بتهميش لافت، استقبلت وسائل الإعلام التونسية الرسمية عيد الفطر المبارك، بينما عمت مظاهر الاحتفال والفرحة شوارع البلاد، وتمسك التونسيون بعاداتهم وتقاليدهم في إحياء تلك المناسبة، رغم مسحة الحزن التي خلفتها حملات الاعتقال المتواصلة من قبل السلطات في صفوف الإسلاميين. وفي تصريح ل"إسلام أون لاين.نت"، علّق المنصف المحمدي الباحث في علم الاجتماع على هذا الاختلاف قائلاً: "نلاحظ أنه في الوقت الذي يحاول فيه المستوى الرسمي أن يهمش قدر استطاعته كل المناسبات المتعلقة بأصالتنا وهويتنا، يحافظ المستوى الشعبي على تشبثه بإحياء تلك المناسبات". وأبدى المحمدي دهشته من "استنفار وسائل الإعلام الرسمية من أجل الاحتفال برأس السنة الميلادية، وعرض البرامج والحفلات بهذه المناسبة، بينما تكتفي بعرض أغنية دينية يتيمة أو فيلم سينمائي أصبح مشوشًا من كثرة تكراره خلال المناسبات الدينية". أما على المستوى الشعبي، فقال المحمدي: "إن الشعب التونسي كثير التشبث بعاداته ومناسباته التي تعبر عن هويته وأصالته الإسلامية؛ لذلك تجتهد كل العائلات للاحتفالات بالمولد النبوي الشريف مثلاً، وتصنع لذلك ما يعرف في تونس بالعصيدة وتتزاور العائلات وتتبادل الهدايا". وعن مظاهر التمسك الشعبي بالاحتفال بعيد الفطر، يقول مراسل "إسلام أون لاين.نت": "تنشط سوق صناعة الحلوى التقليدية خلال أيام العيد، وبدأ عدد كبير من العائلات يفضل شراء الحلوى والكعك عن صناعتها في المنزل". غير أن الحاجة منوبية (83 سنة) أعربت عن استغرابها من شراء بعض العائلات للحلوى من الأسواق، وقالت ل"إسلام أون لاين.نت": "منذ أكثر من 60 عامًا وأنا أصنع الحلوى في منزلي ولا أستطيع أن أتخلى عن عادات علمتني إياها أمي". وتساءلت: "ماذا سيبقى من عاداتنا وتقاليدنا إذا فرطنا فيها الواحدة تلو الأخرى؟. الكثير من مناسباتنا فقدت نكهتها ولم نَعُد نعيشها بنفس الروح مثلما كنا من قبل". واستطردت تقول: "الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ورأس السنة الهجرية وغيرها تمر علينا ولا نكاد نشعر بأهميتها، في حين تقام الاحتفالات بطول البلاد وعرضها لمناسبات دخيلة علينا وتجتهد وسائل الإعلام للاحتفال بها مثلما يقع في احتفالات رأس السنة الميلادية وعيد الحب وغيرها". غير أن الذي عكّر فرحة العيد في تونس هذا العام هو استمرار حملات الاعتقال السياسي في صفوف التيارات السياسية المعارضة، وخاصة الإسلامية منها. ويقول مراسل "إسلام أون لاين.نت": إن أعدادًا كبيرة من العائلات تعيش في حزن بسبب اعتقال ذويهم، وأشار إلى أن السلطات التونسية لا تزال تعتقل أكثر من 300 شاب بموجب قانون "مكافحة الإرهاب"، وبين هؤلاء من تم اعتقاله بسبب ما قالت السلطات إنهم يستعدون للالتحاق بالمقاومة في العراق، ومنهم من اعتقل بسبب انتمائه للتيارات الإسلامية. وتصف أم خالد التي اعتقل ابنها في مايو 2005، حالها أيام العيد، وتقول: في الوقت الذي يفرح فيه الجميع تمر عليّ أيام العيد وأنا أعيش مأساة كبيرة؛ بسبب حرماني من ابني، حيث أقضي هذه الأيام وليس لي أمل إلا أن يطلق سراحه". وأَضافت "كلما ذهبت إلى النوم أخذت معي هاتفي الجوال وكلّي أمل أن يأتيني خبر إطلاق سراحه". وقالت أم خالد موجهة حديثها للمسئولين: "ألا تستشعرون حجم المأساة التي نعيشها، ألا تتذكرون أن هناك أمّهات حرمن من فلذات أكبادهن وأنتم تحضنون أبناءكم خلال أيام العيد وتشترون لهم الهدايا واللعب". وناشدت أم خالد كل من له علاقة بملف المعتقلين على "خلفية قانون الإرهاب النظر بعين الرحمة إلى هؤلاء الشباب وعائلاتهم، خاصة أننا في أيام العيد وهي أيام صفح وخير وبركة". كما يأتي العيد في ظل استمرار محنة العشرات من قيادات حركة النهضة الإسلامية في السجون التونسية منذ 15 عامًا في ظروف قاسية، ومنها إقامتهم في الحبس الانفرادي لسنوات طويلة. وتشير المعارضة التونسية أن عدد المعتقلين السياسيين يزيد عن 500 معتقل أغلبهم من حركة النهضة، وهو ما ينفيه باستمرار نظام الرئيس زين العابدين بن علي. ويتعرض نظام الرئيس التونسي لانتقادات بشكل منتظم من جانب منظمات دولية ومنظمات تونسية غير حكومية وأخرى معارضة على خلفية انتهاكات لحقوق الإنسان، وتقييده لأنشطة المعارضة ولحرية الصحافة، كما تؤكد هذه المنظمات. سوق موازية وعكّر أجواء العيد هذا العام أيضًا ظاهرة الارتفاع الجنوني في الأسعار الخاصة بمستلزمات العيد، خاصة أن العاصمة تتحول في هذه الأيام إلى سوق كبير لشراء الملابس. ويقول أحمد الراجحي -موظف- وهو أب لبنتين كانتا برفقته لشراء مستلزمات العيد: "الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال العيد السعيد، غير أن بعض الأمور عكّرت علينا شيئًا من فرحتنا، حيث ارتفعت أسعار الملابس بما يقرب من 15%". ويقول مراسل "إسلام أون لاين.نت": إنه أمام هذا الارتفاع في الأسعار وجد المواطنون ضالتهم في السوق الموازية أو البضائع التي يبيعها بعض الأشخاص على أرصفة الشوارع؛ لأنها توفر لهم بضاعة مناسبة جدًّا من حيث السعر وإن كانت أقل جودة، غير أنه قال إن هؤلاء الباعة لم يسلموا من حملات الأمن التي تسعى للحد من تلك الظاهرة.