقراطيات الفقيرة كان أعلى بخمسين في المائة من مثيلاته في الأوتوقراطيات الفقيرة. فالبلدان التي اختارت الطريق الديمقراطي مثل جمهورية الدومينيكان، والهند ولاتافيا وموزامبيق والسنغال قد سبقت نظيراتها الأوتوقراطية مثل أنغولا، وجمهورية الكونغو، وأوزبكستان، وزيمبابوي، وتصبح الأفضلية هذه أكثر وضوحاً عندما ينتقل النقاش من معدلات النمو إلى المقاييس الأوسع للرفاهية من حيث قياس المؤشرات الاجتماعية مثل متوسط الأعمار المتوقعة، وتوفير ماء الشرب النقي، ومعدلات التعليم، وناتج الغلال الزراعية، ونوعية الخدمات الصحية العامة.
يمكن القول بثقة إن الفرضية القائمة على جدلية"التنمية أولاً"، والتي تزعم أن الديمقراطية ستتبع آخر الأمر التقدم الاقتصادي، وبالتحديد حين يصل مستوى الدخل إلى المستوى المتوسط، ما يدعم بناء الطبقة الوسطى، وهو بدوره سيجعل عددا متزايدا من المواطنين رفيعي الثقافة يطالب بمشاركة سياسية أكبر وسيقود في النهاية إلى تحول ديمقراطي ناجح، هذه النظرية منيت بفشل ذريع لأن عددا محدودا جداً فقط من هذه الدول السلطوية قد استطاع بلوغ مستوى الدخل المتوسط، من بينها اسبانيا والبرتغال واليونان، والتي يعود تحوّلها الديمقراطي إلى أسباب أوسع بكثير من تأثير نخبة طبقتها الوسطى.
هذا يعني أن الدول ذات الأنظمة السلطوية لم تفشل فقط في تحقيق المشاركة السياسية وبناء المؤسسات الدستورية المستقرة، وإنما فشلت أيضاً في تحقيق النمو الاقتصادي الذي تتذرع به من أجل عدم تحقيق الديمقراطية. يعيد سيفل ورفاقه ذلك إلى عدد من الأسس المفاهيمية الرئيسية:
أولها؛ لأن الديمقراطيات الفقيرة تتفوق في أدائها على الحكومات السلطوية فمؤسساتها تخول اقتسام السلطة ما يشجع على الانفتاح والتكيف. فتأثير القواعد الشعبية على النخب الحاكمة ينعكس بشكل جلي في تحسين البرامج الاقتصادية والتنموية لأن العلاقة قائمة على المحاسبة والمساءلة وليس على المحسوبية الضيقة التي تعطي حافزا ضئيلا لذوي السلطة في التركيز على رفاهية المجتمع، فالميزة التنموية تتحقق في الديمقراطية اعتباراً من مبدأ المراجعة والموازنة Checks and balances أي مراجعة كل مؤسسة من مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية للأخرى بغية الوصول إلى نقطة موازنة لخدمة المصالح العامة. أما الأنظمة السلطوية فإن الاحتكار السياسي غالباً أو دائماً ما يتحول إلى احتكار اقتصادي مما يضعف المنافسة والابتكار وهو ما يشلّ في النهاية الفعالية الاقتصادية.
ثاني هذه الأسس يعود إلى انفتاح الديمقراطيات على تدفق المعلومات وبالتالي قدرة القادة والجمهور معاً على الأخذ بعين الاعتبار بنطاق واسع من الخيارات ما يعزز السياسات الفعالة ذات الكفاءة والمعدلة حسب الطلب. فالتطوير هو تمرين لتعليم المواطنين، وبالتالي تكون القدرة على تصويب الأخطاء أكبر، ما يعني أن الفرصة نحو الانتقال باتجاه الخيارات الأمثل هي أكبر بكثير من الحكومات السلطوية التي تدار وفق آلية عمل المنظمات السرية، ما يضعف القدرة على التصحيح ويفتح الباب بشكلٍ أوسع نحو الدخول في سلسلة لا متناهية من الأخطاء التي غالباً ما تنتهي بالكوارث السياسية والاقتصادية.
وهكذا إذا كانت أسطورة "التنمية أولاً" أو ما يسمى "الديمقراطية الاجتماعية" قد فشلت، رغم طول عمرها الزمني، في إنجاز ما سعت إليه على مستوى تحقيق التنمية الاقتصادية أولاً ثم الديمقراطية ثانياً، فهل تكون العلاقة الجدلية بين "القيم الثقافية" وبين الديمقراطية محاولة أخرى لافتعال ثنائية تستهدف تبرير فشل تحقيق الديمقراطية عملياً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.