ملاحظة التحليل يمثل مشروع قصة اذاعية قدمت في اطار مقترح لبرنامج اذاعي قد يرى النور قريبا اذا ماتم تذليل بعض الصعوبات التقنية . حدث مأساة ضربت فاجعته ليلة البارحة أهالي مدينة صفاقسالتونسية وكل ماجاورها من مدن الجنوب والوسط التونسي ,حيث شد شبابها وشاباتها الرحال لمسرح الهواء الطلق بعاصمة الجنوب قصد متابعة اخر صرعات الاثارة والالهاب الغرائزي تحت مظلة السباق الفني بين مجموعات من الشباب العربي الموعود بالشهرة والتألق والنجومية !
لم يكن الحدث هذه المرة وليد مجموعات ارهابية ومسلحة تصنع الموت في بعض ربوع عواصم أو مدن أمصار المغرب العربي , بل ان صناعه هذه المرة ,كانوا من الذين يقدمون أنفسهم للعالم نموذجا متقدما وراقيا في الحداثوية ...نعم كان صناعه هذه المرة من السياسيين الذين استجاروا بالنار من الرمضاء ,حين فتحوا أعين الشباب ووسائل الاعلام وغرائز المراهقين والمراهقات على أنماط من الثقافة المتهافتة على عرض المفاتن والأجساد الطرية وأشكال من الالتحام الجسدي الركحي الفاضح الذي لا يفرق بين متطلبات الخصوصية ومجريات العرض الفني في منطقة عربية واسلامية . أراد منظمو هذه العروض وفي غير براءة وفي أكثر من بلد عربي واسلامي خلط الحابل بالنابل ,وتمرير رسائل أقرب ماتكون الى الاباحية منها الى الرسائل الفنية والتثقيفية , ولذلك فقد شهد الكثيرون من المشاركين في هذه التظاهرات وخاصة من الفتيات الموهوبات منهن بأن المطلوب منهن كان أكثر من الغناء والتمثيل والرقص ,اذ دعي الكثير منهن الى المشاركة في حفلات جنسية مغلقة على ذمة بعض الشخصيات البارزة وأصحاب المال والأعمال في مقابل وعد بصناعة النجومية والاغداق المادي غير المحدود ... الامتناع عن المشاركة في مثل هذه الاغراءات يكلف أصحابها بحسب شهادة مشاركة تونسية سابقة امتنعت عن الدخول تحت سقف هتك الأعراض بالاقصاء من المسابقة أو شكل من أشكال اسدال الستار على موضوع النجومية ...! صانعو السياسة الثقافية والاعلامية عندنا في تونس ,أدخلوا مسابقات ستار أكاديمي ودون الاعلان عن ذلك طبعا ضمن خطة مدروسة لمقاومة العودة الى التمسك بالقيم الاسلامية السمحاء,وضمن رؤية كيدية مازالت تستلهم خطة مشؤومة حملت تسمية تجفيف ينابيع التدين ... نتفق بلا شك جميعا على نبذ قيم الانغلاق والتطرف والارهاب وتصفية الخلافات الفكرية والسياسية بمناهج عنفية مدمرة ,ولذلك نشاطر الرأي قلق الكثير من الحكومات العربية من تفشي ظواهر التفجير والقتل والتخريب والانتحار باسم الاسلام , غير أننا نقول لبعض الأنظمة السياسية المغالية في التخويف والترهيب من الانتشار الهادئ والمعتدل والحداثي للاسلام ,بأن نهجها الفكري والثقافي والسياسي والاعلامي لايقل خطورة عن بعض الجماعات التي تصنع العنف والموت الجماعي في عواصمالجزائر والدار البيضاء وبغداد وحواضر أخرى عربية واسلامية ... لقد صنعت بعض الأجنحة الراديكالية في صناعة القرار التونسي ظواهر التنطع الديني والسياسي حين أغلقت أبواب الحياة السياسية الطبيعية ومن ثمة كانت سببا مباشرا في افراز مجموعات تعلن ولاءها لأفكار عنيفة ودخيلة على المنطقة ,مستلهمة في ذلك الحدث السياسي من عواصم عربية واسلامية تعيش ظروفا احتلالية وانتقالية . خطر مجموعات الارهاب الأعمى لايقل عن خطر الهاب مشاعر الشباب في مسارح هوائية مفتوحة وبطرق استعراضية تكشف الخصوصية الانسانية بطرق فضائحية وتفجيرية للمكبوت الغرائزي في منطقتنا العربية ,ومن ثمة فان النفخ الاعلاني والاعلامي في مواعيد وأماكن تنظيم حفلات ستار أكاديمي وبطريقة شحنية للغرائز الجنسية وبشكل رسمي على فضائية تونس 7 وغيرها من الفضائيات الموصوفة بالخاصة تونسيا من شأنه أن يصنع الموت الثقافي والتهافت الفني بل الموت الحقيقية كما حصل في مدينة صفاقسالتونسية ... عشرات من القتلى والجرحى نتيجة التدافع ليلة البارحة على أطراف مسرح سيدي منصور للهواء الطلق ,حين تدافع الاف الحاضرين على الحواجز الأمامية من أجل رؤية "الأنبياء" الجدد الذين نفخ في صورتهم الفنية اعلام أعرابي مفلس لم يقدم للجمهور والرأي العام الا نموذجا لتدمير الثقافة والفكر والفن الراقي ... انها جريمة بكل المقاييس في حق فلذات أكبادنا وشبابنا اليافع الذي لم نقدم له اعلاما حرا وديمقراطيا وتثقيفيا رفيعا ,بل قدمنا له نماذج اعلامية هابطة وساقطة تتنافس على عرض عورات الناس وحرمات المواطنين والمواطنات ,الى الدرجة التي أصبح فيها عرض مارسال خليفة أو الشيخ امام أو فيروز أو ماجدة الرومي أو ميس شلش أو سامي يوسف ...أو الروائع الوطنية لكبار الفنانين أو قصائد نزار القباني أو مظفر النواب أو أحمد مطر ...أو نماذج راقية من الفن العربي الأصيل ظاهرة شاذة في اعلامنا العربي تستحق على أقل تقدير اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة أو حربا جديدة في لبنان حتى ترى طريقها على الشاشة ...! مقطع فاصل لأغنية ملتزمة للشيخ امام ينعي فيها الواقع العربي المتخلف ,وأقترح في هذا الاطار أغنية سايس حصانك التي تغنت بها فرقة حبايبنا في احدى مهرجانات تونس الطلابية : اضغط قصد الاستماع ان وفاة هؤلاء الشبان اليافعين ومصرعهم تحت أقدام حلبة مسرح ستار أكاديمي مع جرح العشرات من المراهقين والمراهقات ليدعونا جميعا الى اعادة النظر في أدائنا الثقافي والاعلامي والسياسي تونسيا وعربيا ,من أجل أن تكون مسألة التصدي للارهاب والتطرف عملية ناجعة تنشر الاعتدال والتماسك الفكري والثقافي وتفسح المجال أمام الرقي الاعلامي والسياسي بدل الاستعاضة عن موت الارهاب الديني بموت التهافت الجسدي والثقافي والاعلامي ... يتم انهاء البرنامج بأغنية ثانية ملتزمة لفرقة أولاد حبايبنا وهي تنشد من جديد للشيخ امام أغنية البحر بيضحك ليه :
اضغط للاستماع حرر بتاريخ 1 ماي 2007- س 15+15 دق بتوقيت وسط أوربا . باحث في قضايا السياسة والاعلام/ رئيس تحرير صحيفة الوسط التونسية. [email protected]