عاجل/ الموت يفجع حركة النهضة..    المعلمون والأساتذة النواب ينتفضون ويحتجون أمام مقر رئاسة الحكومة..    سليانة: تدعيم المستشفى الجهوي بعدد من التجهيزات    وزارة المالية: تراجع ملحوظ في حجم الدين الخارجي لتونس واستقرار نسبي في نسبة المديونية    أول رد من حماس على قرار محكمة العدل الدولية ضد الكيان الصهيوني..#خبر_عاجل    الرابطة الأولى: تعيينات حكام مباريات الجولة الحادية عشرة    العثور على جثة متحللة داخل منزل منذ عام بالقيروان    عاجل/ اصابة تلاميذ في حادث حافلة نقل مدرسي بهذه الجهة..    التونسيتان بيسان وبيلسان كوكة تتوجان ببطولة مسابقة تحدي القراءة العربي في موسمها التاسع    وزير الصحة يدشن وحدة تصفية الدم بعين دراهم    تونس تصنف ضمن افضل 25 وجهة سياحية في العالم ينصح باكتشافها سنة 2026    النادي الصفاقسي يواجه اليوم أولمبي الزاوية الليبي    صفاقس: العثور على جثّة امرأة وطفل في حالة حرجة داخل منزل    إستعدادا لقادم الإستحقاقات القارية: تعيينات المباريات الودية للمنتخب الوطني    يهم الأندية التونسية: الكاف يكشف عن موعد سحب قرعة دور مجموعات المسابقات الإفريقية    عاجل/ في مطار النفيضة..احباط محاولة تهريب قطعة أثرية من طرف اجنبي..وهذه التفاصيل..    عاجل/ العثور على جثة متحللة داخل كوخ..تفاصيل ومعطيات جديدة..    نابل تحتضن يوم 25 أكتوبر اليوم الوطني البارلمبي: "مناسبة متجددة لنشر ثقافة ممارسة الرياضة لدى ذوي الاعاقة وفرصة لاستكشاف المواهب"    بمناسبة العطلة المدرسية: رحلات ترفيهية على ذمة التونسيين    عاجل:النظر في مقترح لتنظيم التسويق عبر الانترنت والفيسبوك والأنستغرام!    ضغط الدم المرتفع؟ إليك الأعشاب الطبيعية التي قد تساعد على خفضه بأمان    الحماية المدنية: 645 تدخلا منها 439 للإسعاف في غير حوادث المرور خلال ال24 ساعة الماضية    عاجل: طقس متقلب وأمطار منتظرة اليوم...المعهد الوطني للرصد الجوي يُصدر تنبيهاً    جامعة صفاقس توقع اتفاقية تعاون وشراكة أكاديمية مع جامعة نواذيبو الموريتانية    المسرح الوطني التونسي وبيت الحكمة ينظمان بتوزر ندوة فكرية حول "أسئلة الهوية والغيرية وتمثلات الذاتية في المسرح التونسي"    الدورة الخامسة للمعرض الوطني للصناعات التقليدية بولاية بنزرت من 24 أكتوبر الى 02 نوفمبر 2025    عاجل/ أحداث قابس: هذا ما قرره القضاء في حق الموقوفين…    الصحة العالمية: إجلاء طبي ل 41 مريضا بحالة حرجة من غزة    فيديو لترامب يفقد أعصابه.. ويهاجم صحفيا    رابطة أبطال أوروبا: ريال مدريد يواصل التألق وليفربول وبايرن ميونيخ وتشيلسي يحققون انتصارات عريضة    تهديد بالقتل لساركوزي داخل سجنه في باريس.. وفتح تحقيق عاجل    نابل : التوصّل إلى حل نهائي لإشكالية فوترة القوارص وتسهيل نشاط صغار التجار ( فيديو )    عاجل/ جديد جريمة مقتل أب وأبنائه: شهادة مزلزلة وصادمة…    زلزال بقوة 5.2 درجة يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    بذور اليقطين أم الشيا.. أيهما أغنى بالألياف والمغنيسيوم والبروتين؟..    وزارة الصحة: إطلاق مشروع التكفّل بحالات التوقف القلبي خارج المستشفى    وزارة التجهيز:جلسة عمل لمتابعة تقدّم انجاز مشروع مدينة الأغالبة الطبية بالقيروان    ترامب: ألغيت لقائي مع بوتين في بودابست    متصفح "ChatGPT Atlas".. يفتح معركة مباشرة مع "غوغل كروم"    المنستير ولمطة في عدسة التلفزيون الإيطالي: ترويج جديد للسياحة التونسية    العلم يفكك لغز تأثير القمر على النوم والسلوك    أَحْلَامٌ مَعْتُوهَة    بهدوء .. كائن رماديّ    في حفل لأول مرّة بحمام سوسة .. .غازي العيادي أبدع وأقنع    مهرجان «المّيلة» في دورته الثانية .. تثمين للموروث الغذائي، وتعزيز للسّياحة المُستدامة    حقل البرمة: نحو حفر 10 ابار جديدة لإنتاج النفط والغاز    ما معنى بيت جرير الذي استعمله قيس سعيّد؟    طقس الليلة..كيفاش باش يكون؟    بن عروس : 25 عرضا ضمن برنامج المهرجان الاقليمي لنوادي المسرح ببن عروس    عاجل/ الى جانب المنتخب الوطني: 3 تونسيين مرشّحين لجوائز ال"كاف" 2025    عروض سينمائية وموسيقية فرجوية متنوعة في الدورة الثانية من المهرجان الدولي للسينما في الصحراء    عاجل: دعوة لدعم زيت الزيتون للتونسيين    عاجل-التفاصيل الكاملة لجريمة بنغازي: 7 أطفال ووالدهم ضحايا القتل    الأشقاء يبقون أشقاءً: هكذا علّق قيس سعيد على الجدل بين تونس والمغرب حول التمور    الترجي التونسي يواجه الترجي الجرجيسي..التوقيت والقناة الناقلة    قيس سعيد: بلاغ استثناء المغرب من تصدير التمور غير مسؤول يقتضي الواجب مساءلة صاحبه    يوم الخميس مفتتح شهر جمادى الأولى 1447 هجري (مفتي الجمهورية)    عاجل: مفتي الجمهورية: الخميس 23 أكتوبر أول أيام شهر جمادى الأولى 1447 ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا يُخاطب أبناء تونس بغير لغتهم ؟
نشر في الوسط التونسية يوم 07 - 09 - 2007


فتحي قاره-:
تنقسم الصحف اليومية الصادرة في تونس إلى قسمين: قسم يتكلم بلسان عربي فصيح (خمس صحف) وقسم يتكلم بلسان أعجمي فرنسي (أربع صحف). وهذه الصحف بقسميها موجهة أساسا لأبناء تونس ومعروضة للبيع في كافة أنحاء البلاد.
إن الملاحظ لهذا الوضع من بعيد بإمكانه أن يفترض أن تونس بلد متعدد اللغات أو أنه يسكنه شعبان : أحدهما عربي اللغة والثقافة والانتماء والآخر فرنسي اللغة والثقافة والانتماء وإلا لما كان واقع صحافته بهذا الشكل.‏
ولكن الحقيقة غير ذلك، فتونس لا تعرف تعددا لغويا ولا تتواجد على ترابها الوطني شعوب و أمم متعددة اللغات والأديان كما هو الحال في الهند مثلا. بل هي شعب واحد لغته العربية و دينه الإسلام كما يشير الى ذلك دستور البلاد.‏
ولا يمكن فهم هذا الواقع الشاذ والغريب إلا بوضعه في اطاره التاريخي وفي إطار واقع القوى الفاعلة في المجتمع التونسي ودرجة وعيها وتحملها لمسؤولياتها التاريخية.‏
إن استعمال التونسيين للغة الفرنسية كلغة بديلة عن لغتهم الوطنية في التواصل والتخاطب بينهم وفي وسائل إعلامهم كالصحافة ما هو إلا مخلف من مخلفات الاستعمار الفرنسي وأثر من آثاره‎.‎
فقد عمل هذا الاستعمار على نشر اللغة الفرنسية بين المستعمرين كوسيلة فاعلة لتقويض ذاكرتهم اللغوية الأصلية ثم لدمجهم باسم التحديث والتحضر والترقية في المجتمع الفرنسي الكبير.(1)‏
إن الذين يتواصلون مع أبناء بلادهم بلغة المستعمر القديم - مهما كانت الأسباب التي يبررون بها سلوكهم هذا - يواصلون عن وعي أو عدم وعي منهم مهمة هذا المستعمر.‏
يقول جلبير غرانغيوم :" اللغة الفرنسية في المغرب العربي ترد الى الاستعمار، تتأصل فيه ، وتذكر بأثره إن لم تجدده "(2)‏
فهل من مبرر في أن يخاطب الصحافي التونسي أخاه القارئ التونسي بغير اللغة التي تجمع بينهما ؟
هل أن الأحداث الوطنية أو المقابلات الصحفية التي تجرى مع أعلام ومشاهير تونسيين تقع بغير لغتهم العربية ؟
لماذا تشتغل الصحف التونسية المستعملة للفرنسية إذن كمجرد مترجمة لواقع تونسي عربي الوجه واللسان كي تفرض على القارئ التونسي رؤيته واضعا على عينيه نظارات اللغة الفرنسية ؟
أليس من الأولى لهذه الصحف أن تتوجه إلى الفرنسيين أنفسهم ما دامت تخاطبهم بلغتهم ؟
يعلم المختصون أن اللغة ليست مجرد أداة عمل يمكن للمرء استبدالها بغيرها متى شاء كما يستبدل ملابسه أو نظاراته؛ بل اللغة ترتبط ببنية الإنسان النفسية والعقلية وبهويته وانتمائه وثقافته, وكما أن الإنسان لا يمكنه استبدال عينيه لينظر بهما إلى واقعه بعيون فرنسية أو عيون عربية فانه لا يمكنه استبدال لغته الأم.
واللغة حمالة فكر وثقافة وتصور كامل للعالم ولذلك فان عقول البشر وتصوراتهم تختلف باختلاف لغاتهم.‏
عندما أراد الشاعر محمود درويش أن يعرف نفسه قال في إحدى قصائده :" أنا ‏..لغتي " ، والفرنسي لا يعرف إلا بانتمائه واستعماله للغته الفرنسية وكذلك العربي والانكليزي وغيرهم.‏
وإذا كان من المفيد تعلم لغة أجنبية والاستفادة من ثقافتها وعلومها فانه لا يمكن أن تصبح هذه اللغة الأجنبية لغة بديلة أو معوضة للغة الوطنية ولو بشكل جزئي في مجال الإعلام والتواصل بين أفراد ينتمون إلى نفس اللغة والوطن.‏
و لنا أسوة حسنة في السيد رئيس الجمهورية التونسية زين العابدين بن علي الذي لا يستعمل غير اللغة الوطنية في خطبه داخل البلاد وخارجها مما جلب لتونس الاحترام والتقدير الذين لا ينالهما إلا من كان يعتز بذاته ويتمسك بمقومات هويته.‏
يعتبر الدكتور محمود الذوادي أن استعمال اللغة الفرنسية أو الانكليزية في مجتمعات إفريقيا وآسيا بدل استعمال اللغات الوطنية والمحلية لهذه الشعوب لا يمثل فقط تفقيرا لتلك اللغات واللهجات وإنما يعمل أيضا على تقوية وإطالة عمر التبعية الثقافية من خلال تجذر الرموز الثقافية للآخر بالمجتمع التابع. (3)‏
ان استبدال الذات للغتها بلغة الآخر يعني نفي الذات وإحلال الغير محلها انه استبدال للهوية بهوية الآخر.‏
يقول نزار الزين :" التماهي بالآخر.. فقدان للذات التي انأخذت بالآخر دون أن تحتفظ بقيمتها و دون أن تصبح ذلك الآخر، و العرض ههنا : تبدد للشخصية و فقدان للهوية و صعلكة حضارية".(4)‏
إن ضعف القوى الوطنية الداعمة لمقومات الهوية و المدافعة عنها من كل محاولة اختراق وهتك وتذويب هو الذي ترك السبيل مفتوحا أمام ضعاف النفوس الذين استعاضوا عن الكفاح من أجل إثبات الذات بالانهزام الحضاري والارتماء في أحضان الآخر وإحلاله محل الذات فاصبحوا يعملون يوميا من خلال صحفهم على تقويض وإضعاف الذاكرة اللغوية لشعوبهم ومسخ هويتها بفرض لغة الآخر كلغة مزاحمة ومنافسة للغة الوطنية لتحتل مساحات أكبر فأكبر في وسائل الإعلام والتوعية والثقافة وبالتالي في عقول و فكر أبناء هذه الشعوب.‏
إن المؤسسات التي تصدر صحفا بالفرنسية للتونسيين تستغل أوضاعا حضارية واجتماعية وتاريخية وثقافية معقدة لتتمعش من مخلفات الاستعمار الفرنسي ومن لغته وتحقق أهدافا مادية ذاتية على حساب مقومات وهوية الشعب التونسي وثقافته وموقعه الحضاري.‏
لقد أثبتت الدراسات الاجتماعية الحديثة أنه لا يمكن تحقيق تنمية مستقلة بغير الاستناد إلى الهوية القومية والروحية بشكل عام. و لا تستطيع أية أمة أن تحلم بالخروج من ضعفها إلا على قاعدة إحياء ثقافتها واستعادة أصالتها وقيمها الحية ولا يمكن لأية حضارة أن تنبني على قيم خارجية أو غريبة ليس لها في الواقع المحلي أي جذور.(5)‏
وأرى أنه آن الأوان للقائمين على الصحف الصادرة في تونس بالفرنسية أن يدركوا أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر بعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال وعليهم أن يفكروا منذ الآن في إصلاح الوضع متمثلا في احترام لغة البلاد ومخاطبة قومهم بلغتهم وإرساء إعلام يحترم اللغة الوطنية واستعمالها بين التونسيين.‏
الهوامش

‏1) د. سالم حميش ، مجلة "الوحدة" ، مايو 92 ، ص 52‏
‏2) مجلة "الفكر العربي المعاصر" ، أفريل 91 ، ص 64
‏3) نفس المرجع السابق، ص 88‏
‏4) مجلة "مواقف" ، عدد 66 ، سنة 92 ، ص 34
‏5) د. برهان غليون ، "اغتيال العقل" ، ص 27‏
07-09-2007


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.