بمناسبة ذكرى النكبة 58 لفلسطين نزل الأستاذ عبد الباري عطوان رئيس تحرير جريدة «القدس العربي» ضيفا مبجلا على الاتحاد الجهوي للشغل بالقيران في حوار مع النقابيين في الجهة حول «الاصلاح والديمقراطية في الوطن العربي فلسطين والعراق أنموذجا» وقد كان ل «الشروق» حوار مطول مع ضيف القيروان حول عديد القضايا العربية والدولية: * مرحبا بك في القيروان؟ شكرا لكم جميعا على حفاوة الاستقبال التي حصّيتموني بها.. وفي الحقيقة أنا أحب القيروان كثيرا هذه المدينة التي أقيمت في شمال افريقيا وتعكس نظرية جميلة وهي بعيدة عن البحر.. لأن العرب يحبون الصحراء ويخافون البحر.. القيروان بنيت في الصحراء عن طريق عقبة ابن نافع الذي استطاع أن يدخل بالاسلام إلى هذه المنطقة.. أنا أشعر بحنين إلى القيروان بسبب هذه الخلفية التاريخية.. شعبها أصيل وبه وطنية راقية فأسروني بمحبتهم ووطنيتهم. * بهذه المناسبة الأليمة ذكرى النكبة كيف تبدو أحاسيسك ومشاعرك وأنت عربي عموما وفلسطيني على وجه خاص؟ أشعر لأول مرة أن إسرائيل تضعف وبدأ العد التنازلي لانهيارها هي معتكفة خلف الأسوار العازلة والكراهية الدولية التي تتزايد يوما بعد يوم والحروب الخاسرة التي تشنها أمريكا والإبقاء عليها وسط العرب والمسلمين... كلها متغيرات تؤكد أن هذا العالم الصهيوني سيكون عمره قصيرا. وأشعر كلاجئ فلسطيني بأن العد التنازلي للانتصار قد قرب مثل كل اللاجئين بعد 58 عاما من الاغتيالات والتدمير ومصادرة الأراضي والجوع مازال الشعب أكثر عزما وتصميما في إعادة حريته ولم يركع لأحد. رهان الصهاينة على الأجيال الجديدة بات رهانا خاسرا لأن هذه الأجيال ومنهم أبنائي في الحكم الأوروبي بات أكثر تصميما على العودة. * كيف ترصد هذه الذكرى من ناحية الأوضاع على أرض فلسطين؟ الشعب الفلسطيني يعيش هذه الذكرى وهو محاصر دوليا لكي يبقى مكانه في القلب كما في قلب الأمة العربية... وما أراه الآن أن الجوع الناجم عن هذا الحصار لن يؤثر في معنويات الناس وعزيمتهم وصمودهم. إن ما يواجهه شعبنا في فلسطين من مؤامرات دولية وخذلان من الأنظمة العربية يجعلنا نتمسك بوطننا وعروبتنا وإيمانه بحقه مدافعا عن مقدساته دون كلل أو هوادة... أنا واثق أن الذكريات المقبلة ليوم الاغتصاب ستكون أقرب إلى تحقيق النصر والعودة. * ألا ترى ان الأغرب من ذلك هو الحصار الدولي المفروض على فلسطين؟ من المؤسف ان اللجنة الرباعية الدولية التي من المفترض أن تكون سياسية وأن تعمل لايجاد التسوية العادلة للقضية الفلسطينية قد نسيت مهمتها وانحرفت عنها وكشف الاجماع الأخير عن تحولها إلى مؤسسة خيرية تعتمد الحصار وتحصر قضية الفلسطينيين في مسألة الرواتب وكأنها وكالة غوث لاجئين أخرى.. كان من المفترض أن تبحث هذه اللجنة الاعتداءات الاسرائيلية وخطط أولمرت لفرض الحل من جانب واحد، لكنها ركزت على كيفية تجاوز السلطة الفلسطينية وحكومة حماس لايصال الأموال لمن شاركوا في مخطط تجويع الشعب الفلسطيني وبطرق التفافية. * تساؤلات عديدة حول الدور التي تلعبه مصر في قضية الصراع بين فلسطين واسرائيل؟.. وهل حقيقة أنه يستحق أن يكون موضع تساؤل؟ من المؤسف ان مصر التي كانت دائما قاطرة العمل العربي المقاوم والمساند للشعب الفلسطيني قد تحولت إلى وسيط محايد في الصراع وتمارس ضغوطا على المقاومة الفلسطينية بالاعتراف باسرائيل دون أي مقابل ملموس.. مصر التي تبنت الحوار الفلسطيني استقبلت وزير الخارجية الفلسطيني المنتخب باستحياء شديد وألقت عليه المحاضرات حول ضرورة اسقاط سلاح المقاومة. * هل يصدق نفس الكلام على الجامعة العربية؟ جامعة الدول العربية للاسف اصبحت مثل الانظمة التي تمثلها عاجزة عن اداء اي دور كأمينها العام الذي يذهب الى العراق ويضفي شرعية على الاحتلال الامريكي للعراق ومستقبل مئات الآلاف من العراقيين.. هو يكتفي بمطالبة حكومة حماس بالقبول بمبادرة سلام عربية التي داس عليها شارون بحذائه ورد عليها بإعادة احتلال الضفة وحصار الرئيس الراحل ياسر عرفات ثم قتله مسموما... فأي مبادرة عربية هذه التي تتحدث عنها الجامعة وأمينها وتطالب الفلسطينيين بالقبول بها دون ان تضمن الحد الادنى من القبول الاسرائىلي الا انها قدمت لاسرائيل الضمانات الكاملة والتطبيع الكامل. * كيف هو حال الامة العربية الآن؟ الامة العربية تعيش حالة احتضار كبيرة سببها عملية الاذلال التي تتعرض لها على ايدي الاسرائىليين والأمريكيين وهي تنقسم الى قسمين، قسم الانظمة المرعوبة من امريكا وإدارتها والخاضعة لأوامرها: ثم قسم الشعوب الحية التي تنتظر التغيير وتعمل من اجله. المقاومتان في العراق وفلسطين اعطتا املا لهذه الشعوب لأن التغيير قادم وان امريكا مهزومة لا محالة ومشاريعها تواجه الفشل. الامة العربية تقف على اعتاب حرب ثالثة ستكون بين ايران وأمريكا ولا بسبب البرنامج النووي وهذه الامة ستدفع كلفة هذه الحرب ماليا من خلال توظيف عوائد النفط. والكلفة 500 مليار دولار لتمويل هذه الحرب ومن ثمة سيؤدي الى انتقام ايراني لإشعال آبار النفط وتلويث الخليج، وربما قصف اسرائيل بالصواريخ. من المؤسف أن العرب أو معظمهم سيقفون في الخندق الأمريكي ضد إيران مثل العراق وأعتقد أن الجماهير العربية ستكون هي المنتصرة. * والاعلام العربي؟ أمريكا ترصد ملياري دولار للانفاق على تدجين هذا الاعلام وتمويل محطات الخلاعة وصحف الابتذال السياسي والخلقي. في الوطن العربي حاليا 250 محطة فضائية ليس منها الا 5 محطات اخبارية جادة، أما الباقي فهو من محطات ترويج الأجساد العارية والفساد الرخيص والهدف هو التركيز على تسطيح الأجيال القادمة. الجيل الحالي ميؤوس منه وهم يركزون على المراهقين والأطفال حتى يأتي جيل لا يعرف عروبته ولا يتعامل مع قضاياها. يريدون جيل يرقص ويهز الخصر ويعتمد الاستهلاك كتابة وعقيدة. الإعلام العربي وبعد الغزو على العراق تحول إما الى اعلام طائفي يكره العروبة أو اعلام يتبنى المشاريع الأمريكية وشاهدنا الاعلانات التي تروج للغزو والاحتلال وتمدح فضائله.. تلك الفضائل والديمقراطية التي تقوم على شرف الآلاف من العراقيين. * في الأخير لو تحدثنا عن الطرفة التي حصلت لك في معهد بريطانيا للدراسات الاستراتيجية بمناسبة تقديم كتابك الجديد «التاريخ السري للقاعدة»؟ هي فعلا طرفة حصلت لي في معهد بريطانيا للدراسات الاستراتيجية عن طريق مديره.. كان ذلك عندما قدمت كتابي الجديد.. هو تحدث عني بإعجاب كبير وقال إنني تحدثت في الكتاب عن وجهة نظر اسلامية بطريقة وكأنني «عايش» في القاعدة وأعرف عنها كل شيء ثم قال مازحا «أستغرب وجود عبد الباري عطوان معنا هنا في بريطانيا وليس في غوانتانامو».