السائد عند النخبة المتعالية والمعزولة عن واقعها أن "الحجاب" تعبير عن "عقد" نفسية عند الفتيات المحجبات! وأطرف ما قرأت ردا على هذا التفسير"الاعتباطي" ما قاله الصحفي الراحل محمد جلال كشك رحمه الله تعالى، حين ألمح إلى أن المشكلة ليست في الحجاب ولكن مع الإسلام ذاته ، ولو افترض أن سمى "البكيني" حجابا لهاجموه وانتقدوه! فالحجاب ليس محض "شارة" دينية أو غطاء للرأس أو تقليد اجتماعي ولكنه "اختيار" ذوحمولة ثقافية وحضارية لمشروع سياسي أكبر وأوسع...ولعل كثيرا منا ظل ملتبسا عليه طوال سنوات طويلة مغزى ودلالة رفض حزب الوفد دفن زعيمه الراحل سعد زغلول في "مسجد" واصراره على دفنه في قبر "فرعوني"! القرار الوفدي لم يكن من قبل "جاء في الهايفة وتصدر" .. ولكن العكس.. كان شديد الوعي بما يفعل .. فاختيار شكل القبر(الفرعوني) هنا كان تعبيرا عن مشروع الوفد السياسي المناهض لفكرة "الجامعة الإسلامية" والذي يمثلها المسجد كرمز وتبنيه لفكرة "الجامعة الوطنية" المؤسسة على الحضارة المصرية "الفرعونية" القديمة. النخب السياسية العلمانية المتطرفة تتعاطى مع الحجاب باعتباره تحديا سياسيا وحضاريا لمشاريعها السياسية والحضارية .. وفي تقديري أن هذا هو الوعي الأ قرب ملامسة لحقيقة الهجوم "الرسمي " على الحجاب سواء في العالم العربي أو في العالم الغربي. أما مسألة أن ثمة علاقة بين "الحجاب" والعقد النفسبة عند المرأة ... فإني أتوقع وجود مثل هذه العلاقة ولكن من جانب بعض النساء غير المحجبات من اللاتي فرض عليهن أو تعرضن لتجارب مع الرجال خلفت لهن جرحا نفسيا غائرا استسلمن له وطفقن يبحثن عن كل ما يتيح لهن التعبير عن حنقهن على الرجل وكراهيتهن له. وايضا ، هذه "العقدة" يتم التنفيس عنها من خلال "الرموز" التي تعتقد المرأة المعقدة أن لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بكل ما تعتبره أو تعتقد أنه يناصر الرجل أو ينحاز له ضدها. ولو تأملنا الحالات "النسوية" الأكثر فجاجة في الهجوم على "الحجاب" أو على "الإسلام" وراجعنا سيرتهن الذاتية مثل الصومالية أيان هيرسي والسورية وفاء سلطان والمصرية نوال السعداوي سنجد أن لكل منهن مشكلة مع الرجل.. ولاعتقادها أن الإسلام انزل الرجل "فوقهن درجة" فإنها تضمر عداء خفيا له. بعضهن يهاجمنه صراحة مثل هيرسي ووفاء سلطان لوجودهن في دول غير مسلمة : الأولى في هولندا والثانية في أمريكا .. وأخريات مثل نوال السعداوي لوجودهن في بلد مسلم يهاجمنه من خلال تجلياته الرمزية مثل " الحجاب" و ما تعتقد أنه سليل الثقافة الاسلامية مثل ما يطلقون عليه "المجتمع الذكوري".. وأذكر أني كتبت هنا ذات مرة عن نموذج السعداوي حين شاهدتها مع هالة سرحان على روتانا سينما ، وأذكر أن بعض من شاهدوا الحلقة سارعوا وبعفوية في وصفها ب"المسخرة" والبعض الآخر قال كانت أشبه بفيلم كوميدي ، فيما اعتبرته أنا وبحسب تقديري ، مشهدا مأساويا يبعث على الشفقة والأسى لما آل إليه حال السعداوي . تحدثت السعداوي ببراءة شديدة عن شبابها ، وكيف كانت جميلة تشبه في جمالها الراقصة ليلى جمال ، وكان الشباب ينتظرونها في ذهابها وأيابها من الجامعة ، ليلقوا عليها كلمات الحب الغزل الرقيق. وشنت السعداوي هجوما لاذعا على الرجال الذين يرونها "قبيحة" واتهمتهم بأنهم "بهائم" لا يفهمون في الجمال والحلاوة ، وطفقت تستعرض في الاستديو أمام الكاميرات "جسدها وقوامها" وتقول : شايفة يا هالة قوامي وجمالي وحلاوتي ؟! البعض رأوا في كلام السعداوي "تخريف عجائز" والبعض قال "الولية اتجننت" والبعض لم يكترث بما قالت وترك لنفسه العنان للضحك والاستمتاع بما جلبته الحلقة من بهجة و فكاهة . غير أني شعرت بالشفقة على الطبيبة التي شعرت أنها كانت ضحية أوضاع اجتماعية وأسرية افضت في النهاية إلى افراز نمط إنساني رغم كل خلافاتنا معه إلا أنه ثري بالأبعاد والتقاطعات الجديرة بالتحليل والدراسة لتفكيكه ، لأنه نمط يتكرر كثيرا سيما في أوساط النساء المثقفات ممن لهن تجارب مشابهة لتجربة نوال السعداوي . من يتأمل ويدقق في كلام نوال ومفرداتها ويعود إلى سيرتها الذاتية التي كتبتها ، سيخرج بنتائج بالغة الأهمية وبما يشبه القوانين في علم الاجتماع وفي العلوم التي تهتم بالنفس الإنسانية . لقد ولدت نوال في بيئة اجتماعية معادية للأنثى وهي طفلة ثم وهي شابة ، ثم تعرضت لتجربة زواج فاشلة ومريرة فيما كان زوجها الثاني والحالي يتعدى عليها وعلى ابنتها بالضرب والإهانة . أي أنها عاشت حياة طويلة تعرضت فيها لكل أنواع الإذلال والأذى النفسي والجسدي والجنسي من قبل الرجل في أسرتها الأولى "العائلة" أو في حياتها اللاحقة مع "الزوج" . صحيح أن المئات مثل نوال يتعرضن لمشاكل وتجارب مشابهة لما مرت به ، ومع ذلك فإنهن ربما يتخذن مواقف معادية من الرجل فقط ، ويرفعن شعار "يا مأمنة للرجال .. يا مأمنة للمية في الغربال" ، ولايمتد هذا العداء إلى الدين أو الثقافة الإسلامية الأصيلة ، بل ربما يكن متدينات ويلجئن إلى الله تعالى بالدعاء أن يبدلهن خيرا مما أخذ منهن . لكن هذا الحال يكون مختلفا إذا كانت المرأة التي مرت بتلك التجارب مثقفة وابتلاها الله تعالى بقضاء فترة حياتها البكر في حضانة الفكر الماركسي الذي كان له حضور وجاذبية كبيرة في الأوساط الثقافية العربية عقودا طويلة من القرن الماضي (العشرين)..إذ تعتقد هؤلاء النسوة في ظل الجهل بالعلم الشرعي أو عدم الالمام الكافي بما كفله الإسلام للمراة من حماية وحقوق . وكذلك اختلاط الأمر عليهن بحيث لا يكدن يميزن بين ما هو عرف وتقليد وبين ما هو من الدين في ظل هذا الجهل يعتقدن أن الدين ينحاز إلى الرجل ضد المرأة ، فيضمرن في ضمائرهن كرها خفيا للدين (بكل تجلياته بما فيه الحجاب) بذات كراهيتهن للتقاليد الاجتماعية الجاهلية التي تنتصر للرجل في العالم العربي ولذا فإذا قرأت لكاتبة مقالا أو دراسة أو رأيا يسب الدين ويهاجمه وتتهكم عليه فارجع إلى حياتها الأسرية ، ستكتشف أن لها مشكلة ما مع الرجل أصلا وليس مع الدين ولعل ذلك ما يطفي على نموذج السعداوي أهمية خاصة لفهم النماذج المشابهة .. نشر بتاريخ 22 - 10 - 2006 - اقتباس واختيار الوسط التونسية. *ملاحظة :