يتوجه أكثر من مليون ناخب موريتاني صباح اليوم الأحد إلى صناديق الإقتراع للإدلاء بأصواتهم لاختيار نوابهم في الجمعية الوطنية ومجالسهم البلدية، في انتخابات تمثل اختباراً للتجربة الديمقراطية في البلاد ومقياساً لمصداقية الحكام الجدد وفرصة للكشف عن حجم وشعبية الأحزاب المتنافسة. وتمثل انتخابات اليوم عودة إلى الشرعية الدستورية التي فقدتها موريتانيا منذ الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكم الرئيس الموريتاني السابق معاوية ولد الطايع الذي حكم البلاد عشرين سنة. بعيداً عن السلطة **************** وتعد الظروف التي تمر بها البلاد فرصة حيوية لإجراء الانتخابات التي تعد الأولى في تاريخ البلاد التي لا تكون فيها السلطة طرفا. حيث امتنع المجلس العسكري والحكومة الانتقالية عن الترشح أو مناصرة أي طرف سياسي، والتزمت الإدارة بالحياد التام، كما عينت لجنة مستقلة حظيت بإجماع مختلف الكتل السياسية للإشراف على الانتخابات. كما أسند لمنظمات غير حكومية مهمة مراقبة الانتخابات تضم أكثر من 500 جهة دولية ومحلية بينهم 100 مراقب تابعين للاتحاد الأوروبي، ومراقبون من الجامعة العربية، والاتحاد الإفريقي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي والمنظمة العالمية للفرانكفونية والأمم المتحدة والولايات المتحدة بالإضافة إلى 300 مراقب وطني تم انتدابهم من قبل المرصد الوطني لمراقبة الانتخابات وهو هيئة مستقلة تأسست من قبل منظمات المجتمع المدني. ويؤكد المراقبون انه لا أحد يستطيع الجزم بنتيجة الانتخابات وإن كاد المحللون يتفقون على أن مستقبل النزال الانتخابي ونتائجه مرتبط بإرادة السلطة العسكرية الانتقالية والتزامها بالحياد كما وعدت. ومن جهة اخري تبدو الساحة السياسية في موريتانيا في حالة من الفوضى والضبابية يصعب معها التنبؤ بنتائج الانتخابات البلدية والنيابية نظرا لتعقيدات الواقع الاجتماعي، وتداعيات الوضع السياسي في البلاد. استعدادات مكثفة **************** وفي اطار الاستعدادات تم شحن ما يزيد عن 4 ملايين نسخة من بطاقات التصويت الغير قابلة للتزوير والتي أعدتها شركة بريطانية في لندن إلى جميع المكاتب البالغ عددهم 2336 على امتداد الأراضي الموريتانية. وتكفلت ميزانية الدولة بنقل أعضاء هذه المكاتب، وطواقم ممثلي اللوائح المترشحة، كلا إلى مقر عمله، فيما أوفدت اللجنة المستقلة الوطنية للانتخابات ممثلا إلى كل مكتب لمراقبة سير الاقتراع، والتأكد من عدم الغش والتزوير. تنافس كبير *********** وفي المقابل ستمكن الانتخابات من اختيار المجالس البلدية في 216 بلدية، تضم مقاطعات العاصمة نواكشوط التسع، وعواصم المحافظات الداخلية، وجميع البلديات الريفية، كما سيقترع الموريتانيون على النواب في الجمعية الوطنية، والبالغ عددهم 95، من بينهم 14 نائبا يشكلون ما يعرف "باللائحة الوطنية" التي يتبارى من أجلها 25 حزبا سياسيا. وتشارك في السباق من أجل كسب مقاعد في المجالس البلدية 1222 لائحة، من بينها 888 قائمة مقدمة من طرف أحزاب أو أحلاف حزبية، في حين وصل عدد القوائم المتنافسة على البرلمان غير اللائحة الوطنية 411، من بينها 259 مقدمة من طرف أحزاب، و32 من طرف أحلاف حزبية، و120 من المستقلين. النساء لهم دور **************** وتخوض النساء الموريتانيات حملتهن الانتخابية على غرار الرجال، حيث فرضت السلطات وجود امرأة بين كل رجلين في القوائم الانتخابية بهدف الحصول لهن على نسبة لا تقل عن 20%، في المجالس المنتخبة، كما توجد سيدات موريتانيات على رأس بعض اللوائح فيما يعد اول سابقة من نوعها في الانتخابات الموريتانية حيث ظلت المناصب الانتخابية شبه محتكرة على الرجال. ويبلغ عدد المسجلين على اللوائح الانتخابية في موريتانيا 1069375 ناخبا من أصل سكان البلد والمقدر بثلاثة ملايين نسمة. صعوبة الحسم ************* وعلي صعيد متصل يري المحللون أن الحملة الانتخابية كشفت عن تنافس لاهوادة فيه بين ثلاث قوى رئيسية هي ائتلاف قوى التغيير الذي يضم 11 حزبا من أحزاب المعارضة، وأحزاب الأغلبية الرئاسية ما قبل التغيير بما فيها حزب السلطة وبعض الأحزاب الموالية له, بالإضافة إلى المستقلين, وبالنظر إلى الوزن السياسي لكل من هذه التشكيلات الثلاثة فإن أيا منها لا يمكن أن يحسم النزال السياسي لصالحه من أول جولة. فأحزاب المعارضة السابقة وإن امتلك بعضها خطا أيديولوجيا واضحا، وقدم برامج أقرب إلى واقع المواطن وهمومه المعيشية إلا أنها تفتقد الوسائل المادية وتعاني من ميلها إلى الانقسام ما لم يوحدها استهداف موجه من السلطة أوالقوى السياسية الأخرى. اما أحزاب الأغلبية فإن تجربتها في التعامل مع الساحة لأكثر من 15 عاما من الحكم، وشبكة علاقاتها الواسعة مع زعامات القبائل ومنفذي الإدارة ورأسمالي النظام السابق، يجعل منها قوة لايستهان بها خاصة في مدن الداخل، وإن قلل البعض من حظوظها في أعين معظم المواطنين الذين يحملونها تبعات النظام البائد. ويبقى منسقيات المستقلين والتي يقال انها مدعومه من المجلس العسكري كما إنها استفادت من توجه السلطات الانتقالية وسعيها إلى إيجاد مكون سياسي ثالث غير أحزاب المعارضة التقليدية أو الأغلبية. ومهما يكن فإن الحضور النسبي لهذه القوى في المسرح السياسي جعل بعض المراقبين لا يستبعد إمكانية اللجوء إلى التحالفات لعدم إمكانية أي طرف حسم النتيجة له ومن أول جولة، خاصة في ظل التقارب الذي تعرفه العلاقة ما بين المستقلين وما كان يعرف بأحزاب الأغلبية. في نفس الوقت الذي أثبتت فيه لوائح الترشيحات وجود تقارب بين التيار الإسلامي وأحزاب ما كان يعرف بالمعارضة. زخم حزبي ********* وفي شأن ذا صلة يبلغ عدد الأحزاب السياسية المرخص لها رسميا في موريتانيا 35 حزبا وهو عدد مرتفع في بلد لا يتجاوز سكانه ثلاثة ملايين نسمة. ويمكن تقسيمها الي مجموعتين الاولي تتمثل في الأغلبية الرئاسية السابقة. وتضم هذه المجموعة الحزب الجمهوري والتجمع الديمقراطي من أجل الوحدة والإتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم وأحزاب أخرى صغيرة. اما الثانية فتضم أحزابا مثل تكتل القوى الديمقراطي والتحالف الشعبي التقدمي واتحاد قوى التقدم وعدة أحزاب أخرى. عودة الإسلاميين **************** كما يعود الإسلاميون من جديد الى اللعبة الديموقراطية بعدما استبعدوا من الحياة السياسية الموريتانية لكن السلطات لم تسمح لهم بتشكيل حزب اسلامي، معتبرة انهم لا يستطيعون ان يكونوا المؤتمنين الوحيدين على الإسلام، وذلك بموجب دستور البلاد. مؤشرات إيجابية ************** وفي نفس السياق يري المراقبون ان هناك مؤشرات ايجابية تدل علي ان الانتخابات ستشهد نزاهة تامة وتمثلت هذه المؤشرات في المصادقة على التعديل الدستوري الذي تم الاستفتاء عليه بتاريخ 25 يونيو 2006 إذ كرست التعديلات الجديدة مبدأ التناوب وحددت الفترة الرئاسية بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة وأبدعت آلية جديدة تمنع الرئيس المنتخب من تعديل هذه الترتيبات.