رغم حرص قسم من التونسيين على الاحتفال برأس السنة الميلادية في سهرات صاخبة، فإن تزامن هذه المناسبة مع عيد الأضحى المبارك، تسبب في إلغاء معظم احتفالات العام الميلادي الجديد، بعد أن "هزمت أجواء العيد أجواء رأس السنة" وطغت عليها، وفق القائمين على تنظيم سهرات رأس السنة الميلادية بأحد فنادق العاصمة. ففي حين كانت بعض العائلات تفضل الاحتفال بهذه المناسبة في المنازل، وتحضر المرطبات والدجاج أو الديك الرومي، فإن أعدادا كبيرة من العائلات والشباب كانت تفضل الاحتفال بمقدم العام الجديد في النزل. وتتواصل تلك الاحتفالات حتى ساعة متأخرة من الليل، وسط أجواء من شرب الخمر والرقص، وغيرها، غير أن معظم النزل التونسية (الفنادق) ألغت حفلاتها الخاصة برأس السنة هذا العام. ولأن لعيد الأضحى، وللمناسبات الدينية عامة، حرمة لدى التونسيين، بمن فيهم مرتادو حفلات النزل، فإنه حتى السهرات التي ستقام لن تشهد هذه السنة الإقبال المعهود، وفق إفادات عدد من أصحاب هذه النزل ومرتاديها. وفي جولة لمراسل إسلام أون لاين.نت على عشرة نزل بالعاصمة، تبين أن اثنين منها فقط ستقيم سهرة للاحتفال برأس السنة الميلادية، في حين ألغت البقية برامجها الاحتفالية بهذه المناسبة لتزامنها مع عيد الأضحى. صاحب نزل، طلب عدم الكشف عن اسمه، برر ل"إسلام أون لاين.نت" إلغاء الاحتفال بقوله: "أجواء عيد الأضحى هزمت أجواء رأس السنة، فللمناسبات الدينية في نفوس التونسيين حرمة كبيرة.. فحتى أولئك الذين يتجرؤون على شرب الخمر، وغيرها، عادة ما يكفون عن ذلك خلال المناسبات الدينية بالرغم من عدم وجود قوانين تسنها الدولة لتحريم ذلك". و"لأن السهرات- يضيف صاحب النزل- بما فيها من شرب ورقص، ركيزة أساسية في احتفالات رأس السنة، فإن التونسيين الملتزمين منهم وغير الملتزمين يتجنبونها احتراما لحرمة مناسبة عيد الأضحى" الذي يبدأ في تونس غدا السبت. بجانب تزامنه مع رأس السنة، يتميز عيد الأضحى في تونس – كما جرت العادة في السنوات القليلة الماضية-بعودة روح الالتزام به كشعيرة دينية، بعد أن كاد يتحول إلى مناسبة عائلية فقط تفرضها فرحة الأطفال ورغبة العائلات في مجاراة النسق العام في البلدان الإسلامية. الباحث في علم الاجتماع، منصف المحمدي، يبين ذلك بقوله ل"إسلام أون لاين. نت": "خلال السنوات الأخيرة تحول العيد إلى مجرد مناسبة عائلية يسعى فيها الأب إلى إدخال الفرحة على أطفاله، كما طغت روح التقليد على هذه المناسبة والمفاخرة بأسعار الأضاحي". لكن الملاحظ خلال السنتين الماضيتين، يضيف المحمدي، "عودة ما يمكن أن نطلق عليه "روح الشعيرة الدينية" لهذه المناسبة، بجانب عودة الالتزام بالأضحية كشعيرة دينية بالأساس"، وهو ما أدى لارتفاع أسعار الأضاحي. يقظة نسبية الشيخ أحمد على، إمام أحد مساجد العاصمة، لا حظ أيضاً هذا التحول في نظرة الكثير من التونسيين لمناسبة العيد. ويقول الإمام التونسي: "نعم هناك عودة بهذه المناسبة إلى طابعها الديني بعد أن أصبحت أشبه بالمناسبة العائلية وهيمن عليها التقليد والسلوك التفاخري، وهو ما يؤكده إقبال عدد كبير من التونسيين على الأئمة لسؤالهم عن الشروط الواجب توافرها في الأضحية، وما يجوز أو لا يجوز في هذه المناسبة". هذه الصحوة النسبية في الوعي الديني، وبداية تحوّله إلى سلوك جمعي، يرجعها مراسل "إسلام أون لاين.نت" إلى: انفتاح الكثير من التونسيين على الفضائيات الدينية الجادة. ويقول: تلعب هذه الفضائيات دورا في تشكيل وعي التونسيين الديني، وإمدادهم بمعرفة شرعية، ولو في حدّها الضروري، بعد أن تمّ القضاء داخل تونس، ولو نسبيا، على المرجعية الدينية التقليدية، بجملة من الإجراءات التي تصبّ في إستراتيجية "تجفيف المنابع" المتخذة منذ بداية التسعينيات في مواجهة المد الإسلامي آنذاك. إضراب عن الطعام ليس ما سبق فقط هو ما يميز عيد الأضحى في تونس هذه السنة، فقد أعلنت عائلات مساجين الرأي وضحايا قانون مكافحة الإرهاب عزمها الدخول في إضراب عن الطعام، ابتداء من أول أيام العيد؛ احتجاجا على إيقاف أبنائها، وسجنهم في ظروف قاسية، وتعرضهم للتعذيب دون مبرر. وقالت العائلات في بيان حصلت "إسلام أون. نت" على نسخة منه: "إن أبناءنا يتعرضون في السجون للإهانة بالضرب والحبس الانفرادي والمنع من الزيارة والاستحمام، وتحريض سجناء الحق العام عليهم". عدة تقارير إخبارية أفادت بتجاوز عدد الموقوفين تحت طائلة قانون مكافحة الإرهاب 900 موقوف، أغلبهم طلاب لم يتجاوز عمرهم ال 22. وتشهد الساحة السياسية التونسية ردود فعل غاضبة على الأحكام التي صدرت بحق هؤلاء الموقوفين. ففي بيان، حصلت "إسلام أون لاين.نت" على نسخة منه، انتقدت "الجمعية التونسية للدفاع عن المساجين السياسيين" الأحكام الصادرة غيابيا بحق خمسة شبان لمدة 24 سنة، بالإضافة إلى فرض الرقابة الإدارية عليهم لمدة 5 أعوام. محمد النوري، رئيس المنظمة الحقوقية، قال ل"إسلام أون لاين.نت": "إن المحاكمات شملت شبانا من مختلف جهات البلاد، وإن أعداد الموقوفين ترتفع بسرعة كبيرة، إذ قفز عددهم من 200 إلى 950 في بضعة أشهر". وعبّر النوري عن خشيته من أن تكون تلك الايقافات بوادر لحملة جديدة كالتي عاشتها تونس خلال التسعينيات حين بلغت أعداد الموقوفين والمحاكمين من أبناء "حركة النهضة"، ذات التوجهات الإسلامية، أكثر من 20 ألفا.