صعد ملف "تشيّخ" المجتمع التونسي ليصبح أحد أبرز الملفات التي تؤرق الحكومة هناك فضلا عن منظمات المجتمع المدني. ولا يخلو شهر من دون أن تقام مؤتمرات وندوات واجتماعات وزارية للنظر في "التداعيات" التي تخلفها ظاهرة تزايد نسبة كبار السنّ بما سيصبح معه المجتمع التونسي في غضون عقد من الزمان "هرما." وحذّر منتدى السكان والصحة الإنجابية في دورته السادسة المنتظم ببادرة من الديوان الوطني التونسي للأسرة والعمران البشري من تداعيات خطيرة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي ناهيك عن الديمغرافي. ونقلت جريدة الصباح اليومية التونسية عن مدير مركز البحوث والدراسات في ميدان التغطية الاجتماعية محمد شعبان قوله إنّ نسبة السكان التونسيين الذين يتجاوزون ال 60 سنة بلغت 9 بالمائة سنة 2006 وستصبح 29 بالمائة سنة 2050 وأن نسبة الشيوخ الذين تزيد أعمارهم عن ثمانين سنة بلغت 10 بالمائة سنة 2006 وستصل إلى 70 بالمائة سنة 2050. ومما "فاقم" من الوضع أنّ تطوّر النظام الصحي في تونس ساهم في زيادة نسبة الأمل في الحياة بعد سن التقاعد إلى 17 سنة سنة 2005 وسيصل إلى 20 سنة سنة 2010. وتعدّ تونس الأولى عربيا في نسبة الأمل في الحياة بنحو 77 سنة منا يجعلها أيضا متقدمة على عدة دول أوروبية على هذا الصعيد. وأضاف شعبان أنّ الهرم السكاني التونسي سيتغير، حيث سيتراجع عدد الأطفال والشباب ليتطور في المقابل عدد المسنين. وانتهجت تونس منذ استقلالها عام 1956 سياسة سكانية تشجّع على "الإنجاب الرشيد" بحيث بات معدل عدد أفراد العائلة الواحدة لا يتجاوز في الأغلب خمسة أشخاص. وأدى ذلك إلى تدن كبير في نسبة النمو الديمغرافي بحيث تشير دراسات إلى أنّ عدد سكان تونس لن يتجاوز بحلول 2030 عدد سكان لبنان مثلا. وبالنظر لتطور نظام التقاعد والتغطية الاجتماعية في تونس فإنّ تبعية المسنين للفئة النشيطة بين 15 و59 سنة تساوي 14 فاصل 5 سنة 2005، على أنها ستبلغ 32 بالمائة سنة 2035 و46 بالمائة سنة 2055 وستصل إلى 68 بالمائة سنة 2085، وفقا لدراسات رسمية. كما ينتظر أن يتطور عدد المسنين من 348 ألف و228 سنة 2005 ليبلغ أكثر من 406 آلاف سنة 2010 وما يزيد عن 663 ألف سنة 2020 وعن مليون و140 ألف سنة 2030. ونتيجة لذلك، ستتطور النفقات الصحية والطلبات على العلاج نظرا لتحسن أمل الحياة وتحسن مستوى العيش وتشيخ المجتمع وسيتضاعف عدد السكان الذين تفوق أعمارهم الستين ثلاث مرات بين 2004 و2034 وسيتطور من 943 ألف إلى مليونين و519 ألف وسيتطور عدد المتقاعدين المضمونين اجتماعيا خلال نفس الفترة من 327 ألف و700 إلى مليون و402 ألف، وهو ما يمثل تحديا صعبا أمام الحكومة التونسية التي بدأت منذ الآن في التفكير في حلول لمواجهة "ضغوطات مالية متنامية على أنظمة الضمان الاجتماعي وخاصة أنظمة التقاعد." ومن جهتها، قالت الباحثة في المدرسة العليا للتجارة بمنوبة شروق حوسي أن نتائج التغيرات الديمغرافية تتمثل في تراجع عدد المواليد الجدد وفي تراجع عدد الشبان، وفي المقابل في ارتفاع عدد المسنين ونسبة الوفيات لدى هذه الفئة حيث ستبرز إشكاليات رعاية المسنين نظرا لتراجع عدد مواليد الأسرة الواحدة. وحذرت أنه في المستقبل ستظهر مشكلة من سيمول جرايات المتقاعدين "إذ نجد حاليا 4 عمال يمولون جراية متقاعد واحد وفي المستقبل ستنعكس الآية وهو ما يفسر أن الصعوبات ستكون كبيرة في المستقبل."