قال السيد حبيب فوراتي الخبير الاحصائي والديمغرافي ورئيس دائرة الاحصائيات الديمغرافية والاجتماعية بالمعهد الوطني للاحصاء انه لا يصحّ التخوّف من ظاهرة تشيّخ السكان في تونس في الوقت الراهن وفي العشرية المقبلة ولكنه شدد في المقابل على ضرورة الاستعداد من الآن لمواجهة هذه الظاهرة التي ستطرح على المجتمع التونسي بجدية بعد نحو 25 سنة من الآن. والى ذلك الوقت فإن ظاهرة التشيخ في تونس سوف لن تطرح بالثقل التي تطرح به الان في مجتمعات اخرى مثل المجتمعات الاوروبية التي يفوق فيها عدد المسنين اعداد بقية السكان من الشرائح الاخرى. وأوضح السيد الفوراتي «للشروق» على هامش منتدى السكان والصحة الانجابية الذي نظمه الديوان الوطني للاسرة والعمران البشري مساء امس الاول بمقرّه حول موضوع التشيخ السكاني في تونس: التوجهات والرهانات والاستراتيجيات أن فئة المسنين التي يصعب تعريفها وتحديدها بصفة دققة تضم من المنظار الاحصائي السكان من الشريحة العمرية 60 عاما فما فوق وأن هذه الشريحة تعد حاليا في تونس وحسب نتائج التعداد العام للسكان والسكنى الاخير لسنة 2004. 926 الف ساكن يمثلون 9.3 من المجموع العام للسكان. وأضاف ان ما لوحظ من خلال نتائج التعدادات السكانية الفارطة أن هذه النسبة في تزايد منذ اواسط الستينات حيث كانت لا تتجاوز نسبة 5.5 من المجموع العام للسكان خلال سنة 1966. عاملان وعن عوامل هذا التطوّر في عدد الشيوخ واتجاه هيكلة المجتمع التونسي بصفة تدريجية نحو التشيخ افاد الخبير الديمغرافي أن هناك عاملين أساسيين يتمثل الاول في انخفاض المؤشر الاجمالي للخصوبة لدى النساء والذي بلغ سنة 2000 نقطتين (2) فقط مما يعني أن المرأة التونسية لا تُنجب الا طفلين فحسب طيلة حياتها الانجابية في حين كان هذا المعدّل في حدود 7 أطفال لكل امرأة ولودة سنة 1966. وقد افضى هذا الانخفاض في مؤشر الخصوبة الى تراجع نسبة الاطفال من الفئة العمرية 0 4 سنوات وكذلك من الفئة العمرية 5 14 سنة. ومن الطبيعي جدا أن يؤدي هذا الوضع الى ازدياد نسبة السكان من الفئة العمرية 60 سنة فما فوق اي نسبة الشيوخ. أما العامل الثاني الذي يدفع المجتمع التونسي فهو التشيّخ التدريجي فيتمثل حسب السيد الفوراتي في تحسن الظروف الاقتصادية والصحية للسكان ما أدّى الى ارتفاع مؤهل الحياة عند الولادة اذ اصبح التونسي يعيش مدّة اطول ارتفعت من 51 سنة في المعدل سنة 1966 الى 73 سنة عام 2000. وتجرى حاليا بالمعهد الوطني للاحصاء عملية احتساب معدّل مؤمّل الحياة الحالي على ضوء نتائج التعداد السكني الاخير. ازدياد تدريجي وتوقّع السيد حبيب فوراتي في السياق نفسه ان يتواصل الازدياد التدريجي في نسبة المسنين التونسيين إلا أن ذلك سيكون بنسق بطيء اذ يُرتقب ان لا تتجاوز نسبة هؤلاء 9.6 من مجموع السكان في افق 2009. وهو ما ينفي اي تخوّف على المجتمع التونسي من انتشار ظاهرة التشيّخ في الوقت الراهن وطيلة العشرية المقبلة. ومع ذلك يبدو من المهم جدا حسب محدثنا الانتباه من الآن والاستعداد للتحوّلات الديمغرافية التي سيشهدها المجتمع التونسي على اعتبار أن نسبة المسنين ستبلغ 17 من مجموع السكان في افق سنة 2029 اي بعد ربع قرن تقريبا من الآن. انعكاسات وبخصوص انعكاسات هذه التحولات المرتقبة قال خبير معهد الاحصاء ان تنامي عدد المسنين والسكان من الشريحة العمرية 60 سنة فأكثر سيحمل معه اعباء اضافية وضغطا على المؤسسات الصحية وعلى الصناديق الاجتماعية اذ المعروف عن هذه الشريحة انها اكثر عرضة للامراض وانها تحتاج لرعاية صحية ونفسية واجتماعية خاصة فضلا عن تلقيها لجرايات التقاعد من الصنادق الاجتماعية. وأشار الى أن التحوير الوزاري الاخير والهيكلة الجديدة لوزارة شؤون المرأة والاسرة والطفولة والمسنين تدل على وجود الارادة السياسية الحقيقية للاحاطة والعناية بالمسنين من جهة والاستعداد لما هو آت من جهة أخرى. ويبدو من المهم ايضا الاستعداد لمواجهة الوجه الاخر من التحولات الديمغرافية المقبلة والمتمثل في تراجع عدد الاطفال وما يقتضيه ذلك من اعادة النظر في حجم التمويلات وهيكلة المنشآت والخدمات الموجهة لهذه الشريحة من السكان.