مَن يتأمل واقع العالم اليوم ليميّز - من وهلته - تلك الهجمة التحررية التي تجتاح أنحاء المعمورة، وتحظى بدعم الأنظمة العلمانية الكبرى في الغرب، والتي تعطي حرية الفرد القداسة والأولوية، ولو على حساب القيم الإنسانية، والمعتقدات الدينية للشعوب، فلا غرو، ولا عجب أن نطالع تلك الإساءات المتتالية لأنبياء الله تعالى، والتي تحظى بحماية القانون في الغرب، فضلاً عن شرعنة قضايا هي ضد الفطرة الإنسانية، والمعتقدات الدينية.. كالشذوذ، وزواج المثليين، والإجهاض، وجملة قضايا هي ضد الأديان عموماً، وواهمٌ مَن يظن أن خطر تلك الشرعنة ستقف عند جغرافيا القوم، فنظرة ٌ واحدة إلى الشمال الإفريقي تنبئنا بأن الخطر سيكتسح عالمنا العربي والإسلامي. ولعلّ من وجهة نظر كاتب السطور، وقد رصد في أتون أزمة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لسيّد البشر محمد صلى الله عليه وسلم احتجاجات بعض النصارى على ذلك التجديف المسيء بحق نبينا الأعظم، وقرأنا قبل أسابيع احتجاجات القسس والحاخامات في مطار (مينيابوليس) شمال الولاياتالمتحدة، بسبب إيقاف أئمة مسلمين قاموا بأداء الصلاة في المطار، بأنه آن الأوان لأن نتحرك في اتجاه استثمار هذه الأصوات المنصفة، والتي يجمعنا معها مشتركات كثيرة أمام عدو نسف قيماً ومعتقداتٍ مشتركة لكل أتباع هذه الديانات، وغير مبالٍ البتة بقدسية الدين، وأنه من الحكمة والعقل التنادي لإيجاد أرضية تجمعنا مع منصفي هذه الديانات، لنتوحد في القضايا المشتركة بيننا، كي يكون صوتنا أقوى. ها نحن ندعو اليوم إلى إقامة إعلان عالمي للأديان السماوية الثلاث، على غرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وليتبادر إلى ذلك رموز وعقلاء هذه الأديان، لبلورة هذا الإعلان الذي يتضمن الدفاع عن المشترك الديني بين هذه الديانات السماوية، كي نكون جبهة قوية تقوم بالدفاع عن المقدّس الديني، ابتداءً من أنبياء الله ورسله - صلوات الله وسلامه عليهم - وعدم التطاول عليهم بالسخرية والتهكم، ومروراً بالمحافظة على القيم الإنسانية التي جاءت بها الأديان، وانتهاء بالتصدي لهذه الإباحية الجنسية، والفوضى الأخلاقية، والعبث الذي يجتاح العالم عبر إعلامه وفضائياته. بالطبع هذه الدعوة لا تتضمن ما تنادى به البعض قبل عقود من وحدة الأديان.. فتلك – لعمرو الله – مخالفة بالأصل لمعتقداتنا جميعاً، وقد خلقنا الله مختلفين، (ولو شاء ربك لجعلهم أمة واحدة ولا يزالون مختلفين)، بل تتحدّد فقط في إيجاد أرضية تعاون وتعايش ننطلق جميعاً منها للدفاع عن المشترك الديني بيننا، وتاريخنا القريب يشهد بأننا في مؤتمرات عدة، استطعنا الوقوف معًا - وقتما اتحدت كلمة أتباع هذه الديانات - وأسقطنا مشروعات لشرعنة الشذوذ والإجهاض في مؤتمري بكين والقاهرة، ما يزيد فرص نجاحنا في القضايا الأخرى، وثمة عامل آخر يزيدنا أملاً في نجاح هكذا مشروع، هو ما استطاعه اليهود في موضوع المحرقة النازية (الهولكست)، وتجريم من يشكك فيها، فضلاً عن تهمة العداء للسامية الذي أجفل كثيراً من المثقفين والساسة في الغرب والعالم برمته، ومنعهم من انتقاد اليهود خوفاً من هذه التهمة. لا زلت أؤمل كثيراً في دفع هذا المشروع للنور على أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو - الذي أزعم أنه أفضل الأمناء على الإطلاق ممن تسنم أمانة المؤتمر الإسلامي- في هذه المسألة، فلديه من الوعي لإدراك أهمية كسب أصوات أتباع هذه الديانات في مقاومة الهجمة الهوجاء للتحررية العلمانية، فضلاً على خلفيته السياسية العميقة التي يتميز بها، مع استطاعته التحرك بحرية أكبر دون أية مسؤوليات، أو حمولات مذهبية، أو أصوات داخلية معارضة تقف في طريقه. *اعلامي سعودي مدير تحرير صحيفة المدينة*