بعد أكثر من أريع سنوات عجاف عاشها ذوو ضحايا النظام السابق،وخصوصا عوائل شهداء حزب الدعوة الاسلامية في ظل حكومتين قادهما حزب الدعوة الاسلامية ، ينبري مجلس النواب العر اقي، ليناقش الغاء قرار برقم أصدره مجلس قيادة الثورة في النظام السابق، وبموجبه تم إعدام عشرات الآلاف من المنتمين الى حزب الدعوة الاسلامية والمتعاطفين معه، وبأثر رجعي . اكثر من أربع سنوات وأسر الشهداء يعيش أفرادها ممن ذاق القهر والضيم والاعتقال ونبذ في المجتمع العراقي! الكفاف ولايجدون من يرعاهم ، وترفض مؤسسات الدولة العراقية في النظام الجديد، تعيين أبنائهم بل وتحاربهم، مادام المسيطرون في هذه المؤسسات هم من بقايا نظام صدام، ومن صفق له حتى الرمق الأخير . أعرف الكثيرين من أبناء وأخوات وأمهات وزوجات الشهداء، ومعظمهم أعتقل وعذب بقسوة بالغة من قبل جلادي النظام السابق، مايزالون يعيشيون في أوضاع مزرية، ويحصلون على أقل من الكفاف، ولم يشعر أحد منهم أن شيئا تغير لصالحه، بل العكس تماما . محمد شاب تم إعدام والده الشهيد الكبير،وأعدم أعمامه جميعا بعد أن إعتقلوا بالجملة مع النساء في ربيع 1980 بحجة الانتماء الى، أو التعاطف مع حزب الدعوة الاسلامية (العميل)، فعاش محمد اليتم والفقر والحرمان وهو طفل صغير لم يبلغ العامين، الا أنه كبر يحلم بأن يرى والده يوما ونجح وهو يحلم في اكمال دراسته حتى أصبح مهندسا ،لم يحصل على عمل في النظام السابق لأنه من أسرة " معادية" فيها الأب والأعمام شهداء، والعمات سجينات سابقات بتهمة الانتماء الى حزب الدعوة الاسلامية ..العميل . زرتُ هذا الشاب بعد سقوط النظام لأن والده كان استاذي وصديق عمري، ورويتُ له الكثير عن أخلاق أبيه الذي لم يشاهده قط ولم يتعرف على ملامحه، ولم يعرف له قبرا . ولأن هذا الشاب أيضا كفؤ في تخصصه وشاطرجدا، وهو عاطل عن العمل، وأبن شهيد ومن أسرة مضحية حتى العظم، فقد تدخلت لدى مؤسسة تابعة لتلفزيون العراقية في البصرة، محاولا الحصول له على موافقة تعيين ليعمل فيها بأجر " 200 ألف دينار" شهريا لاتُسمن ولاتغني من جوع، الا أن محاولاتي كلها لم تُفلح، بالرغم من أنني أعرف كل المسؤولين المعنيين عن تلك المؤسسة من الكبير وحتى الصغير،وتربطني بجميع المسؤولين في البصرة وفي الحكم ببغداد علاقات جهاد سابقة، وتواصل حالي من خلال عملي الصحفي المهني . نائب مدير عام هذه المؤسسة وهو وزير سابق ،أخبرني بالهاتف إنه وصل الى الحكم، بفعل دماء شهداء الدعوة الاسلامية، وبالمناسبة(هو صديق لأبي محمد)،ووعد بتعيينه ....ولكن لم يتحقق ذلك وضاعت كل محاولاتي حتى مع الشخص المعني بالموضوع مباشرة عن تعيينه.... دون جدوى !. قصة الشاب محمد هي واحدة من عشرات القصص التي احتفظ بها في حافظتي، واليوم وبمناسبة مناقشة مجلس النواب قرار إعدام الدعاة وبأثر رجعي، فأنني أدعو المجلس الى المسارعة في تعويض عوائل شهداء الدعوة الاسلامية ، وبأثر رجعي أيضا، والى تطهير مؤسسات ودوائر الحكم من أولئك الذين يعرفون كيف يواصلون إيذاء شهداء حزب الدعوة عن طريق إيذاء اسرهم، لكي لايكون ماقرروه مجرد قرار،يوضع في درج النسيان . فالدعوة حتى وإن أختلفنا مع طريقة بعض قادتها في إسقاط صدام، تظل على الدوام : " تيار أفكار ومواكب أبطال ". جملة اعتراضية : النظام السابق وصف حزب الدعوة الاسلامية بالعميل حتى قبل أن تنتصر الثورة الاسلامية في ايران ليصبح الشيعة كلهم بنظر أعدائهم "عملاء لايران" وصفويين و...!. وقد تم في العام 1970 إعدام الشهيد السعيد عبد الصاحب دخيل بهذه التهمة.وأعدم في العام 1974 شهداء قبضة الهدى عارف البصري ،وعزالدين القبانجي،وحسين جلوخان، وعمادالدين الطباطبائي ،ونوري طعمة بنفس التهمة أيضا أي الانتماء الى حزب الدعوة (العميل) ليستمر المسلسل في الاعدامات والاعتقالات قبل ايران، وبعدها بتهمة واحدة جاهزة هي (العمالة) لمن؟. المعنى في قلب الجلاد. والمحزن أن يجري التفاوض بين الأمريكيين ومن يسمون نفسهم "مقاومة" بحضور بعض قادة حزب الدعوة في بيروت، وأن ممثل إحدى الجماعات المسلحة استخدم نفس الصفة (العميل) ليطلقها على حزب الدعوة في الوقت الذي يقوم هو باسم من يسميها "مقاومة"، بالتفاوض مع الأمريكيين للدخول في حكومة يرأسها أمين عام حزب الدعوة الاسلامية ...العميل !. أليس كذلك؟ !.