المتأمل اليوم في المشهدين اللبناني والفلسطيني يجد النفس بلا شك أمام خيط جامع يشق حالة الاحتراب العربي العربي أو الاسلامي الاسلامي أو الأهلي الأهلي,حيث فوضت جماهير الأحزاب عقولها للاعبين الكبار في مقابل أن تدر عليهم خزائن الدول الكبرى العطاء ثم العطاء,بعد أن أعملت في قياداتهم الحزبية والمحلية سيف الوعود بفتح خزائن فارس-ايران- والمجتمع الدولي بمكوناته الصناعية الكبرى... ليس بخاف على أحد أن للفريقين المتصارعين على أرض لبنان وفلسطينالمحتلة ,ولاءات اقليمية ودولية فصلنا الحديث في بعضها في مقالنا الأخير المعنون ب " تمجيد الماضي والتغني بالقوة والخضوع للمحور السوري الايراني",غير أنه في النصف الثاني من الواجهة لايمكن الغفلة عن الجهات الدولية المانحة للطرف الاخر المتخندق بين السلطة والمعارضة بحسب الحالة القطرية -في لبنان فريق السنيورة و 14 اذار في السلطة وفي فلسطين فريق عباس وفتح ممزق بين رئاسة في السلطة وجسم فتحاوي عريض خارج "امتاع" الحكومة-! لعبة المال والتسليح أصبحت مفتاح القوى الاقليمية والدولية في تصفية ثلاثة شعوب على وجه خارطة الشرق الأوسط ,حيث باتت الجماهير العراقية واللبنانية والفلسطينية مستسلمة لأدوات قديمة وجديدة في الهاء شعوب المنطقة عن قضايا التحرر والسيادة الحقيقية وقضايا التنمية السياسية والاقتصادية والعلمية والتقنية المفترضة في اهتمامات دولها. من يدفع أكثر ويسلح أكثر أصبح اللاعب الأكبر في زعزعة الأمن والاستقرار في البلدان الثلاثة ومن ثمة تضييع نضالات وطنية وشعبية لايمكن تقدير حجم ضحاياها والامها واكراهاتها على مدار مالايقل عن نصف قرن من النضال التحرري من أجل بناء دولة الاستقلال أو تحرير وطن خاضع للعذاب والاحتلال. ليس من المستغرب أن تدفع الدول الكبرى ثمن الاحتراب من خزائن بترولية بعضها عربي المصدر وبعضها فارسي اللون والتراب,حيث لاهم اليوم لهذه القوى الا فرض أجندتها على الساحة الاقليمية والدولية والحد من طموحات بعضها البعض اقليميا وعالميا على حساب ثلاثة شعوب من "الغلابى" والمنقادين وراء تقسيمات حزبية وطائفية مزقت الخاصرة العربية والاسلامية وكشفت هشاشة العقل العربي والاسلامي أمام جموح العواطف بعد توكيل العقول وتفويض التفكير وتقرير المصير الى الأسماء الكبرى من ديناصورات العمل الأمني والسياسي المتغلف بشعار خدمة الجماهير وتحرير فلسطين وخدمة القضايا الوطنية أو القومية أو الاسلامية المقدسة. دعونا نعترف بأن هناك قادة وطنيين وصادقين في كلا الفريقين المتمترسين بنار الحكم والمعارضة,غير أن الصراحة والمكاشفة تقتضي منا الاعتراف بوجود قادة اخرين دخلوا في لعبة الحرب الباردة بين القوى الدولية النافذة بزعامة الولاياتالمتحدة واسرائيل وبين قوى اقليمية صاعدة بقيادة طهران ودمشق,وهو مايعني بكل أسف أن المنتظم الحزبي الحاكم والمعارض الأقوى على الساحة السياسية والتنظيمية بات تحت هيمنة أسماء كبرى تشتغل لحساب من يدفع أكثر ويفتح خزائن السلاح الملوث بمشروع لاراقة دماء شعوب المنطقة. لن ندخل في دائرة حصر الأسماء لهؤلاء القادة المتواجدين في معسكر شهوة السلطة والنزاع على بهرجها الزائف في ظل ذهاب سيادة الأوطان ومكتسبات الشعوب العمرانية والخدمية والعلمية والتقنية,وقبل ذلك اهدار دم كيان مقدس في عرف كل شرائع السماوات والأرض وهو الانسان ,بل اننا نكتفي بالقول أن التغني بتحرير فلسطين أو استرجاع سيادة لبنان أو تحرير كل شبر منها أو تحرير العراق في مقابل تخريب البلد وقتل جماعي للانسان ,كل ذلك لن يشكل في نظر كل عاقل الا كذبا وسفاهة تمارس على الجماهير باسم أجمل الشعارات وأقدس الطموحات التي ضحى من أجلها أشرف رجالات المنطقة ... المسؤولية في كل هذا لايتحملها الممولون والمسلحون في المعسكرين ,بل يتحملها بالدرجة الأولى من سلم عقله الى غيره ليفكر عنه بالنيابة والتوكيل داخل أحزاب 14 اذار أو حزب الله أو فتح أو حماس أو غيرها من التشكيلات العراقية المتقاتلة تحت يافطة المذهبية والطائفية القاتلة,حيث قام هؤلاء باعدام عقولهم حين سلموها هبة لمن يعطي أوامر باطلاق النار على الدم الفلسطيني أو اللبناني أو العراقي ,حين وهبوها بعد أن أعدموها -أي العقول- عبر تحويلها الى الة تلقي فاسدة تحت لواء الانضباط الحزبي والولاء التام للقيادة والسمع والطاعة للكبار الذين لهم كل القدرة على فهم مصالح البلدان والشعوب دون غيرهم من العامة والناس الذين نسوا بأنهم فوضوهم أمانة الشهداء والسجناء والأوطان والمقدسات من أجل حمايتها وصيانتها من العبث أو مخاطر الاحتلال... ماذا لو استعادت جماهير الأحزاب النافذة في هذه المنطقة أو في هذا المثلث الساخن أو قل في كل منطقتنا العربية والاسلامية عقولها وسحبت توكيل التفكير بالنيابة عنها وعن مطامحها ومصالحها من قيادات شبعت حتى التخمة من أموال عواصم عالمية واقليمية ؟,هل كانت حينها تسيل دماء عربية واسلامية طاهرة وشريفة في منطقة كان يفترض فيها العمل على محوري التنمية الحقيقية والسيادة الجادة؟ لو استعادت جماهير الأحزاب توكيلها للعقل لديناصورات الأمن والسياسة لوجد قادة بارزون في الأقطار الثلاثة المذكورة أنفسهم في مواجهة جماهير يقظة لاتطلق الرصاص في حروب أهلية وداخلية وانما تحفظه في مخازنه من أجل حماية الثغور وتمتين مكاسب دولة الاستقلال ان وجدت ...,غير أنه ماوجدت جماهير تسير وراء الخطب الرنانة التي تحشد لها الجماهير من الفريقين بعشرات الألوف في ساحات بيروت وغزة وربما كربلاء أو حي الأعظمية من أجل الاقناع بطروحات عقلين موهوبين لمصالح المال أو السلاح ,فان مزيدا من الخراب والدمار مازال ينتظر شعوب المنطقة وبلدانها ... وحتى استعادة العقول وتمزيق تفويض ذهني على بياض منح لديناصورات المنتظم الحزبي والطائفي وتجييش الجماهير عبر دغدغة عواطفها الدينية والمذهبية والوطنية والقومية ,يظل العالم العربي والاسلامي رهين لعبة الدول الكبرى أو أصحاب الدهاء السياسي اللاوطني المتسربل بالخطاب الديني أحيانا وبالخطاب المذهبي أحيانا أخرى وبالخطاب الوطني في مواضع كثيرة ,ومن ثمة لانستغرب أن تعيش منطقتنا على شفا جرف هاو من الحروب الأهلية أو الاحتقان السياسي الجارف أو الصامت المشحون بالديماغوجيا وتجييش العواطف واللعب على كل حارق ومدمر للأوطان .. وفي انتظار عودة العقل الى جمهور أحزاب المنطقة وسحب التفويض بناء على استعماله في غير وجهته الوطنية والدينية والقومية الأصيلة ,سيضحك اخرون ملئ أفواههم على دماء بريئة تسيل في سواقي تروي نهضة اخرين وتقدم دول وشعوب أيقنت أن استعمال العقل في مواضعه الأصيلة شرط كل تنمية بشرية وعمرانية وعلمية وتقنية مستديمة. المصدر : صحيفة الحقائق الدولية المستقلة : http://www.alhaqaeq.net/ كاتب واعلامي تونسي /رئيس تحرير صحيفة الوسط التونسية : [email protected] - ملاحظة ينشر المقال على صحف عربية ومواقع أخرى شقيقة