ليس هناك أدنى شك لدى الكثير من الأوروبيين بأن تغيّر المناخ ينتج عن إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء وقد آن الأوان لاتّخاذ إجراءات للحد من انبعاث الغازات. هذا ما أوضحه تقرير خبير الاقتصاد البريطاني، ستيرن، الذي صدر في شهر أكتوبر الماضي، وهذا الأسبوع أدلت المفوضية الأوروبية برأيها في النقاش الدائر في هذا الصدد. يخطئ كل من يعتقد بأن الأمريكان سيبدؤون في الاهتمام بمشكلة تغيّر المناخ في الوقت الحالي. فقد بادر لوبي السيارات الأمريكية هذا الأسبوع بضربة معاكسة قوية من خلال الخبير الاقتصادي لشركة السيارات Daimler-Chrysler، السيد فان يوليسانت. لم تكن المفوضية الأوروبية لتجد توقيتا انسب من الآن لقرع ناقوس الخطر بشأن تغيّر المناخ في وقت يراقب فيه الموطنون بذهول حقيقة الطقس الراهن الذي يهدد بالتحول إلي ادفأ شتاء عرفته أوربا. تطالب بروكسل بتخفيض إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة 2تتراوح بين 20 و 25 بالمئة خلال العقد القادم. ولا بد ا تبع ذلك إجراءات عملية تتخذها الدول الأعضاء ولا شك أن هذه الإجراءات ستكون قاسية إلي حد كبيرة وتكلف الكثير من المال. ولكن الرأي العام في أوروبا يبدو مستعداً لذلك. يشير تقرير خبير الاقتصاد البريطاني بأن اتّخاذ إجراءات في هذا الخصوص سيكون أقل تكلفة بكثير اليوم من كلفة إصلاح الضرر الاقتصادي الذي سيسببه التغير المناخي في وقت لاحق. يأمل الأوروبيون في صدورهم أن تتراجع أمريكا أيضاً عن موقفها وتوقّع على معاهدة كيوتو. ولكن هذا الأمل قد تلاشى بعد تصريحات فان يوليسانت، الخبير الاقتصادي لشركة السيارات Daimler-Chrysler. تفيد محطة ال BBC البريطانية بأنه وصف السياسة الأوروبية بأنها "شبه هستيرية"، مقارناً إياها بالصيصان في فيلم 'الصوص الصغير‘ الذي يركض من مكان إلى آخر بلا هدف ما وهو يصيح بأن السماوات ستسقط. يبدو أن السيد فان يولسانت قد ذهب بعيد مما اضر المتحدث باسم الشركة جايسون فاينز إلي تصحيحه قائلا: "لم يكن هذا رأيه الشخصي، ولكن فان يوليسانت كان مذهولا من الذين ينظرون إلى الأمر بهذا الشكل". في نفس الوقت تعتقد شركة صناعة السيارات بأن الارتباط 'المفترض‘ بين ما ينطلق من الغاز في الهواء وبين تغيّر المناخ شكوك فيه الي حد كبير. قد يكون الفيلم الوثائقي الذي أصدره المرشح السابق للرئاسة الأمريكية، آل غور، حول تغيّر المناخ ربما يكون قد فتح أعين رئيس الحكومة الهولندية يان بيتر بالكننده، ولكن شركة السيارات دايملر كرايسلر لا تتفق معه. يكرر المتحدث الصحفي باسم شركة صناعة السيارات تحذيره بأن هذا ليس دليلاً؛ إذن هنالك أسباب جيدة لشركة صناعة السيارات لتحذّر مقدّماً من الإجراءات الحكومية المفرطة !! يقول جايسون فاينز محذّراً: "أخر ما يجب أن نفعله هو فرض تكنولوجيات باهظة الثمن على صناعة السيارات لا يمكن للإنسان العادي أن يشتريها؛ وهذا سيجبره على استخدام سيارته القديمة لمدة أطول بدل شراء سيارة جديدة نظيفة". ولكن ماذا يمكن لأوروبا أو هولندا أن تفعل به تجاه الموقف الأمريكي هذا؟ يجيب ديدريك سامسون، الناطق باسم حزب العمل في البرلمان الهولندي لشؤون البيئة: "لا تأخذوا بهذا الكلام! فالعلاقة بين إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون وتغيّر المناخ قد تمّ إثباته بأدلة علمية – حتى في التقرير الذي ستصدره الأممالمتحدة قريباً – بشكل لا يمكن لأحد أن يستنتج غير ذلك". وبطلب من ديدريك سامسون ستقوم الحكومة الهولندية، إن أمكن، بفرض ضرائب استيراد إضافية على المنتجات الأمريكية المصنّعة بطريقة تضرّ بالبيئة. يقول الناطق باسم حزب العمل: "أعتقد أنه بالإمكان فعل ذلك، ويجب أن نأخذه على محمل الجد". من غير المحتمل بالتأكيد أن تصل الدول الأوروبية إلى اتفاق حول موقف صارم كهذا تجاه أمريكا. ومن المشكوك أن يوافق الحزب المسيحي الديمقراطي والديمقراطي الاشتراكي في هولندا على هذه المسألة. ردة فعل سامسون حذرة جداً تجاه هذا الأمر: "هذه المسألة ليست نقطة نقاش في محادثات تشكيل الائتلاف الحكومي (لم تشكل الحكومة الهولندية بعد انتخابات شهر نوفمبر الماضي، وما زالت المحادثات مستمرة بين الأطراف الأساسيين في الائتلاف الحكومي المحتمل). فنحن في هولندا يجب أن نأمل فوق كل شيء بأن نتفّق على مقاربة صارمة لمشكلة البيئة قبل أن نرفع العصا في وجه أمريكا". يذكّرنا موقف شركة السيارات Daimler-Chrysler بالمدخّن المتحمّس أيام زمان. كانوا يهاجمون رفع الضرائب على السجاير بحجة أن العلاقة بين التدخين ومرض السرطان لم يثبته علمياً مئة بالمئة. كانت هناك مقاومة ضد المفهوم القائل بأن التدخين يضرّ بالصحة واستمرت هذه الحالة لعدة سنوات ولكن المناخ لن يصبر علينا كثيراً.