اشترطت أحزاب المعارضة التونسية لفتح حوار مع السلطة أن تسن الأخيرة قانون "العفو التشريعي العام، وإطلاق سراح السجناء السياسيّين". وانتقدت منع الشخصيات الحزبية الوطنية من ممارسة حقّها في النشاط السياسي السلمي. أُسَر بعض السجناء السياسيين وجهت بدورها رسائل لمنظمات حقوقية دولية تطالب فيها بالتدخل للإفراج عن ذويهم الذين يعانون أوضاع غير إنسانية، خاصة مئات المعتقلين مؤخرا بتهمة الانتماء للتيار "السلفي الجهادي". وجاءت مطالب المعارضة ضمن فعاليات الدورة السنوية السادسة لليوم الدولي لمساندة السجناء السياسيين الذي عُقد مؤخراً تحت شعار "من أجل إطلاق سراح السجناء السياسيين، وسنّ قانون العفو التشريعي العام لصالح ضحايا القمع في تونس". وتشرف على هذه التظاهرة تنسيقية الجمعيات التونسية والمغاربية والعربية في باريس بالتعاون مع بعض الأحزاب والجمعيات الحقوقية بتونس وبمساندة المنظمات الحقوقية الدولية . وفي حديثه عن منع الشخصيات الحزبية من ممارسة النشاط السياسي، قال مصطفى بن جعفر الأمين العام لحزب "التكتل من أجل العمل والحريات" المعارض: "هذا المنع يمسّ حرية الاجتماع التي كفلها الدستور، والأصل في وجود الأحزاب هو المشاركة في حل مشاكل الناس والاستماع إليهم". واعتبر أن "أكبر المشاكل الآن هي معضلة السجناء السياسيين". وأكد بن جعفر في تصريحات صحفية على ضرورة إيجاد حل عاجل لقضية السجناء الذين يعانون ظروفًا قاسية جدا، كما تعاني عائلاتهم أيضا، واعتبر أن "تنفيذ بعض الشباب لعمليات تخريبية ليس سوى نتيجة لتعنت جهاز الحكم في بلادنا وانغلاقه". ونبه إلى أن الاشتباكات المسلحة مع قوات الأمن التي شهدتها البلاد نهاية عام 2006 وبداية الشهر الجاري، واتهم فيها مجموعة تابعة لتيار "السلفية الجهادية" بأنها: "ليست سوى بدايات لما هو أسوأ ما لم يسارع من بيدهم مسئولية إدارة شئون البلاد إلى إصلاح الأوضاع". وكانت قوات الأمن قد منعت يوم 23-2-2007 نشطاء سياسيين وقيادات الأحزاب والمنظمات من الوصول إلى مقرّ الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض بالعاصمة التونسية، حيث عقدت ندوة وطنية للمطالبة بسن قانون "العفو التشريعي العام وإطلاق سراح السجناء السياسيّين"، ومن الممنوعين علي العريّض، الناطق الرسمي السابق باسم حركة "النهضة"، ولطفي حجّي، رئيس نقابة الصحفيين التونسيين، وغيرهم . منع التجمعات التي تناقش هموم البلد، وأبرزها قضية السجناء السياسيين، اعتبره منجي اللوز الأمين العام المساعد للحزب الديمقراطي التقدمي، المكلف بالعلاقات الوطنية، إنه يتنافى مع الحديث الرسمي الدائر حول أهمية الحوار بين السلطة والمعارضة . وشدّد اللوز على أنه بدون البحث في سبل حل قضية سجناء الرأي والسجناء السياسيين: "فلن يكون هناك انفتاح سياسي حقيقي، ولن يكون هناك حوار بين السلطة والمعارضة". ودأبت وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية مؤخراً على الدعوة لحوار بين السلطة والمعارضة، معتمدة في ذلك على ما قالت إنه مؤشرات على جدية السلطة في السير نحو هذا الاتجاه، ومنها السماح بعرض مسرحية تنتقد النظام، واستشارة وزير التربية والتكوين المهني لحزبيين معارضين في بعض سياسات الوزارة. "موت بطيء" وتتصاعد في تونس المطالبات بإنهاء معاناة السجناء السياسيين، خاصة أن عددا منهم فارق الحياة في السجون في ظروف وصفتها الجمعية الدولية لمساندة السجناء السياسيين بأنها "موت بطيء". وعرضت الجمعية خلال ندوة أواخر الأسبوع الماضي صورا ل 42 من أبناء حركة "النهضة" المحظورة ماتوا بالسجون أو خلال مرحلة اعتقالهم أو بعد خروجهم من السجن متأثرين بظروف صحية سيئة، ومن بينهم سحنون الجوهري، وفيصل بركات، ونجاة الماجري . الحملة الداعية إلى إنهاء معاناة السجناء السياسيين، خاصة التابعين ل"النهضة"، شاركت فيها صحف وإعلاميون مقربون من الأجهزة الرسمية. "برهان بسييس" الصحفي بجريدة الصباح اليومية، المعروف بدفاعه عن توجهات وخيارات النظام، طالب مؤخرا بإطلاق سراح رمزين كبيرين للحركة الإسلامية في الثمانينيات على الساحة الطلابية، وهما عبد الكريم الهاروني، والعجمي الوريمي، المسجونان منذ ما يزيد عن 15 سنة قضيا معظمها بالحبس الانفرادي. صيحة فزع عائلات السجناء السياسيين شاركت بقوة في الحملات المطالبة بالإفراج عنهم، فقد أطلقت نعيمة (51 عاما)، والدة السجين أيمن الدريدي، صيحة فزع على حياة ابنها قائلة: "وضعه لم يعد يحتمل البقاء في السجن بسبب سوء المعاملة المتواصلة التي يتعرض لها منذ أن أبلغ عن عملية تدنيس المصحف الشريف". وكانت الجمعية الدولية لمساندة السجناء التونسيين قد كشفت مؤخرًا عن قيام مسئول في سجن "مرناق" (جنوب) بإلقاء نسخة من المصحف في المرحاض لاستفزاز سجين ينتمي للتيار الإسلامي. وعن أشكال التعذيب بحق نجلها قالت نعيمة ل"إسلام أون لاين.نت": "أيمن يتعرض للإهانة والدوس على أصابع يديه، وضربه على ظهره من قبل مجموعة من مساجين الحق العام، وذلك خلال أدائه للصلوات". واعتبرت أنه: "إذا لم يكن هناك أمر لهؤلاء السجناء بالتعدّي على ولدي، فإن هناك على الأقل غضّ طرف عما يُفعل في حقه". ووجهت الأم مجموعة رسائل إلى المنظمات الحقوقية تعرب فيها عن مخاوفها على حياة نجلها. وأعربت منظمات حقوقية وطنية وإقليمية ودولية عن قلقها بشأن الأوضاع الصحية لما يقرب من 100 سجين من مساجين "النهضة" منذ ما يزيد عن 15 سنة، بجانب قرابة ألف معتقل جدد في قضايا باتت تعرف بالتيار السلفي، وهو رقم مرشح للزيادة في ضوء الاعتقالات المتواصلة في صفوف أبناء هذا التيار.