رفض الإفراج عن وليد جلاد    تدعيم التعاون، أبرز محاور زيارة نائب وزير الخارجية الياباني الى تونس يومي 4 و5 ماي الحالي    الغاء اضراب أعوان الشركة الجهوية لنقل المسافرين ببنزرت    الرّابطة الثانية: الدُفعa الثانية من الجّولة العاشرة اياب: جندوبة والشبيبة يحافظان على الصدارة باقتدار    المندوبة الجهوية للتربية ببنزرت.. هدى الشقير في حوار حصري ل«الشروق».. وفرنا كل الظروف لإنجاح اختبارات البكالوريا التجريبية    قرمبالية .. «تراثنا النير مستقبلنا» تظاهرة لتثمين المنطقة الأثرية «عين طبرنق»    مهرجان محمد عبد العزيز العقربي للمسرح...دورة العودة والتجديد و«ما يراوش» مسك الختام    وفاة 57 طفلا والمأساة متواصلة ... غزّة تموت جوعا    اليوم البرلمان ينظر في اتفاقية قرض    وزارة الصحة: نحو نظام جديد لتحسين الخدمات الصحية في المستشفيات العمومية    في دراسة لمجلس الصحافة: انخفاض معدل الثقة في وسائل الإعلام بسبب "الكرونيكورات".. و"فايسبوك" في صدارة الميديا الجديدة    أفريل 2025.. تراجع نسبة التضخم إلى مستوى 5،6 بالمائة    الحماية المدنية تنبّه من الممارسات التي تساهم في اندلاع الحرائق    عاجل/ إعلام إسرائيلي: تم تدمير ميناء الحديدة في اليمن بالكامل    قابس: مستثمرون من عدّة دول عربية يشاركون من 07 الى 09 ماي الجاري في الملتقى العربي للاستثمار السياحي والاقتصادي بقابس    الهيئة المديرة لمهرجان سيكا جاز : تاكيد النجاح و مواصلة الدرب    بطولة الرابطة الأولى: برنامج الجولة الأخيرة لموسم 2024-2025    بطولة الرابطة المحترفة الثانية: ايقاف مباراة الملعب القابسي ومستقبل القصرين    زغوان: رفع 148 مخالفة اقتصادية وحجز أكثر من 22 طنّا من السكر المدعم    الجمعية التونسية للزراعة المستدامة: عرض الفيلم الوثائقي "الفسقيات: قصة صمود" الإثنين    ثلاث جوائز لتونس في اختتام الدورة 15 لمهرجان مالمو للسينما العربية    انخفاض أسعار البطاطا في نابل بفعل وفرة الإنتاج والتوريد    عاجل/ بلاغ هام من الجامعة التونسية لكرة القدم    قضية قتل المحامية منجية المناعي وحرقها: إدراج ابنها بالتفتيش    أريانة: سرقة من داخل سيارة تنتهي بإيقاف المتهم واسترجاع المسروق    آلام الرقبة: أسبابها وطرق التخفيف منها    محمد رمضان يشعل جدلا على طائرته    سعر "علّوش العيد" يصل 1800 دينار بهذه الولاية.. #خبر_عاجل    تتمثل في أجهزة التنظير الداخلي.. تونس تتلقى هبة يابانية    عاجل - سيدي حسين: الإطاحة بمطلوبين خطيرين وحجز مخدرات    الدورة الاولى لتظاهرة 'حروفية الخط العربي' من 09 الى 11 ماي بالقلعة الصغرى    بوفيشة: احتراق شاحنة يخلف وفاة السائق واصابة مرافقه    الهند توقف تدفَق المياه على نهر تشيناب.. وباكستان تتوعد    تونس تحصد 30 ميدالية في بطولة إفريقيا للمصارعة بالدار البيضاء منها 6 ذهبيات    السجن لطفل شارك في جريمة قتل..وهذه التفاصيل..    تصنيف لاعبات التنس المحترفات: انس جابر تتراجع الى المرتبة 36    احتلال وتهجير.. خطة الاحتلال الجديدة لتوسيع حرب غزة    انطلاق امتحانات البكالوريا التجريبية..    كل ما تحتاج معرفته عن ''كليماتيزور'' السيارة ونصائح الاستعمال    عاجل/شبهات تعرّض سجين للتعذيب ببنزرت: هيئة المحامين تُعلّق على بلاغ وزارة العدل وتكشف..    عاجل -فلكيا : موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    قيس سعيّد يُجدّد دعم تونس لفلسطين ويدعو لوحدة الموقف العربي..    تقلبات جوية متواصلة على امتداد أسبوع...تفاصيل    بطولة مدريد المفتوحة للتنس للأساتذة: النرويجي كاسبر رود يتوج باللقب    البطولة الفرنسية : ليل يتعادل مع مرسيليا 1-1    العثور على جثث 13 موظفا من منجم للذهب في بيرو    سوريا.. انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف ب"الهاون"    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين:توافد عدد كبير من الزوار على معرض الكتاب...لكن    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    رفع اكثر من 36 الف مخالفة اقتصادية الى أواخر افريل 2025    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصورة الإعلامية للمرأة المحجبة في الغرب من يصنعها؟ : أسماء بن قادة
نشر في الفجر نيوز يوم 14 - 11 - 2010

منذ دخولي للسوق الحرة في مطارات العواصم الغربية، فإن أول ما يلفت انتباهي على رفوف المحلات لاسيما في الأشهر الأخيرة، تلك الكتب والمجلات المتراصة وعلى غلافها صور نساء محجبات كل منها تحكي قصة من حكايات ظلم أو قهر أو اضطهاد، وتستمر تلك الصور المعبرة تلاحقني إذا انتقلت إلى مكتبات المدينة لأجدها على واجهاتها وفي مداخلها، ثم تصادفك مرة أخرى وأنت تسير في شوارع تلك المدن عند مداخل محطات " الميترو" وفي الأكشاك وكأنها تسعى إلى اختراق وعيك لتصبح الصورة الفوتوغرافية بما تحمله من مظالم وأوجاع صورة ذهنية ونمطية راسخة في ذهنك، سائدة في الغرب.
أما أهم وأخطر ما في تلك القصص، فإنها محاولة تكريس فرضية أن الحجاب متلازم مع التخلف والقهر وكلاهما يستمد شرعيته من الإسلام، أما فرضيتنا نحن في هذا المقال فإنها تقوم على التساؤل عما إذا كانت هذه الصورة وما ضمته تلك الكتب أمرا استفزازيا مقصودا أم إنها حقيقة نحن من شارك في صنعها وتركيبها؟
إن الذي يجب إقراره ابتداء، أن هذه الصور والقصص ليست وليدة اليوم، كما أنها ليست نتاجا للإسلاموفوبيا أو الألتروفوبيا، ولكنها تعود إلى بداية الثمانينيات مع تصاعد ظاهرة ما يسمى بالصحوة الإسلامية، وانتشار المد الإسلامي الذي استلزم انبثاق ظاهرة الحجاب بشكل مرتبط وملازم لتلك الصحوة، التي جاءت وكأنها تعبير عن انتعاش الحركات الإسلاموية وامتداد نشاطاتها، لاسيما مع انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، وتقدم الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفياتي سابقا) في هذا الوقت بدأ الغرب يسلط الضوء على ظاهرة الحجاب، حيث بدأ ينظر إليه وكأنه تجلٍّ
لنمو تيار الإسلام السياسي، وأذكر كيف كانت دوريات فرنسية متميزة مثل (لو بوان le point ) و(نوفال أوبسارفاتور Nouvel observateur) و(إكسبريس L'expres) تخصص أعدادا بكاملها منذ الثمانينيات لظاهرة الحجاب وكأنها واجهة ذلك المد، على الرغم من أن المرأة المحجبة كانت عند بعض الحركات الإسلامية رهانا تباهي به من حيث العدد والانتشار في صراعاتها مع السلطة، و مشكلة إيديولوجية عند البعض الآخر المتمثل في الغرب أو بعض الحركات العلمانية في الداخل، فعلى مستوى الحركات الإسلامية عانت المرأة المحجبة من كثير من الإقصاء والتهميش إلى الحد الذي يمكن الإقرارفيه أن أغلب الحركات الإسلامية عجزت عن تقديم الصورة الايجابية والمثلى للمرأة المسلمة على مستوى الحركة، وهناك الكثير من المؤشرات الدالة على ذلك ابتداء من التغييب الذي كانت تعاني منه في صفوف الحركة ومواقع اتخاذ القرار فيها، وانتهاء باعتماد مواقف وصناعة فتاوى تبعد المرأة عن ساحة المشاركة والفعل، فتارة تحدد فروع الدراسة التي وحدها بإمكان المرأة التخصص فيها، وأحيانا تضع اشتراطات على مجالات العمل التي يمكن للمرأة دخولها في أحسن الأحوال، فضلا عن حرمانها من العمل السياسي .الخ...أما عندما حصل بعض الانفتاح على التعددية والذي بموجبه تأسست بعض الأحزاب الإسلاموية، بدأت قيادات الحركات تحاول استغلال الكوتا أو الحصحصة من خلال التعامل مع المرأة المحجبة كرهان يمكن أن تحقق من خلاله أهدافها في البرلمان، بعيدا عن أي مشاركة فعلية في عملية صنع القرار على مستوى الحركة، وطالما اشتكت لي كثير من الزميلات المحجبات من عضوات البرلمانات العربية عما تعانينه من حصار من طرف رجال الأحزاب الإسلاميين تجاه التعبير عن رؤيتهن الحرة فيما يخص الكثير من القضايا التي تهم المرأة، ومن هذا المنطلق ارتبطت الصورة الذهنية للمرأة المحجبة بهذه الوصاية وهذا القصور وهذه السلبية التي يدركها الغرب جيدا، ويحصل كل ذلك اعتمادا على مجموعة من المغالطات التي انبنت عليها مفاهيم اعتمدتها الحركات في التعامل مع المرأة مثل مفهوم الاختلاط ومفهوم الفتنة ومفهوم الجسد والأنوثة ...الخ...كما وظفت كذلك مجموعة من القواعد الفقهية مثل قاعدة سد الذرائع والموازنة بين المصالح والمفاسد، حيث تحل المفسدة اينما حلت المرأة وتغيب حيثما حل الرجل، كل ذلك شارك في تركيب أغلب عناصر تلك الصورة التي يعبر عنها الغرب اليوم.
ولكن للقصة بقية، لأن سهم الزمن لا يتوقف حتى بالنسبة لأولئك الذي لايحسنون قراءة المآلات ودراسة المستقبليات، فبعد انتشار تعليم المرأة وزيادة وعيها بحقوقها اقتضت الصيرورة أن تدفعها ثقافتها واطلاعاتها وما اكتسبته من علم أن ما كانت الحركات تمليه من مواقف فقهية ليست من الدين في شيء، وأنه توجد ثوابت وشواهد في مرجعيتنا تنصف المرأة وتحفظ حقوقها، فراحت تنفر من الحركة ومحاصراتها رافضة ذلك التهميش، حيث بدأت تقودها بحوثها ودراساتها للفقه الإسلامي إلى قراءات جديدة واجتهاد واستكشافات جديدة، ومن ثم بدأت الحركات الإسلامية وما يتبعها من مؤسسات مختلفة تفقد القدرة أكثر فأكثر على استقطاب نساء محجبات من النخبويات اللواتي هن على مستوى علمي أو أكاديمي عال كان من قبل يمنحنهن دعما للمشروع السياسي، فالمرأة المحجبة اليوم تدرك تماما الفرق بين قرارها الالتزام بمزيد من الاحتشام في حياتها وأي محاولة لهضم حقوقها أو المس بكيانها الفكري والاجتماعي وكل عناصر التكريم الذي حظيت به في ظل الإسلام، فهي ترى نفسها على نفس مستوى الرجل أو أكثر من حيث المؤهلات، فما الذي يجبرها إذن على التموضع في مواقع هامشية من منطلق قراءات خاطئة لتعاليم الدين وشريعته ومقاصده، وإن كانت الصورة التي رسمتها وكرستها تلك الحركات حول المرأة قد انطبعت في الوعي الغربي وتجد المرأة المسلمة المحجبة اليوم صعوبة في تغييرها، رغم ما تبذله من جهود في سبيل تفكيكها!
وفعلا لقد تجلت محاولات التغيير تلك، في ظاهرة النسوية الإسلامية(Feminisme islamique) التي تعكس تمرد بعض النساء المحجبات من الأكاديميات والنخبويات على الحركات الإسلامية وقد التقيت بعضهن وأنا أحاضر في مقر اليونسكو في باريس حول موضوع " تساؤلات حول النسوية الإسلامية وتفسير النساء للنصوص" كما التقيتهن أيضا في سويسرا في إطار ندوة تتطرق لنفس الإشكالية، إنهن نساء يرغبن في أن يعشن ويمارسن التزامهن الإسلامي بعيدا عن وصاية وتأطير الحركات التي أقصتهن من دائرة الانتاج والانجاز بما يتناسب مع مستوياتهن العلمية والأكاديمية وخبرتهن، فضلا عن استيائهن من الوضع القانوني والاجتماعي والسياسي للمرأة في العالم العربي، ومن ثم فهن يعملن على إبراز الصورة الحقيقية للإسلام تجاه المرأة، ولكن الغرب الذي يقيس أبسط الذبذبات التي تجري على مستوى واقعنا، يحاول أن يستغل ظاهرة النسوية الإسلامية من أجل العمل على تقوية ونشرهذا التيار الذي يجد تعاطفا مع الكثير من الأكاديميات النسويات من الغرب، من اللواتي يحاولن إدراج وتوظيف الأدوات المنهجية والمعرفية الغربية في تفسير نصوص القرآن وتلك قصة أخرى ليس هنا موضع تفصيلها، ولكن المهم في هذا السياق أن النسوية الإسلامية تسهم وإن كان بحسن نية في تركيب تلك الصورة النمطية للمرأة في الغرب ولكن في نفس الوقت تعمل على فصلها عن الإسلام وهذا الشيء الإيجابي فيها.
ومن ناحية أخرى، يمكن القول بأن الخطاب الإسلاموي تجاه المرأة ومنذ الثمانينيات وإلى غاية الألفية الجديدة قد لعب دورا كبيرا في تكريس تلك الصورة، فلقد بدا ذلك الخطاب دوما متشنجا ومرتبكا وقاصرا عن استيعاب تحولات الواقع وتعقيداته، ومن ثم جاء تبسيطيا واختزاليا لاجئا إلى اعتماد أساليب المقابلة والمفاضلة مع الغرب كلما طرحت مشكلة المرأة ووضعها، لاغيا التاريخ ومستهينا بإنجازاته، متجاهلا لكتابات أئمة العلم مثل ابن حزم الذي كان يفتخر بأنه تلقى علمه على أيدي النساء وابن رشد الذي كان يؤهل المرأة للعمل السياسي والجهاد على الثغور، ولكن المحطة التي كانت تستوقفني دوما في هذا الخطاب تلك العبارة التي يكررها كثير من الوعاظ والدعاة والمتمثلة في التساؤل (كيف لانحترم المرأة، فهي الأم والأخت والابنة) وكأنه يريد التأكيد على أنه هو المعيار كرجل وأنه لا يمكن أن تفقد المرأة احترامها لديه ما دامت تمت إلى المعيار بصلة، بينما خلق الله عز وجل الكون على مبدأ الزوجية وخلق الرجل والمرأة كل منهما يملك كيانا انسانيا مستقلا ومكرما لا أحد يمثل معيارا ومرجعا لاحترام الآخر، وفي ظل هذه المرجعية الالهية تسقط كل الوصايات والمعايير المرجعية وتبقى الأحكام الشرعية التي يتعاون النساء والرجال الأكفاء على تفسيرها والاجتهاد فيها، كما يشارك النساء والرجال في مجالات القضاء والفتوى والتفسير وكافة العلوم الشرعية التي تستنبط من منطلقها الأحكام، بحيث لا يطغى جنس على جنس ولايتأسس فقه ذكوري ولا فقه أنثوي ولكن الجميع يعمل في إطار الفقه الإسلامي الانساني الذي يستند إلى مرجعية الهية متعالية ومفارقة للذكورة والأنوثة وتحيزاتها! ومن منطلق ذلك القصور في الخطاب كثير من النساء المحجبات غيرن مسارهن باتجاه أحزاب أخرى أو فضلن العمل في ظل الأنظمة القائمة التي تحدث توازانات بين مختلف التيارات الإسلامية والعلمانية.
وهناك أيضا، وفي سياق البحث عن مركبات تلك الصورة مسألة لم نبحثها على مستوى واقعنا الفعلي رغم أهميتها القصوى، إنها تلك القضية التي كان يعبر عنها مفكر كبير مثل مالك بن نبي بمشكلة الزي في العالم الاسلامي، حيث كان يفتتح البحث فيها بشكل استباقي في الخمسينيات بمعارضته للمثل الفرنسي القائل ( القميص لايصنع القسيس) حيث يؤكد بأنه وعلى العكس من ذلك (أن القميص يسهم في تكوين القسيس)، لأن اللباس يضفي على صاحبه روحه، فعندما يلبس الشخص لباسا رياضيا يشعر بأن روحا رياضية تسري في جسده وعندما يلبس شاب لباس شيخ يؤثر ذلك في مشيته وفي نفسه ولو كان شابا قويا، وينتهي المفكر الكبير بعد تحليل طويل إلى أنه من الغباء انكار مشكلة الزي المناسب لرجال النهضة ونسائها وأننا نكون أكثر غباوة إذا استسلمنا للتقليد البحت بلا التفات إلى مقتضيات أحوالنا من حيث الذوق الجمالي والمستوى الاقتصادي، وفي هذا السياق يمكن القول إنه ومنذ التزام الكثير من النساء المسلمات بالحجاب، لم يكن هناك تفكير جاد في شكل الحجاب، ومتطلبات ما ينبغي أن يتوفر فيه إلى جانب الشروط المعروفة من ذوق جمالي، يكشف عن معاني الأنوثة في جوهرها وعمقها الانساني ولمساتها الرقيقة، وهي مسألة كان ينبغي أن يوليها المصممون المسلمون الكثير من الأهمية، ليعكس حجاب المرأة شخصية نشيطة وذاتا تحمل بعدا حضاريا وذوقا جماليا وروحا أخلاقية ثرية بالمعاني، تعكس ما بداخلها من إشعاع وإيمان ونقاء وارتقاء، وذلك يحتاج إلى تصميمات ومهارات وتصورات تركب وتحبك نموذجا أنثويا ملتزما وجميلا، على عكس ما هو عليه شكل الحجاب اليوم، وربما هكذا ينبغي أن ندرك أحد ابعاد معاني الحديث الذي يقضي بعدم تشبه النساء بالرجال، فحجاب المرأة ينبغي أن يساير نشاطها الجديد وهناك فرق بين اللباس الذي يعكس معنى الأنوثة واللباس الفاتن المثير الذي لايكشف عن معنى الأنوثة بقدر ما يكشف عن عورة الأنثى كما يقول مالك بن نبي، فزي المرأة من المفترض أن يعكس دورها كملهمة لذوق الجمال وروح الأخلاق، فضلا عن أن ذلك المظهر يبعث برسائل حضارية وجمالية وأخلاقية لشركائنا وإخواننا في الانسانية.
من ناحية أخرى، لم يصاحب ظاهرة الحجاب والالتزام مثلا أدب في هذا الاتجاه يصل إلى الغرب ويعطي تعريفا آخر لهذه الشخصية النسوية المحجبة، يؤكد بأنها ليست تابعة وليست متلقية ومستهلكة ولكنها امرأة مفكرة ومنتجة، خصوصا أن لكل امرأة قصة مع الحجاب الذي مثل الفيصل بين نمطين من الحياة كان على المرأة المسلمة أن تدونه كتجربة هامة في حياتها يمكن أن تكون ضمن روائع الأدب المعاصر، ولكن ذلك الاقتراب من الحركة الإسلامية وما فرضته من وصايات وتأطير حاصر المرأة المسلمة لاسيما تلك القادرة على العطاء، حيث إن المرأة الواعية بذاتها ذات القدرة على التفكير الحر المستقل والتأمل العميق في كل ما يحيط بها وحدها القادرة على العطاء، لهذه الأسباب لم تعكس المرأة المحجبة في الغالب انتاجا إيجابيا يعرف الآخر بها، لأن هناك من كان يعبر عنها دائما، لقد تم تعريفها من خلال الجماعات الإسلامية والإسلام السياسي الذي جعل منها واجهته التي يفاخر غيره بها من حيث المظهر والعدد، ومازالت المرأة الملتزمة إلى اليوم عاجزة عن التعبير عن نفسها والدفاع عن حقوقها، ولنا أمثلة في فتاوى مثل رضاع الكبير وقضايا الحجاب ...الخ....حيث يستضاف الرجال دائما وفي قضايا تخصها وكأنهم الناطقون باسمها.
وفي إطار ما تعيشه الأمة من صراعات لعب ذلك الخلط بين السياسي والديني أو السياسي والرسالي دورا كبيرا في تكريس تلك الصورة للمرأة المحجبة عند الغرب، وقراءة بسيطة لتعليق السيدة لورا بوش على المرأة الأفغانية الملقبة ب(بيبي عائشة ) والتي كانت مجلة تايم الصادرة يوم 09 أغسطس 2010 قد نشرت صورتها المفزعة، حين أظهرتها بأنفها المجدوع على غلاف المجلة بعدما قضت محكمة قبلية بجدع أنفها وقطع أذنيها، تضعنا في مواجهة غياب اي رد فعل من طرفنا حيث إننا لم نجد صوتا واحدا للضمير الإسلاموي من العلماء أو هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو من مؤسسات المجتمع المدني أو الفضائيات الدينية التي أصبح بعضها يسبب الصداع من كثر التكرار والاجترار في كل ما هو متجاوز ومعروف لم يستنكر أحد من هؤلاء هذه الجريمة البشعة، ليؤكد بصوت عال للعالم كله أننا لسنا برابرة وأن ديننا جاء ليرتقي بنا إلى مقامات الإحسان وهي أعلى مراتب الجمال الانساني والأخلاقي والحضاري والذوقي والجسدي، وأننا أبعد الناس عن التمثيل والتشويه والبشاعة، إن الأمر كله يتعلق بمحاصرة الإيديولوجيا للدين، ولأبعاده الرسالية، إلى الدرجة التي باتت تتطلب منا استنفار كل الجهود المدنية الفكرية والثقافية والقانونية لفك الإسلام السياسي والإيديولوجيا عن رسالة الإسلام، فالإسلام كما جاء به نبينا وعبر عنه قرآننا هو خيارنا وأي محاولة لتشويهه لاينبغي المداراة فيها أو احترام اي مبررات أو اعتبارات فارغة إذا كانت مفارقة لجوهر الرسالة كما ينبغي العمل على تطويرالخريطة الإدراكية لدينا بحيث يصبح لا فرق عندها من حيث محاولة التشويه بين الرسوم الكاريكاتورية وبين جدع أنف عائشة أو أي حالة ظلم أو اعتداء يتعرض لها الانسان باسم الإسلام وبغير وجه حق عندنا، الأمرالذي يتطلب الفصل بين ما هو سياسي خاص بقضية فلسطين أو افغانستان أو أي قضية أخرى تهمنا وأي ظاهرة من الظواهر المتناقضة مع الإسلام لأنني استطيع أن أنصر قضيتي السياسية وأنتصر للظلم في أي قضية أخرى اجتماعية أو غير ذلك، فليس لأن امريكا أو غيرها انتصرت لقضية عائشة فينبغي أن أصمت أنا عن اضطهادها وليس لأن أمريكا أو الحلف الأطلسي يحتل افغانستان أو لأن الولايات المتحدة تناصر إسرائيل ، يجب أن ألتزم الصمت وألا التقي مع أمريكا عند اي نقطة تقاطع انسانية في أي قضية ما، لأننا في هذه الحالة نكون قد دخلنا اللعبة التي تهدد الرسالة وهي لعبة تتجاوز مبدأنا (لا تزر وازرة وزر أخرى) وعندها نكون قد اسهمنا في تجريد الإسلام من بعده الرسالي وشاركنا في تكوين تراكم يؤدي إلى تركيب تلك الصورة الذهنية تجاهنا.
وهي صورة مرتبطة أيضا بوضع المرأة في منظومات الأحوال الشخصية، التي ورغم توافر مساحات واسعة للاجتهاد في بعض قوانينها، لكن الإسلاميين عموما لم يكونوا سباقين لتغيير تلك القوانين حيث إن الحركات النسوية ورغم بعض تجاوزاتها للمرجعية فيما يخص بعض المطالب فإنها وأذكر ذلك للتاريخ هي من كانت سباقة لتغيير بعض جوانب الوضع القانوني للمرأة في العالم العربي والإسلامي، في حين كانت غالبية الإسلاميين تحارب وتقاوم ذلك، بل تخرج النساء في مسيرات مليونية للتعبير عن رفضهن بل رفضهم للتغيير، أقول هذا الكلام وأنا راسخة من حيث انتمائي لمرجعيتي الإسلامية قرآنا وسنة، ولكن بعيدا عن الأحزاب والجماعات وكل ما يمكن أن ينتهي إلى تقديس الأشخاص ومنحهم سلطة تعطل العقل وتقف دون استيعاب أبعاد النص والنقل، ومن ثم يمكن القول إن التحولات التي حدثت في قوانين الأحوال الشخصية في العقد الأخير لم يكن وراءها الإسلام السياسي، بقدر ما كان وراءها الحركات النسوية، وقد ساعدها على ذلك المرجعيات الدينية الوطنية متمثلة في الهيئات الرسمية والإرادة السياسية، وحدث ذلك من منطلق عصف ذهني أدى إلى اجتهادات على مستوى الشريعة وفي إطارها ولابد أنه ستليها اجتهادات أخرى ترتفع بالانسان رجلا أو امرأة إلى مقام التكريم الذي من أجله جاءت رسالة الإسلام، فالله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن كماقال سيدنا عثمان رضي الله عنه.
وفي النهاية لابد من التأكيد أن قصص النساء اللواتي جاءت صورهن على أغلفة تلك الكتب والدوريات هي حكايات نموذجية لشخصيات عرف الإعلام طريقه إليها بقصد أو بغير قصد، أو هن نساء امتلكن الشجاعة للتعبيرعن معاناتهن أو أنهن حاصلات على مستوى من العلم والوعي يسمح لهن بالتعبيرعن حقوقهن، فماذا عن قصص نساء دفنت آلامهن وأوجاعهن ومظالمهن معهن، لا لشيء إلا لأنه لا توجد قوانين توفر لهن الحماية أو لأنهن قاصرات عن التعبير عن أنفسهن، في غياب مؤسسات أو أشخاص يمثلون الضمير الجمعي الإسلامي الرسالي الذي يتحدث ويعبرعنهن!
وأخيرا لابد من التأكيد على أننا نعلم أن ما ذكر من عوامل وأسباب بهدف تفكيك الظاهرة لايبرئ أطرافا في الغرب من مساهمتها في تركيب تلك الصورة، فكثير من الغربيين يستند في مواقفه إلى تاريخ طويل من الصراع الذي ينطلق من الفتوحات الأولى إلى الحروب الصليبية ومرحلة الاستعمار إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر وغيرها وما خلفه كل ذلك من أحقاد ورواسب يتغذى منها اليمين المتطرف تارة والعنصري المتحيز تارة أخرى بعيدا عن التعميم، ليتجلى ذلك في سياسات أوبرامج أو كتابات، لكن ذلك كله ومع وعينا به وأخذه بعين الاعتبار لايعمي أعيننا عما بأنفسنا!
الراية القطرية
الأحد14/11/2010 م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.