: الافتتاحية: المجهول المعلوم بقلم د أحمد القديدي في الوقت الذي يؤدي خلاله الرئيس الصيني هوجنتاو أول زيارة دولة لمسؤول صيني كبير إلى واشنطن، و في الوقت الذي يتحرك خلاله الملف النووي الإيراني نحو المزيد من التعقيد، و في الوقت الذي بدأت خلاله السلطة الفلسطينية تقع ضحية المخططات الجهنمية الموضوعة منذ زمن بعيد أمام إسرائيل و حلفائها، في هذا الوقت يصدر في لغات أوروبا أخطر كتاب يحمل عنوان: توقعات مركزية المخابرات الأمريكية للعالم سنة 2020 وهو تقرير صادر هذه الأسابيع الأخيرة عن المجلس القومي للمخابرات( ناشنال أنتليجنس كنسل) الذي يعتبر العقل المفكر و المخطط و المستشرف للمستقبل التابع للمركزية و المستشار الموثوق للإدارة الأمريكية و المتعامل المرن مع الرئيس الأمريكي و الكونجرس على السواء. و في باريس صدر الكتاب لكن بمقدمة مطولة كتبها المنظر المعروف للصهيونية و الكاتب المتحيز لإسرائيل وهو المنتمي للعرق اليهودي ألكسندر أدلر و الذي لا ننكر خبرته الطويلة للشأن السياسي الدولي لكن لا نشاطره حماسه ضد العالم العربي و الأمة الإسلامية. و جاءت المقدمة للكتاب الذي أصدرته مؤسسة روبير لافون الباريسية في شكل موجز للتقرير الذي يتشكل من 260 صفحة و لكن في الحقيقة تأخذ المقدمة محتوى إيديولوجيا معاديا بكل المقاييس لا أمانة علمية و لا تاريخية فيها كأنما كلف ألكسندر أدلر بمهمة تأليب الرأي العام الدولي ضد القضايا العربية العادلة و تغليب مصالح إسرائيل وحدها على العالمين و ذلك كله بتلاعب ذكي و خفي بالمعلومات و توجيهها لخدمة عقيدته هو و تدليس التاريخ حتى القريب منه بالأكاذيب المضللة و الخرافات العنصرية و البراهين المشبوهة. و نحن حين نستعرض التقرير نلمس مدى اعتماد خبراء المخابرات الأمريكية على المعلومة و توظيفها لفهم الحاضر و معرفة المستقبل لكن السيد أدلر يحرف القصد و يخرجه عن إطاره ليسخره لخدمة ركاب العدوان الساطع المسلط على العرب و على العراق و فلسطين. لخص التقرير أبرز ملامح العالم على أعتاب سنة 2020 كما يلي: أ- الملامح الثابتة 1- العولمة تصبح حقيقة ملموسة و مؤثرة على الحياة السياسية و الاقتصادية و الثقافية والاتصالية و لا رجوع عن مكاسبها، لكن العالم سيكون أقل تمحورا حول الغرب و قيمه ومصالحه. 2- يتعولم الاقتصاد العالمي بفضل اتساع مجالات التجارة الإقليمية و الدولية. 3- ستشمل التكنولوجيات المتقدمة كل المؤسسات و الشركات الكبرى و المتوسطة، وتتوارى تقريبا كل الوسائل التقليدية للاتصال مثل البريد و الهاتف الثابت و ستلعب الأقمار الصناعية دورا أكبر في انجاز أهداف العولمة. 4- صعود القارة الآسيوية إلى مرتبة الشريك الأول للولايات المتحدة قبل الاتحاد الأوروبي ذلك بفضل التحاق كل من الصين و الهند و قريبا اندونيسيا بالدول الصناعية الكبرى. 5- ستؤثر قلة الولادات على بلدان عريقة في الاتحاد الأوروبي و روسيا حيث تصاب شعوبها بالشيخوخة المبكرة و تفقد عناصر الحيوية و الشباب. 6- ستكون إلى عام 2020 مصادر الطاقة كافية و ملبية لحاجيات التنمية و الصناعات في العالم حتى في صورة اكتشاف طاقات بديلة و متجددة. 7- اتساع شبكات المنظمات غير الحكومية بشكل يضعها في مصاف اللاعبين الأساسيين في الحياة السياسية و الاقتصادية و الثقافية في كل أرجاء العالم. 8- سيكون الإسلام السياسي قوة فاعلة و يتنامى نفوذ الإسلاميين المعتدلين بعد حل أغلب الأزمات الدولية الراهنة. 9- تحصل دول أخرى على أسلحة الدمار الشامل لكن استعمالها سيكون أكثر صعوبة بالنظر إلى الضوابط و الالتزامات الدولية الجديدة. 10- سيمتد هلال من الأزمات العرقية و الدينية ليضم شعوبا من الشرق الأوسط و آسيا وإفريقيا و ربما اندلعت حروب إقليمية محدودة الانتشار بين مكونات عرقية و دينية في دول من هذه القارات. 11- احتمال أن تتورط دول عظمى في هذه الحروب يبقى احتمالا ضعيفا، و أقل منه احتمالا قيام حرب عالمية بالمعنى التقليدي للكلمة تاريخيا. 12- سوف ترقى المسائل المتعلقة بالبيئة و القيم الأخلاقية إلى مصاف الشؤون الخطيرة التي تقرر العلاقات الدولية مع تزايد الوعي بإنسانية الإنسان و حاجياته البيئية و الروحية. 13- ستحافظ الولاياتالمتحدةالأمريكية على تفوقها و ستظل هي القوة العظمى الأولى في العالم على الأصعدة العسكرية و الاقتصادية و الثقافية و التكنولوجية. ب- الملامح المشكوك فيها هذه الملامح الأساسية الثلاثة عشر للمستقبل حسب التقرير و لكن هناك ملامح ثلاثة عشر أخرى لما يسميه التقرير ملامح عدم الاستقرار أو النقاط التي يخيم عليها الشك أي في الواقع تلك التي لم يتفق بشأنها الخبراء الذين أعدوا التقرير، و هذه النقاط هي: 1- صحيح أن العولمة ستتسع و لكنها لن تحل معضلة الدول الأقل حظا من التنمية و سيبقى الظلم على مستوى العلاقات الدولية مصدر قلق و أزمات حادة إذا لم يقع تدارك الهوة السحيقة في التنمية بين الشعوب. 2- ستكون الهوة الاقتصادية بين الأمم سببا مباشرا في تصاعد الحركات الدينية و العرقية و تتأخر الديمقراطية عن مناطق كاملة من القارات الفقيرة أي آسيا و إفريقيا. 3- سينطلق سوء تفاهم بين مناهج الحكم بين التقليديين و الإصلاحيين في تحديد المرجعيات الفكرية للسلطة. 4- هل سيكون صعود الصين و الهند بلا منافسة مفتوحة بين هذين الدولتين أم سيحتد الجدل و التنافس بينهما في مجالات الطاقة و الزراعة و الصناعات التكنولوجية؟ 5- هل ستحل أوروبا مشاكلها الراهنة مع العمال المهاجرين المستقرين في الاتحاد الأوروبي و هل ستنجح القارة الأوروبية في الاندماج في دورة الاقتصاد العالمي مع مشاكلها القائمة بسبب العملة المشتركة اليورو؟ 6- إلى أي مدى سيتأثر سعر الطاقة و المواد الأولية بالمعضلات السياسية و العرقية للدول المنتجة للنفط و المعادن الثمينة و الضرورية للاقتصاد العالمي؟ 7- كيف سيتوصل المجتمع الدولي إلى إيجاد صيغ مقبولة و متفق عليها للملائمة بين دساتيرها و قيمها و بين المواثيق الأممية و الدولية فيما يسمى اليوم بالخصوصيات الثقافية و التاريخية للأمم؟ 8- هل سيحل العالم الإسلامي إشكالية تنامي ظاهرة الإسلام الجهادي؟ و مدى صمود استقرار بعض الدول المسلمة أمام المد الجهادي السياسي مع عدم حل الأزمات الإقليمية الراهنة و تحديدا في الشرق الأوسط؟ 9- هل ستتوصل بعض التنظيمات العنيفة و الإرهابية إلى امتلاك أسلحة الدمار الشامل البيولوجية و الكيماوية و النووية في ظل الفوضى الحالية في العلاقات بين الدول؟ 10- يتوقع سقوط بعض الأنظمة التي لم تدرك التفاعل مع التحولات الدولية و تطوير أساليب الحكم و التعامل مع المجتمعات المدنية. 11- ستتسبب المزاحمة حول امتلاك المواد الأولية و مصادر المياه الصالحة للشراب والري في أزمات إقليمية لن تتحول إلى صدام عالمي لكنها يمكن أن تصيب بالفوضى العلاقات الإقليمية، و قد لا تستطيع منظمة الأممالمتحدة إدارة هذه الأزمات. 12- ربما يسير العالم إلى تصادم بين الاكتشافات التكنولوجية و الطبية و بين النواميس الأخلاقية و الدينية و بخاصة في المجال الهندسي الوراثي و الإخصاب. 13- إمكانية تقدم كبير لبعض الدول في مجال التقنيات الالكترونية لتتفوق حتى على الولاياتالمتحدة، مما يعقد قطاع التعاون بين المجتمع الدولي و هذه القوى الصاعدة. خلاصة المفكر اليهودي ألكسندر أدلر: الصدام بين الغرب و الإسلام قدر العالم ! قرأنا أبرز الملامح التي يرسمها علماء مركزية المخابرات الأمريكية لعالم 2020 ، لكن كاتب مقدمة التقرير يتلاعب بالنتائج و يسخرها لخدمة إيديولوجيته الشخصية عوض خدمة الحقيقة. فهو يقسم اتجاهات الإنسانية في مطلع القرن الحادي و العشرين إلى مسارين أساسيين يطلق عليهما شعارين من عنده و هما : 1- مسار دافوس. 2- مسار الخلافة. و يقول الكاتب بأن مسار دافوس هو الذي اتفقت عليه الدول المشاركة باستمرار في قمة دافوس الاقتصادية التي تنتظم كل شتاء في جبال سويسرا وهو المسار الذي يكرس نهاية التاريخ باكتساح النموذج الغربي أو تحديدا الأمريكي للعالم بأسره، وهو المسار الذي ينعته الكاتب أيضا بالعولمة الأمريكية التي يقبل الجميع بتفوقها و يحتضنون قيمها السياسية و الثقافية دون عقد و القبول بها وصية على مصير البشرية. أما مسار الخلافة فهو المسار النقيض لمسار دافوس و الداعي إلى قيام الخلافة الإسلامية, وهنا بالفعل فان التقرير يقول في الصفحة 83 حرفيا ضمن توقعات عام 2020 بأن إمكانية قيام تنظيم سياسي عالمي خارج عن نطاق الدول القطرية مؤسس على حضارة الإسلام هي إمكانية لا بد أن نأخذها بعين الاعتبار و نقرأ لها ألف حساب. و هذا يعني بأن خبراء المركزية الأمريكية يتوقعون قيام خلافة إسلامية لكن بالمعنى الاقتصادي و الثقافي والأخلاقي الحديث كما خطط لها رجال من أمثال علي عزت بيغوفتش و نجم الدين أربكان والمفكرون المسلمون المعاصرون. الخطر يكمن في التحالف بين الخلافة و أمريكا اللاتينية المتمردة يستعرض ألكسندر أدلر التحولات العميقة التي تعيشها القارة الأمريكية الجنوبية منذ سنوات قليلة أي ما سميته أنا في مقال أخير بأن شي غيفارا يستلم السلطة في دول أمريكا اللاتينية. يقول الكاتب: ان أمريكا اللاتينية تنزلق نحو اليسار المعادي للولايات المتحدة بثبات منذ العام 2003، فالبرازيل أوصل للحكم الاشتراكي لولا، و الأرجنتين أوصل لسدة السلطة الزعيم البيروني الاشتراكي نستور كيرشنار و وصل الى الحكم في تشيلي ريكاردو لاغوس الاشتراكي المتشدد و في الأوراغواي نجح المناضل تاباري فاسكز، و تصاب البيرو والاكواتور بنفس أعراض الفينزويلي هوجو شافيز المعجب بالزعيم الكوبي و نفس التوجه نلاحظه في بوليفيا. المهم بأن قارة أمريكية متاخمة للولايات المتحدة أصبحت حمراء بفعل الانتخابات الحرة لا بفعل الثورات المرة! وهذا ما يقض مضاجع هذا الكاتب الذي يقول بأن الخطر القادم على مسار دافوس هو التلاحم بين أمريكا الجنوبية و الخلافة الإسلامية! الصور المقترحة: شي غيفارا خارطة امريكا الجنوبية زيارة الرئيس الصيني لواشنطن بعض زعماء امريكا اللاتينية المذكورين في المقال