القلعة الكبري المدينة الساحلية التونسية، هي بالاساس مدينة فلاحية لقبوها بارض المليون اصل زيتون، سكانها من المتشبثين جدا بنواصي الارض المعطاء بغير عصبية رغم تمردهم علي الماضي وترك الحبل علي الغارب واضاعة الكثير من ا لاراضي الفلاحية لفائدة العمران والبنيان لان الجيل الحالي قد بدأ يفرط في السواني والابار لصالح الاهمال والتوجه الي المهن العصرية والحضارية لكن هذا لم يمنع قلة منهم التشبث بالارض واحداث اصطبلات لتربية الابقار والاغنام. مع مدخل الربيع ومع مقدم الحسوم ينطلق مهرجان الاعراس بالقلعة الكبري، ومثل هذه الانطلاقة المبكرة تكون في اغلب الاحيان مرتبطة ارتباطا وثيقا بصابة الزيتون للموسم السابق، اذ انه كلما نعم الفلاح بخيرات الزيتون بكّر الزواج بمدينة القلعة الكبري. واذا كان شهر اذار (مارس) هو الانطلاقة فان نيسان (ابريل) وايار (مايو) لن يكونا مفعمي الحفلات بقدر ما يكون حزيران (يونيو) وتموز (يوليو)، وربما الاوج يعرفه شهر اب (اغسطس)، شهر الحرارة والشهيلي، ومثل هذه الاعراس وخاصة اعراس الصيف المبرمجة بين تموز (يوليو) وآب (اغسطس) تعرف ذروة الاحتفالات نظرا لمقدم عمالنا من الخارج الذي يعززون صفوف المحتفين بحضورهم صحبة سياراتهم الفارهة، وعلي امتداد ايام الاسبوع تعرف المدينة حركية كبري عبر شوارعها الكبري (باب الجامع السوق المراح) وهذه الحركة المتأتية من طوابير السيارات التي تنقل (الجهاز) من دار العروس الي دار العريس وهي عادة دأبت عليها القلعة منذ سالف الازمان الذي كان يرفع الجهاز وقتها علي الكريطة، مع مرافقة الطبل والمزمار، والعرس عرسان عرس الفقير وعرس الغني، وتعرفه من ملامح طوابير السيارات ونوعيتها، فان كان الطابور طويلا وسياراته فارهة، فاعلم ان العرس لاحد الاعيان وان صادف الطابور ان ضم سيارات تاكسي فاعلم ان العريس هو من اهل الحرفة اي سائق تاكسي. وبما ان صيف تونسنا مليء بالمهرجانات، بداية بمهرجان قرطاج لدولي ومرورا بمهرجان الحمامات وصولا الي مهرجان سوسة، فان القلعي لا يجد متسعا من الوقت لحضور فعاليات هذه المهرجانات وقد يكتفي بالفرجة من التلفاز لان وقته كله موجه الي الاعراس التي تعرف عيد الحفلات والسهرات: من مزود ووترية وسلامية وعيساوية. وبعد هذه المرحلة التي تفوق لياليها 90 ليلة، تدخل القلعة فعاليات مهرجان الزيتونة الدولي الذي يتوافق مع انطلاق موسم جني الزيتون، واذا كان المهرجان يدوم 15 يوما، يعرف خلاله القلعيون السهر والسمر من خلال الحفلات الغنائية والادبية والرقص الشعبي والاحتكاك بالسياح في يوم سياحي مشهود، يطلع من خلاله الزائرون الاجانب علي عادات الفلاح وتقاليد فلاحة الزيتونة، ثم يتواصل المهرجان في الغابة الخضراء الممتدة الارجاء والتي تعرف حركية غير معهودة قد تصل الي 90 يوما في ظروف صابة زيتون ممتازة، فبعد الجني، الرحي بالمعصرة وبعده الخزن، ثم الشذب والقص والحراثة ولعل مقولة خبز وزيت، الله لا يقطع منهما بيت تعرف التطبيق الي حد الان رغم غلاء زيت الزيتون الذي لم يعد ينعم به كل ذي دخل محدود! ومما يشد الانتباه هو ان القلعكبيون يحسنون استغلال اوقاتهم في فصل الصيف، فمنذ اشراقة صباح كل يوم يتوافدون علي شواطئ البحر للاستلقاء علي رمالها الذهبية والسباحة في المياه الدافئة، وخاصة عمالنا بالمهجر، واما الليل فهو اما للسهر بمرسي القنطاوي او مشاطرة الاخرين افراحهم واعراسهم وما اكثر الافراح في الصيف، وهكذا تتوالي الايام الجميلة وان كانت متعبة: السباحة نهارا والسهر ليلا. اهالي القلعة كانوا قد اعتادوا ومنذ فترة لا بأس بها علي ارتياد شاطيء المنشية في حمام سوسة، ونظرا لكثرة توافدهم انذاك كان اهالي حمام سوسة يعمدون الي برمجة ساعات اصطيافهم عند الغروب او قبل شروق الشمس اي خارج اوقات القلاعة، الا ان هؤلاء عمدوا الي تغيير وجهتهم الي شاطئ القنطاوي بحكم قرب موقعه من القلعة بالتوازي مع شط مريم الذي اصبح وجهة العائلات الكبري هروبا من عيون الفضوليين، كما اصبح هذا الشط ملعبا رحبا لمحبي ممارسة الرياضة بكافة اشكالها وانواعها، وهكذا اعاد اهالي القلعة ايامهم الخوالي التي سجل فيها التاريخ لهم فيها حبهم وتعلقهم بالبحر بعدما اتهمتم الاسطورة بانهم باعوا مساحات لا يستهان بها من الاراضي المحاذية للبحر مقابل اشجار الزيتون ايام عزها ومجدها، ايام كان فيها الفلاح فخورا كل الفخر بهذه الشجرة المباركة، وهكذا وبعد ان ادرك اهل القلعة مدي التعلق الذي يربطهم بالبحر ومدي جمال هذا البحر الاسر بروعته، اصبح الاستجمام معهم في شط مريم متعة بحد ذاتها لا سيما بعد ان اصبحوا خبراء متمرسين في نصب الخيام اللائقة والمنسقة.. لكن! لكن كل صيف، عندما يعانقون البحر الحسرة تعاودهم لانهم باعوا ارض الملح من اجل زيتونة.