بسم الله الرّحمن الرّحيم والصّلاة و السّلام على النّبيّ الصّادق الأمين السّجن المدني بصفاقص في 12 ربيع الأوّل 1424 -14 ماي 2003 أبي الحبيب، أمّي الحبيبة اخوتي الأعزّاء، أهلي الكرام السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته، كلّ عام و أنتم و المسلمون بخير في نهضة مستمرّة لاصلاح حالنا مع الله و رسوله و كتابه و فيما بيننا و مع الآخرين فنعود خير أمّة أخرجت للنّاس قال الله تعالى:" الّذين يتّبعون الرّسول النّبيّ الأمّيّ الّذي يجدونه مكتوبا عندهم في التّورات و الانجيل يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر و يحلّ لهم الطّيّبات و يحرّم عليهم الخبائث و يضع عنهم اصرهم و الأغلال الّتي كانت عليهم.فالّذين آمنوا به و عزّروه و نصروه و اتّبعوا النّور الّذي أنزل معه أولئك هم المفلحون". صدق الله العظيم قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم و هو الصّادق الأمين:"بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق". تهانيّ و تخيّاتي و دعواتي لكم يا أعزّ النّاس في ذكرى مولد أعظم النّاس و أحبّهم الينا، مثلنا الأعلى: رسول الاسلام المبعوث رحمة للعالمين: محمّد بن عبد الله حفيد ابراهيم، عليه و على جميع الأنبياء و المرسلين أقضل الصّلاة و أزكى التّسليم. اقتضت حكمة الله أن يكون مولده الشّريف "عام الفيل"، عام قال جدّه عبد المطّلب:" للبيت ربّ يحميه" وقد عجز قومه على ردّ العدوان على مكّة عاصمة العرب لهدم الكعبة و فرض دين آخر عليهم بقوّة السّلاح، فحمى الله البيت الحرام أؤّلا بردّ المعتدين بجند من جنده فجعل كيدهم في تضليل و جعلهم كعصف مأكول ثمّ حماه ثانيا بمولد محمّد و ميلاد دين جديد أنقذ العرب من الجاهليّة و حرّر مكّة من الطّغيان و طهّر الكعبة من الأصنام و بشّر الانسانيّة برسالة الاسلام لتهتدي بنور القرآن في كلّ زمان و مكان.فأكرمنا الله بدين هو خير ما في الأديان، حرّر العقول و دخل القلوب و فتح الأوطان بالحكمة و الموعظة الحسنة و العمل الصّالح و مقاومة الظّلم و ردّ العدوان. كما اقتضت حكمة الله أن يكون يوم وفاته عليه الصّلاة و السّلام نفس يوم مولده في الثّاني عشر من ربيع الأوّل و قد ترك لنا كتاب الله و سنّة رسوله و أمّة تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر و تومن بالله و دولة تقوم على الشّورى و العدل و كرامة الانسان تلتزم شرع الله و لا تكره المخالفين للاسلام. فلا غرابة أن لا تعرف البشريّة في تاريخها دعوة أو دينا انتشر بسرخة انتشار الاسلام في مشارق الأرض و مغاربها رغم تواضع الوسائل و الامكانيّات. فقام نظام عالميّ جديد تأسّس بنيانه على دعوة القرآن الكريم في قوله تعالى:"يا أيّها النّاس انّا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا انّ أكرمكم عند الله أتقاكم انّ الله عليم خبير". فلا تمييز بين الرّجل و المرأة و لا عنصريّة بين القبائل و لا عدوان بين الشّعوب و انّما تعارف و تنافس في الخير و تعاون على البرّ و التّقوى لا تعاون على الاثم و العدوان. كما اقتضت حكمة الله أيضا أن يكون يوم هجرته نفس يوم مولده و يوم موته عليه الصّلاة و السّلام، ولأنّ أصحابه رضوان الله عليهم تربّوا في مدرسة النّبوّة و تخرّجوا مستنيرين بهدى القرآن و رغم حبّهم الصّادق و الكبير لشخصه الكريم فانّهم لم يؤرّخوا بمولده أو وفاته بل بهجرته لأنّ المولد و الوفاة يتعلّقان بمحمّد الانسان و يشترك فيهما مع كلّ البشر أمّا يوم الهجرة فيرمز الى محمّد الرّسول و هو يؤسّس أمّة الاسلام بنواتها الأولى: المهاجرون و الأنصار ، و دولة الاسلام بدستورها الأوّل: الوثيقة الّتي حدّدت الحقوق و الواجبات بين سكّان يثرب من المسلمين و غيرهم بما في ذلك أهل الكتاب و أساسا اليهود، و حضارة الاسلام و عاصمتها الأولى: المدينة و هكذا فلئن مات محمّد الانسان فانّ محمّدا الرّسول لم و لن يموت الى يوم الدّين. فجازى الله عنّا محمّدا البشر الرّسول كلّ خير فقد بلّغ الرّسالة و أدّى الأمانة و جاهد في الله حقّ جهاده. ألم يحاول قومه اغراءه بالملك و المال تارة فكان ردّه حاسما و مدوّيا:"و الله يا عمّي لو وضعوا الشّمس في يميني و القمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتّى يظهره الله أو أهلك دونه"، و تارة أخرى بالتّآمر عليه لسجنه أو قتله أو نفيه فكان ردّه واثقا و متحدّيا و هو في الغار يقول لصاحبه:"لا تحزن انّ الله معنا" صلّى الله عليه و سلّم. و يوم رجع الى قومه فاتحا مكّة كان ردّه ساميا و متسامحا:"اذهبوا فأنتم الطّلقاء". و اليوم و أنا أحتفل معكم بالمولد النّبويّ الشّريف و لكن من غرفتي في السّجن و أحتفل مع المسلمين و هم مستضعفون في الأرض و قد أرهقهم الاحتلال و العدوان و الاستبداد و النّفاق و الخلاف و الفقر، فانّي بقدر ما أتألّم لما آلت اليه الأوضاع في بلاد المسلمين-بما كسبت أيديهم-فكثر الطّامعون في أرضهم و ثرواتهم و المتحدّون لمقدّساتهم الى حدّ تجرّء بعض الأصوات من المتحاملين على شتم نبيّنا محمّد صلّى الله عليه و سلّم و نعته بالارهاب"كبرت كلمة تخرج من أفواههم ان يقولون الا كذبا". يحصل هذا خاصّة في أمريكا الّتي تنصّب نفسها لما تسمّيه:"قيادة العالم الحرّ"، و على أيدي مسيحيّين متحالفين مع اليهود الصّهاينة، فهؤلاء وأمثالهم ان لم يقتنعوا بالاسلام فهذا شأنهم ف "لا اكراه في الدّين" أمّا أن يسبّوا الاسلام و الرّسول عليه الصّلاة و السّلام فهذا ليس من حقّهم و لا علاقة له بحرّيّة المعتقد و حرّيّة التّعبير لأنّ الاختلاف و لو في الدّين يقتضي الاحترام للمخالف كما علّمنا نبيّنا محمّد في معاملة أهل الكتاب بالاحترام و العدل و الاحسان بما يضمن حقوقهم في دينهم و أنفسهم و أموالهم، فقال و هو يضع دستور الدّولة الاسلاميّة في المدينة بعد الهجرة:" لهم ما لنا و عليهم ما علينا". فأين ردّ المسلمين علماء و أحزابا ومنظّمات و جماهيرا دفاعا عن نبيّهم و عن دينهم الّذي أخرجهم من الظّلمات الى النّؤر؟ أم سنقول كما قال عبد المطّلب من قبل:للدّين ربّ يحميه" ؟ ا و الحال أنّ الله قال لنبيّه:"وان يريدوا أن يخدعوك فانّ حسبك الله هو الّذي أيّدك بنصره و بالمؤمنين". جعلنا الله من المؤمنين الّذين نذروا حياتهم للدّفاع عن الانسان و الوطن و الدّين و تجديد الاسلام و نهضة المسلمين لما فيه خير العالمين. بقدر ماأتألّم فانّي مستبشر بوجود مقاومة شاملة على مستوى العقول و الأخلاق و القوانين و المصالح و الميدان في بلاد العرب و المسلمين و تقدّم للاسلام في كلّ البلاد و لو كره المجرمون،فبارك الله في المقاومات و المقاومين حتّى النّصر المبين. و السّلام كريم المصدر :