اليوم الإثنين موعد انطلاق الحملة الانتخابية الخاصة بالانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة بنزرت الشمالية    189 حريق خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية….    سنية الدهماني تمثل مجددا أمام القضاء..#خبر_عاجل    قافلة "الصمود" تشترط العودة إلى تونس    صاروخ إيراني يصيب مبنى السفارة الأمريكية في تل أبيب..    النادي الصفاقسي - الإتفاق على مواصلة الهيئة التسييرية المنتهية مدة نيابتها العمل خلال الفترة القادمة وإطلاق حملة "صوت الجمهور" للمساهمة في الخروج من الوضع المادي الدقيق    كأس العالم للأندية: برنامج مواجهات اليوم الإثنين 16 جوان    وفد من وزارة التربية العُمانية في تونس لانتداب مدرسين ومشرفين    اليوم... إنطلاق مناظرة 'السيزيام' دورة 2025    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي    تصنيف لاعبات التنس المحترفات : انس جابر تتراجع الى المركز 61 عالميا    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    شبيبة القيروان: غازي الغرايري مدربا جديدا للفريق    إنتقالات: الوداد المغربي يتعاقد مع مدافع برازيلي    عاجل :الكشف عن حكم مباراة الترجي وفلامنغو في كأس العالم للأندية    عز الدين عقيل يحذّر من التصعيد: القافلة تحتاج تنسيقًا رسميًا لتجاوز العراقيل    قتلى وجرحى بعد هجمات صاروخية إيرانية ضربت تل أبيب وحيفا..#خبر_عاجل    تراجع طفيف في نسبة امتلاء السدود، إلى ما دون 40%    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    طقس اليوم..الحرارة تصل الى 42..    إيران تعلن إعدام "جاسوس الموساد" الإسرائيلي إسماعيل فكري شنقا    الاحتلال يستهدف مقرا للحرس الثوري في طهران    "بأساليب جديدة".. إيران تضرب ميناء حيفا وقاعدة بتل أبيب    باكستان تتعهد بالوقوف خلف مع إيران وتدعو إلى وحدة المسلمين ضد "إسرائيل"    النفط يرتفع مع تصاعد المواجهة في الشرق الأوسط.. ومخاوف من إغلاق مضيق هرمز    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    بوادر مشجعة وسياح قادمون من وجهات جديدة .. تونس تراهن على استقبال 11 مليون سائح    بعد ترميمه فيلم "كاميرا عربية" لفريد بوغدير يُعرض عالميا لأوّل مرّة في مهرجان "السينما المستعادة" ببولونيا    مديرو المهرجانات الصيفية يواجهون صعوبات .. بين مطرقة ارتفاع كلفة الفنانين وسندان أذواق المتفرجين    إجراءات لدعم التشغيل    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    اليوم انطلاق مناظرة «السيزيام»    تونس: حوالي 25 ألف جمعية 20 بالمائة منها تنشط في المجال الثقافي والفني    إطلاق خارطة السياسات العمومية للكتاب في العالم العربي يوم 24 جوان 2025 في تونس بمشاركة 30 دار نشر    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    هكذا سيكون طقس الليلة    حملات الشرطة البلدية تسفر عن مئات المخالفات في مجالي الأمن والصحة    المبادلات التجارية بين تونس والجزائر لا تزال دون المأموال (دراسة)    فيلم "عصفور جنة" يشارك ضمن تظاهرة "شاشات إيطالية" من 17 إلى 22 جوان بالمرسى    زفاف الحلم: إطلالات شيرين بيوتي تخطف الأنظار وتثير الجدل    لماذا تستهلك بعض السيارات الزيت أكثر من غيرها؟    مطار النفيضة يستقبل أول رحلة مباشرة من مولدافيا    الإعلامية ريهام بن علية عبر ستوري على إنستغرام:''خوفي من الموت موش على خاطري على خاطر ولدي''    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    باجة: سفرة تجارية ثانية تربط تونس بباجة بداية من الاثنين القادم    هل يمكن أكل المثلجات والملونات الصناعية يوميًا؟    موسم واعد في الشمال الغربي: مؤشرات إيجابية ونمو ملحوظ في عدد الزوار    العثور على شقيق الفنانة لطيفة العرفاوي متوف داخل منزله    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يؤكد دعم المنظمة لمقاربة الصحة الواحدة    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    خطبة الجمعة .. رأس الحكمة مخافة الله    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    موعدنا هذا الأربعاء 11 جوان مع "قمر الفراولة"…    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول الانطلاقة المحتملة لأعمال إرهابية للقاعديين في تونس


*
تلاحقت أنباء محددة و من مصادر مختلفة في فترة وجيزة خلال الأسبوع الأخير حول احتمال بداية نوع من الاستعدادات لانطلاق أعمال ارهابية في قطرنا العزيز تستهدف السلم الأهلي و النظام القائم من خلال استهداف الجهاز الأمني و هو ما انكشف في بعض الاشتباكات المسلحة المتفرقة. إن ذلك خط أحمر و ليس إلا تكرارا سمجا لبرامج الفتنة الأهلية المدمرة السابقة في المنطقة. و لكن من الواضح أن هناك استمرارا لنوع من الغيبوبة تجاه خطر المجموعات القاعدية مغاربيا و تونسيا من قبل معظم النخبة السياسية بما في ذلك القيادات المحلية و عدم إدراك للبنى الجديدة التي بصدد التشكل. و يأتي هذا المقال في اتجاه التأكيد على أن مثل هذه الأعمال الارهابية أمر قادم للأسف الشديد و هو ما أشرت إليه أكثر من مرة و توقعت حدوثه مؤخرا. و بغض النظر عن صحة الأخبار المتداولة أخيرا— و التي يجب التعامل معها بحذر كبير من خلال رفض التعتيم المحلي المعتاد و الذي يمس السلامة الأهلية في هذه الحالة و لكن أيضا من خلال تجنب التضخيم و التوقف عن التعامل مع هذه الأحداث كمجرد مناسبة للمناورة ضد النظام القائم—قلت بغض النظر عن صحتها و دقتها فإن هذه الأعمال ستحدث لامحالة لوجود ما يكفي من العوامل و المؤشرات و المعطيات لحدوثها.
و قد كتبت لأكثر من مرة في السنة الأخيرة حول الخطر المتعاظم لتنظيم القاعدة على السلم الأهلي في المنطقة العربية بشكل عام. و كان إصراري على هذه النقطة ينبع فيما ينبع من سذاجة مثيرة للانتباه لنسبة كبيرة من النخبة العربية و التي "تطبلنت" سياسيا و فكريا من خلال دعمها للاستراتيجيا القاعدية خاصة في العراق إما دعائيا أو تحليلا بتصنيفها ضمنيا في إطار "المقاومة العراقية" من دون حرص على التمييز الواضح و البين بين أطراف "المقاومة" و "الارهاب" و تغاضيها عن كل المؤشرات الدالة بشكل قاطع على أن هذه الاستراتيجيا بشكل عام لا تستهدف "كفار الخارج" فحسب بل أيضا و خاصة "كفار الداخل" (حيث تم التغاضي المثير و لفترة طويلة عن الاستهداف القاعدي البين في العراق لعامة الشيعة و حتى للسنة من خلال مفهوم "التترس") حيث أكد أيمن الظواهري في أكثر من وثيقة أن مسألة "حاكمية الشريعة" تأتي في مقدمة أولويات التنظيم ليس في العراق فحسب بل في خارجه و بقية الأقطار الاسلامية بشكل عام (أنظر مثلا: الطاهر الأسود "مرة أخرى في ماهية المقاومة العراقية...: حول التيار القاعدي و حتمية منهجه الطائفي" ميدل إست أون لاين 19-09-2005). و برزت في العراق مثلا نوايا القاعدة في تأسيس دولة طائفية في "المناطق السنية" باسم "دولة العراق الاسلامية" في ظل صمت مثير للقلق بين أوساط النخبة السياسية العربية و التي تساهم بصمتها في تفاقم ما يجري خاصة في ظل تركيزها المتناسق على "الخطر الفارسي الشيعي".
إن الرؤية الساذجة العامة تجاه تنظيم القاعدة بما في ذلك في العراق تتقاسمه النخبة المغاربية و التونسية أيضا و كان له تأثير بين على رؤيتها لحضور القاعدة ضمن مجالها المغاربي. حيث تم تجاهل تطورات أساسية في علاقة بوجود التيار القاعدي على الساحة المغاربية و التغاضي عن أهميتها البالغة في تحديد مسار المرحلة المقبلة و هو ما تعرضت له في أكثر من مقال في السنوات الأخيرة (أنظر مثلا: الطاهر الأسود "في إطار تحليل الرؤية الأمريكية لمسألة الديمقراطية السياسية في تونس" العدد العاشر/ فبراير 2004 نشرية أقلام أون لاين) و مؤخرا بالتفصيل في مقال في العدد التاسع عشر من نشرية أقلام أن لاين بعنوان "في العلاقة بين القوميين و الاسلاميين عربيا و ومغاربيا" (أعيد نشره في صحيفة القدس العربي في عدد 29 نوفمبر 2006). و سأكتفي هنا بإعادة نشر الفقرة الخاصة بمشروع التنظيم القاعدي عربيا و مغاربيا:
" القاعديون و التهديد بالحروب الطائفية و الأهلية: التقويض الآخر للأمن القومي
و حسب الاستراتيجيا العملية و المعلنة للتنظيمات القاعدية فإن مسألة "حاكمية الشريعة" تتبوأ مكانة مركزية. و بعنى آخر فإن "أمن الشريعة"، بما يتضمن ذلك من المعاني الطائفية الضيقة لل"سلفية الجهادية"، يحتل المكانة العليا التي يتم على أساسها الفرز العام لقائمة "المؤمنين" و "المرتدين". و تستبدل هذه المنظومة ذلك المعطى الواقعي المتمثل في الامن القومي.
إن جوهرالتنظيمات القاعدية هو استرجاع لمقولة اسلامية سابقة مفادها رفض الواقع الراهن القائم بالأساس على رئيسية المرجعيتين الوطنية و القومية للعمل السياسي من خلال اعتبار هذه المعايير ببساطة معايير "جاهلية". لكن الوضع العراقي، على سبيل المثال، يؤكد، من جهة أخرى، معطى غير قابل للتجاهل: أن الحفاظ على شعبية التنظيم المسلح المناهض للاحتلال غير ممكن خارج شروط التركيبة العراقية شديدة الحساسية تجاه نعرات الحرب الطائفية و هكذا فإن هذا الشرط الأساسي للحل المسلح الناجع، أي العلاقة المتينة بين المسلح و محيطه الشعبي، سيفرض على التنظيم القاعدي الانقسام و من ثمة تخلي البعض عن جوهر الرؤية القاعدية أي التخلي عن القول بعلوية ماهو سني سلفي على ما هو وطني.
و في الواقع فإن هذا التهديد للصيغة الوطنية و المغامرة بتفتيتها بدعوى "جاهلية العصبية الوطنية" (يقع تمثيلها بالعصبية القبلية) لا يتجه الى تقويض الدول القطرية في مصلحة دولة جامعة بقدر ما يسعى لإقامة دولة جامعة تحت النفوذ الاستبدادي للطائفة "السنية" في محيطها العقائدي الأقل انفتاحا. و هو ما يؤدي الى اشعال سلسلة من الصراعات الأهلية على أساس "الهوية" ليس فقط بين الفصيل "السني" و الآخر الشيعي أو حتى الطوائف النصرانية العربية بل حتى في خضم المحيط "السني". فلا يجب الوقوع هنا في المغالطة القاعدية التي تدعي الدفاع عن "أهل السنة و الجماعة" حيث يقع الدفاع عن فصيل أقلي ضمن الساحة الشاملة للسنة العرب. إن المؤشر الآخر الباعث على الاهتمام هو الالتقاء على مستوى الرؤية الاستراتيجية بين التنظيمات القاعدية المؤججة للصراع "السني-الشيعي" و بعض الأطراف العربية الرسمية التي تتحدث عن تهديد "الهلال الشيعي". فتقييم الجانبين يتجه عمليا للالتقاء حول استهداف "غير السني" العربي بوصفه تهديدا ضروريا. إن ذلك يؤكد مقولة أساسية في علاقة ببداهة الطرح القومي من جهة الواقع القائم: تفتيت الصيغ الوطنية القائمة في إطارها القطري الراهن تهديد مباشر للأمن القومي العربي. و هنا، و رغم ما يبدو لذلك من مفارقة بالنسبة للخطاب القومي الحركي، فإن الدفاع ضد تفتيت الدولة القطرية على أساس الصراعات الطائفية و الأهلية يصب مباشرة في إطار الدفاع عن الأمن القومي العربي.
أفق الحوار القومي-الاسلامي مغاربيا
هناك ملمح جديد في الوضع المغاربي سيساهم بشكل بالغ في إعادة تشكل الواقع السياسي: "قاعدة الجهاد في بلاد المغرب". فمنذ البيعة الرسمية مؤخرا لتنظيم "الجماعة السلفية للدعوة و القتال" تجاه تنظيم القاعدة و حسم مسألة القيادة التي سيتم إحالة "أمر بلاد المغرب" اليها من قبل الامارة القاعدية و التقارير الصحفية عن تدريب عدد من المواطنين المغاربيين من قبل التنظيم الجزائري بهدف تحقيق هدف امتداد الصراع الأهلي الى بقية الأقطار المغاربية فإن مسألة بروز تهديد التنظيمات القاعدية للسلم الأهلي مغاربيا سيصبح مجرد مسألة وقت. إن ذلك سيدفع الى الواجهة الحاجة التاريخية لعقد اجتماعي جديد يجب العقد الاجتماعي المرتجل لما بعد مرحلة الاستقلال و يحظى بالقبول و الاقناع و هو ما لم يتحقق حتى الآن. و ليس العقد الاجتماعي في هذه الحالة و بالتعابير السياسية الراهنة سوى مشروع المصالحة الوطنية.
إن مسار المصالحة الوطنية مغاربيا هو المسألة الجوهرية في المستقبل السياسي المنظور. لا يتعلق ذلك بمجرد تمنيات بل هو ما سيشكل جوهر الصراع السياسي بالذات و حوله سيتم حسم طبيعة المرحلة المقبلة. و ليست مسألة الدمقرطة بمعزل عن هذا المسار. إن التفاعلات و التجاذبات المتصاعدة مغاربيا تبين أن الدمقرطة لا يمكن أن تتم بمعزل عن واقع معقد فيه الكثير من التوازنات المحلية و الاقليمية و الدولية. و مثلما كان الحال دائما، بما في ذلك في النماذج الغربية، فإن الدمقرطة ستتحدد مسارا و توقيتا و سرعة حسب توافقات موضوعية معقدة. و التوافقات وحدها و ليس عقلية الفرض و الإملاء أو التوتر و الصراخ هي التي ستحل المعضلات القائمة. و من هذا المنظور يجب النظر لمسألة المصالحة الوطنية. فهي، بمعنى آخر، البعد الواقعي و العملي التي ستشكل القاعدة التوافقية الممكنة لإرساء مسار دمقرطة حقيقي و من ثمة تحقيق المثال الديمقراطي. إن مسار المصالحة الوطنية الذي هو في وضع تشكل في بعض الأقطار و في حالة ماقبل الولادة في أقطار أخرى سيصبح مسارا حتميا للبقاء بمجرد أن يسترجع التهديد القاعدي للسلم الأهلي حيويته (في المثال الجزائري) أو يصبح أمرا واقعا (في بقية الأقطار)، و هي للأسف و كما أشرت ليست إلا مسألة وقت. إن استمرار البعض في إنكار هذه الآفاق بدعوى نجاح ما هو قائم لن يغير في الأمر شيئا إلا في اتجاه تعقيد الحلول و تأجيل التوافق. " (انتهى).
إن رؤيتي هذه و التي أكدت عليها في المقال المشار إليه أعلاه تأتي جزئيا كرد فعل على صمت محلي في تونس حول هذه الظاهرة تشارك فيه جميع الأطراف تقريبا. حيث التقت أطراف معارضة مع أوساط داخل السلطة (كما يظهر في ضحف مقربة من النظام كصحيفة الشروق و لكن غيرها أيضا) في:
أولا، تطبيع ممارسات القاعدة في العراق ضمن مسار "المقاومة" خاصة من خلال عدم الحرص على مواجهة واضحة لممارساتها الارهابية البينة المستهدفة تحديدا إشعال الفتنة الطائفية في التقاء لا يمكن تجاهله مع بقية الأجندات الطائفية في العراق بما في ذلك أوساط نافذة في سلطات الاحتلال الأمريكي (آخرها مؤشرات واضحة عن التقاء مجموعة تشيني أو ما تبقى من النيومحافظين في واشنطن مع قيادات سعودية للمراهنة على صراع الشيعة ضد السنة في إطار مزيد صب الزيت على النار كخيار أخير لإنقاذ مشروع الاحتلال، و هو ما سأتعرض اليه في مناسبة لاحقة في مقال خاص). إن هذه الرؤية التونسية للوضع العراقي التي تشمل جميع الأطراف تقريبا تعكس عدم إدراك للأهمية المتعاظمة للوضع العراقي و حضور القاعدة فيه سلبيا على الوضعين المغاربي و التونسي.
ثانيا، التعامل من قبل معظم الطبقة السياسية مع ظاهرة السلفية الجهادية المتصاعدة في تونس بشكل ساذج:
-من جهة السلطة و بعد إصدار "قانون الارهاب" و الذي كان يهدف الى تحقيق نقاط سياسية على المستوى الدولي أكثر منه مواجهة جدية لما يحدث من تطورات داخلية تم تدشين الحملة على أوساط السلفية الجهادية بما في ذلك أوساط متعاطفة و قريبة منها (تم في هذا الاطار خلط مواجهة "الارهاب" مع مواجهة مشاعر جدية لدعم المقاومة في فلسطين و العراق خارج الأطر القاعدية). و قد أدى استمرار التعامل الأمني الاستئصالي في المساهمة بجدية في إقحام عناصر جديدة كانت في هامش تيارات السلفية قبل اعتقالها ضمن مسار السلفية الجهادية من خلال الممارسات المتهورة و التعذيب و الاهانة الشخصية للمعتقلين و عائلاتهم. و ساهمت الحملة الأخير على الحجاب بشكل قاطع ليس على استهداف حركة النهضة كما اعتقد البعض في الأوساط المؤثرة بل في استهداف تيار عريض غير مسيس يعيش على هامشه تيار السلفية الجهادية لينتهز الأخير فرصة الايغال في الاستئصالية لتثبيت رؤيته التكفيرية للنظام. لقد استخدم النظام و لفترة طويلة تعميما للساحة الاسلامية اتهم فيه أطراف لم تعد تشك حتى القوى الدولية المؤثرة في اعتدالها بتهمة "الارهاب". و الآن تحققت النبوءة و لكن لم يعد ممكنا التعامل التكتيتكي و المناور لقضية الارهاب في تونس كما اعتاد البعض حيث سيصبح ذلك أمرا واقعيا و مؤثرا بشكل سلبي للغاية على النسيج الاجتماعي و على الوضعية الاقتصادية الحساسة أصلا. و الجميع يعرف الأهمية الخاصة للتهديد الأهمني على قطاعات اقتصادية أساسية مثل القطاع السياحي. إن جزءا من مسؤولية السلطة فيما يجري يشمل أيضا وجود أطراف لا تستهدف الاسلاميين المعتدلين فحسب بل أيضا ما ترى فيه "قاعدة ثقافية للتطرف" و هو ما يشمل أحيانا كثيرة مبادئ دينية يؤدي استهدافها لاستفزاز مشاعر كثيرين يعتبرون المس منها خطا أحمر. و بالرغم من وجود مؤشرات كثيرة على أن هذه الأطراف الاستئصالية تواجه داخل النظام نفسه معارضة قوية إلا أن سياساتها السلبية حققت أضرار بالغة. إن هذه السياسة عامة و عبر الخمسة عشر سنة الأخيرة انعكست ميدانيا من خلال ضرب الأسس التي تسمح يوجود تيار واسع من الأئمة و القادة الدينيين المستقلين و المعتدين كما هو موجود في كثير من الأقطار العربية و هو ما ترك الساحة فارغة أمام من جهة أولى "أئمة موظفين" مكلفين بمهام و من ثمة لا يحظون بالمصداقية و من جهة ثانية "أئمة متمردين" لا يشغلون ضرورة مناصب الامامة و المشيخة و لكن يعملون على الهامش و بصمت بالغ و مؤثر و ذلك خاصة منذ سنة 2000.
-في الجهة المقابلة تقف المعارضة (لا أعني هنا طبعا أطراف الديكور و التي لا تقوم حتى الآن على الأقل إلا بمسايرة النهج الرسمي من دون أي "مغامرات غير محسوبة") بخطاب غير مواكب للتطورات الداخلية. حيث بدى أنها تنظر للوضع نظرة متمركزة على الذات. و كان من الواضح أن أطرافا محدودة الفاعلية ميدانيا و لكن كثيرة الصخب إعلاميا اعتقدت أن صخبها الاعلامي في الخارج يعكس أنها موجودة في مركز التطورات الميدانية في الداخل و من ثمة تعمدت تجاهل الانتشار المتعاظم في الساحة التونسية لتيار السلفية بجميع مشاربه و بقية الأطراف الجديدة (الصوفية، الشيعة...) مما يعكس تغيرا في الخارطة السياسية الداخلية و ذلك للاستمرار في الاعتقاد و الترويج لأنها تمسك بمقاليد المعارضة. و اعتقد البعض أن المطلوب الرجوع لما قبل 1990 و هو أمر لم يعد ممكنا. و كانت أكثر الصور الكاريكاتورية صورة السيد منصف المرزوقي راجعا للبلاد بدعوة "للعصيان المدني" و "المقاومة السلمية" بشكل كشف نرجسية و طوباوية لافتة حيث يبدو أنه كان هناك اعتقاد بأن "الجماهير" كانت تنتظر فقط رجوع الزعيم الكارزمي لتنطلق في احتجاجاتها و هو ما عكس غيبوبة كاملة عن الخارطة السياسية و الفكرية الجديدة التي بصدد التشكل و التي هي في قطيعة كبيرة مع الوجوه السياسية التقليدية. إن استراتيجيا المعارضة القائمة على التركيز على الدعم الخارجي المتنوع (الحقوقي و السياسي و الاعلامي خاصة على مستوى الاتحاد الأوروبي) لا تعكس عدم ثقة في جذب دعم داخلي فحسب بل تشير الى أن حاجات الداخل الأقل سياسوية و المصطبغة بقوة بتأثير ديني راديكالي متعاظم أصبحت خارج قدرات و برامج طيف هائل من المعارضة و التي لازالت تناقش في بديهيات مسألة الهوية و مسائل حقوق التوريث و المرأة. و لقد انعكس هذا التوجه الساذج في محاولة الالتصاق بالمجموعات الجديدة و معتقليها في السجون التونسية و التبني الحقوقي لها و من السخرية أن ذلك اصطدم بلامبالاة المعتقلين بالمسألة الحقوقية و هم الذين قاموا أكثر من مرة برفض السلطة القضائية و عدم الاعتراف بها أصلا (لا يرجع ذلك كما أشار بعض محاميهم لفقدان هذه السلطة لمصداقيتها بل لأن جزء هام من المعتقلين المعنيين يتعاملون مع النظام القائم على أنه "طاغوت" بما في ذلك السلطة القضائية). و كان السيد نجيب الشابي في خطابه الافتتاحي لمؤتمر حزبه قد تعامل مرة أخرى بشكل ساذج مع مسألة المعتقلين الحاليين مشيرا فقط الى أنهم مجموعة من الشباب المتعاطف مع المقاومة ليعكس الرغبة في تهميش هذه الأطراف الجديدة و لكن أيضا استخدام هذه المسألة في المناورة على النظام. إن الخطاب الذي سنسمعه بين أوساط هذه المعارضة و بشكل جامع في الأيام القادمة هو التركيز على مسؤولية السلطة فيما يحدث. و سيتم العمل على تهميش الأسس الداخلية للتيار القاعدي و التعامل معه مثلما تتعامل مع الأطراف الأمنية بالذات أي على أنه مجرد تيار مستورد من الخارج (عبر الفضائيات كما لا يزال الكثيرون يكررون بشكل ساذج منقطع النظير) مما يهمش الأسس الداخلية العميقة لوجود هذا التيار. حي سيقع التركيز عى غياب الديمقراطية فحسب لما يجري مما يهمش قضية مركزية أخرى و هي مسألة الصراع على الهوية و الاستفزاز الخطير للمشاعر الدينية.
إن بدايات الحل ليست بأيدي المعارضة كما هي راهنا. إن مركز المواجهة القادمة أحب من أحب و كره من كره ستكون متركزة ليس بين "الديمقراطيين" و غيرهم بل بين أوساط دينية معتدلة و أخرى متطرفة قاعدية تدعو للارهاب الداخلي لحسم مسألة الهوية. و هنا تحديدا يصبح دور التيارات الاسلامية المعتدلة محوريا في مواجهة التيار المتعاظم للفتنة الأهلية. و هذا يعني مسؤولية خطيرة يجب أن تؤدي الى الترفع عن الخطاب المعتاد تجاه السلطة في ظل التغير الدراماتيكي للوضع السياسي و الأمني. و هذه فرصة تاريخية لإثبات اعتدال هذه الأطراف و نبذها الجدي للعنف في ظل تشكيك أطراف مختلفة من المعارضة و السلطة لأسباب ايديولوجية و سياسوية في آن واحد و ليس لتحليل رصين و واقعي للتيار الاسلامي المعتدل. غير أن المسألة الديمقراطية ستأخذ في هذه الظروف بالذات صيغة جديدة حيث أن مشروع المصالحة الوطنية سيصبح مطلبا جوهريا كصيغة عملية لدمقرطة واقعية و لن يصبح في مقدور السلطة أو بعض أطرافها المؤثرة على الأقل مواصلة تجاهل استحقاقاتها. و لم يعد متاحا الاصرار على "خصوصية تونسية" تتميز "بمناخ يسوده الاعتدال" كما يشير "الاستبيان" المسيس الذي نشرته هذا الأسبوع وزارة االشباب و الرياضة في تونس بين صفوف الشباب و الذي يشير الى "92%" من الشباب يعتقدون في "إسلام معتدل" (أنظر صحف أمس). و من المؤكد أن هناك أطرافا في السلطة ستستغل سياسويا ما سيحدث و ستحاول التأكيد على ضرورة تعميم صفة "الارهاب" و "التطرف" على كل طرف إسلامي غير أن تونس تبقى جزءا من نسيج عربي و اسلامي تتأثر بمشاكله مثلما تتأثر بحلوله. و لم يعد هناك مجال في هذا الاطار بالذات لاستمرار تحريم و حضر التيارات الاسلامية المعتدلة مثلما لم ممكنا التسويق لذلك على المستوى الدولي في ظل علم قوى دولية مؤثرة بتعاظم التيارات الدينية عموما في الساحة الشعبية. حيث أصبح من الضروري الاستفادة من تجارب الأنظمة العربية الأخرى في مواجهة تيارات الفتنة الأهلية (مصر، الجزائر، المغرب...) و التي أثبتت أن صيغة التعاون مع التيارات الرافضة للعنف و خاصة التيار الاسلامي المعتدل جوهرية و حاسمة لتخطي مشاريع الحرب الأهلية و تفاقمها. و لا يوجد مثال واحد تم فيه الاقتصار على الحلول الأمنية. حيث ساهمت سياسات التنفيس السياسي و فسح المجال لقيادات دينية مستقلة و معتدلة بشكل رئيسي في نزع الشرعية و المصداقية الميدانية لتيارات الفتنة الأهلية. و رغم أن ذلك لم يؤد الى تطورات ديمقراطية دراماتيكية في هذه الأقطار إلا أنه طرح أسس حقيقية و جدية لتطور ديمقراطي على المدى الطويل. في المقابل يتبين أن "الخصوصية التونسية" و ما تعنيه من سياسات أمنية تدعي "قطع دابر التطرف" لم تكن في النهاية و كما تثبت الأحداث الراهنة سوى تأجيلا لموضوع الارهاب المحلي.
إن هناك حاجة جدية للتوقف عن التعامل بشكل سياسوي مع موضوع التيار القاعدي و مشاريعه المهددة للسلم الأهلي سواء من قبل السلطة أو المعارضة. إن المرحلة الحساسة التي تقبل عليها تونس (المحفوفة أيضا بظروف اقتصادية صعبة و متفاقمة على الأرجح) تتطلب تغييرا دراماتيكيا يتناسب مع التطورات المتوقعة يضع مسألة تهديد السلم الأهلي و مبدأ احتكار الدولة للسلاح كخط أحمر لا يقبل المناورة السياسية. إن تحميل السلطة المسؤولية و التفرج بشماتة عما يحدث سيضر الجميع و سيصبح مثل "أكلت يوم أكل الثور الأبيض" صحيحا مرة أخرى. و هنا عدم الخلط بين التنديد بالقمع و تهديد الأمن العام. و يجب التفريق بكل صرامة بين الدور القمعي المسنود من قبل السلطة السياسية للجهاز الأمني بما في ذلك وجود عناصر أمنية تتسم بوحشية بالغة و بين الدور الدستوري غير القابل للجدل للمؤسسة الأمنية و الذي يجعل استهدافها المسلح جريمة يعاقب عليه القانون. إن حسم هذه المسألة لا يعني وقوفا مع السياسة القمعية للسلطة بل يعني وقوفا مع النظام الدستوري القائم و مؤسسة الدولة. إن الحديث عن "ضرورة القطيعة" مع النظام القائم و أطروحات من نوع "الاستقلال الداخلي" تلامس موضوعيا و من حيث لا تدري مع تكفير التيارات القاعدية للنظام (و المعارضة أيضا). و هذه، طبعا، مسألة في غاية الخطورة.
تاريخ النشر على : 29 ديسمبر 2006-9 ذو الحجة 1427 ه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.