لعل الناس في مصر وخارجها يعلمون الكثير عن "آراء" نوال السعداوي وذلك لكثرة "مشاغباتها" وحرفيتها العالية في جذب انتباه الإعلام في الداخل والخارج، ولكن ربما لا يعرف الرأي العام شيئا عن هويدا طه، التي كانت "نجمة" حاضرة لعدة أسابيع على بعض وسائل الإعلام الخاصة في المحروسة. هويدا صنع منها البعض"بطلة" لأنها ضبطت وهي تحمل "ِشرائط " عن وقائع تعذيب "مفبركة" داخل مقار الشرطة في مصر. وجرى تقديمها وكأنها كانت تعمل عملا "سريا" بطوليا من وراء ظهر الدولة وأجهزتها الأمنية، رغم أن محررة الجزيرة، اعترفت ببراءة شديدة سواء أمام جهات التحقيق أو في الصحف بأنها قدمت نفسها لأجهزة الأمن وتعاونت معهم بدون أن يطلبوا منها ذلك وأطلعتهم على كل التفاصيل بما فيها ما هتك ستر "مصادرها" غير واعية للحد الفاصل بين "تسليك" الموافقات الأمنية وعمل"مخبر" أو "مرشد" صغير وساذج! فأية بطولة في ذلك ؟! مصر ليست بحاجة إلى فبركة شرائط ، حتى نثبت للعالم أن فيها انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان، فالصحف المصرية لا يمر يوم واحد إلا وتقدم أكثر من ضحية من ضحايا التعذيب على الرأي العام، مدعومة بالصور الحقيقية والمستندات الموثقة, فضلا عن النشاط الكبير وغير المسبوق الذي تقدمه المدونات في هذا الإطارمن كليبات تعذيب متعددة. الفرق هنا بين ما عملته هويدا طه وبين ما يفعله الكتاب والصحفيون المصريون، هو أن الأولى وبحكم تعاقدها مع الجزيرة أعدت برنامجا لصالح قناة فضائية عربية "مدفوع الأجر" يعني قبضت ثمنه قبل أن تسلمه للجهة الممولة، وكما يقول العرب " النائحة الثكلى ليست كالنائحة المُستأجرة"! صحيح أن موقف هويدا موقف "ملتبس" تختلط فيه "الحرية".. حريتها هي كمواطنة مصرية مع ممارسة حرية "الممول" بالوكالة، إلا أن هذا "الالتباس" لا يمنع الحق في أن يدافع عنها من يعتقدون بأنها تعرضت لتعسف السلطات ضدها أنا سأكون منهم حال اعتقدت ذلك ولكن المشكلة "المخجلة" حقا، أنه في الوقت الذي أفردت فيه صحف مصرية مستقلة صفحتين كاملتين لمحررة الجزيرة في أن تروي مغامرتها "البوليسية" باعتبارها "ضحية رأي " أو ضمير، يصمت الجميع صمت القبور، ازاء إحالة زميل لهم عضو بالجمعية العمومية لنقابة الصحفيين هو الزميل أحمد عز الدين إلى القضاء العسكري، بعد أن برأته محكمة الجنايات وعشرات غيره من المدنيين وأمرت بإخلاء سبيله فورا! أحمد عز الدين.. صحفي لم يحمل سلاحا ضد الدولة ولم يفبرك شرائط ل"بنات الليل" أو شرائط تعذيب "مفبركة" ومسيئة بحسب التوصيف الأمني لصالح قناة فضائية أجنبية.. وإنما "صحفي" لا يملك غير قلمه.. ومع ذلك نسيه زملاؤه.. بما فيهم نقيب الصحفيين ومجلس النقابة، ومنظمات حقوق الإنسان، والصحف التي أقامت الأفراح والليالي الملاح لموظفة الجزيرة، رغم أن الأخيرة تركوها لتخرج معززة مكرمة لترفل في نعيم عاصمة الخليج المخملية، فيما انتزع عز الدين من بين أولاده وزوجته فجرا ليساق إلى المحكمة العسكرية تمهيدا لتغييبه سنوات خلف القضبان! لقد اختلت كل الموازين ليس فقط في مصر ولكن في العالم كله، وبدا الجميع بما فيهم دعاة الدفاع عن حقوق الإنسان، يكيلون بعشرات المكاييل،يدافعون عمن يروق لهم فكريا وأيديولوجيا، ويشاركون الطغاة في ذبح "المخالفين" الأبرياء ويتصرفون وكأنهم لا يرونهم أصلا!. في مصر آلاف من النساء زوجات وأمهات عشرات الألاف من المعتقلين في سجون النظام بلا جريمة أو إدانة وحصلوا على عشرات الأحكام القضائية بالإفراج عنهم، دُمرت حياتهن ومستقبل أولادهن، حتى أني سمعت من الصديق منتصر الزيات أن أجهزة الأمن تهدد كل من يفكر في أن "يتصدق " عليهن بربع كيلو فول أو أرز أو عدس..ولا يجدن من النخبة التي تتجمل بالدفاع عن حقوق الإنسان من يسأل عنهن مجرد سؤال، لأنهن لسن مثل "هويدا طه" ابنة الجزيرة تلك القناة الجبارة التي تستطيع أن تجعل من المثقفين "الفسيخ" في مصر "شربات"!