تحدثنا الى الابنة نعيمة التي تجاوبت معنا وفجرت كل ما لديها من عبرات وعبارات كانت تجثُم على صدرها فقالت بنبرات خانقة ما يلي: «من عجائب الصدف وعبث الأقدار أن ليلة وقوع الحادثة كان يُناسب تاريخ ميلاد أبي الذي أغلق الخمسين سنة من عمره فجعله تاريخا لموته وذكرى تعيسة في حياتنا. كان من المفترض أن تكون هناك هدايا وحلويات وأفراح فحل محلّها السكين والحبل... لقد ابتليتُ بمصائب ثلاث فقدان أمي ثم أبي ثم مصير اخوتي المظلم.. لقد ازداد الوضع سوءا على سوء.. وليقدرني الله على الصبر والنسيان.. أنا أتّهم الزمن.. ثم الفقر الذي حوّل حياتنا الى خصام وجحيم حتى انتهى بمأساة.. أتوجه بنداء الى كل من حولي من أقارب أو مسؤولين بأن يُعبّروا عن تعازيهم بالفعل وليس بمجرد القول وبالإحاطة العاجلة لأبناء قد فقدوا أعزّ الناس ولم يبق أمامهم إلا مصير مجهول.. فإذا نحن عشنا حياتنا بمثل هذه الخصاصة فمن حقّنا أن نعيش المستقبل في راحة وسعادة. * «أزمات متتالية فجرت الجريمة» ما أشار اليه السيد عيّاد الهنداوي شقيق الراحل أن الصورة كانت بشعة ارتجت لها نفوس كل المتساكنين وقد تابع وقائعها أطفال صغار في عمر الزهور وعاشوا المشهد الذي كان مرتبطا ارتباطا وثيقا بالقسوة.. لقد كان شقيقي أميا ويحمل إعاقة في السمع والنطق وبالتالي فهو لا يستطيع أن يسمع صراخ الأم أو عويل الأبناء. لقد وصل الى مرحلة يأس قتلت بصيرته وأيقظت عنده حاسة النظر ليُبصر بكل وضوح خليطا من الدماء والدموع وخلّف جثّة هامدة.. وحتى يقطع كل ما تبقى له من أمل وحواس انتقل الى تفعيل الصورة الثانية فتخلّص من آلة الجريمة الأولى وأمسك بالأخرى التي أفنت حياته.. وترك أبناءه على قيد الحياة عسى أن يعيشوا أوضاعا أحسن وأفضل.