بحلول شهر رمضان يزداد إقبال المراكشيين على الفواكه بمختلف أنواعها. ونظراً للموقع الجغرافي لمراكش، القريب من واحات الجنوب والأطلس، فقد شكلت سوق الجملة للفواكه الجافة، وعلى مدى سنوات طويلة، سوقاً وطنية يقصدها المنتج والمستهلك والبائع بالجملة والتقسيط، وبالتالي فقد ظلت هذه السوق تستقبل شاحنات محملة بالتمر والحناء والتين المجفف واللوز والجوز، وغيرها من الفواكه الجافة، قادمة من مناطق زاكورة وورزازات والراشيدية والأطلس. وكان يتم عبر هذه السوق توزيع وتسويق هذه المنتوجات إلى مختلف مناطق المغرب. أما اليوم، فقد تغيرت الحال، والسوق، التي كانت إلى وقت قريب تمثل مركزاً أساسياً لتسويق الفواكه الجافة المغربية، صارت تستقبل منتوجات محملة من الخارج عبر ميناء الدارالبيضاء: تمور تونسية ومصرية وإماراتية وعراقية وسعودية، وتين مجفف من تركيا، ولوز من إسبانيا، وجوز من الهند. أما تجار الجملة، الذين كانوا يقصدون سوق الجملة للفواكه الجافة بمراكش، من مختلف المناطق المغربية، فقد صاروا يفضلون التوجه إلى الدارالبيضاء، حيث السلع القادمة من وراء البحار، التي تدخل البلد عبر ميناء المدينة. ويبدو أن تفضيل المراكشيين، عامة، والمغاربة، خاصة، للتمور التونسية والمصرية والعراقية والإماراتية والسعودية، واللوز الإسباني، والجوز الهندي، وحتى التين المجفف التركي، هو تحصيل حاصل. فالمنتوج المغربي، برأي المهتمين، لا قدرة له على منافسة المنتوج الأجنبي وذلك لاعتبارات عديدة؛ أولها أن الفلاح المغربي ظل متروكاً لنفسه وللجفاف، وأن الدولة لم تلتفت إلا اخيرا لهذا الواقع، كما أن المستهلك فَقَدَ الثقة في ما يقدم إليه من منتوج مغربي يعمل كثيرٌ من مسوقيه على اعتماد أسلوب الغش في تقديمه وعرضه، ومثال ذلك خلط اللوز المر المذاق بالحلو أو جعل «وجْه» أو أعلى علبة التمر أفضل من أسفلها، بل والغش حتى في الوزن. واللافت أن الغش صار ينسحب على كثير من المنتوجات المغربية التي تقدم للبيع، ولذلك صار لافتاً أن يتداول المنتج والتاجر والمشتري مفردة «التوجيهة»، دلالة على أن البضاعة المعروضة ليست من نفس المستوى من الجودة وأن الغش صار عُملة مألوفة. وليس تفضيل المغاربة للمنتوج الأجنبي حالة خاصة بالفواكه الجافة، بل هو حالة عامة يمكن أن تنسحب على معظم الفواكه، الشيء الذي جعل المغاربة يُفضلون موز أميركا اللاتينية على موز أكَادير، وتُفاح إسبانيا على تُفاح ميدلت، مثلاً. وبالأمس، توقفت سيدة في منتصف الخمسينات من العمر أمام بائع للفواكه الجافة بسوق الجملة بمراكش، حيث سألتْ البائع عن ثمن اللوز، فوجدت أن ثمن اللوز «الرومي» مرتفعا مقارنة مع ثمن اللوز «البلْدي». في البداية، أبْدتْ السيدة رغبتها في شراء اللوز «البلْدي»، لكن البائع، الذي سألته إن كان هذا اللوز مخلوطاً بحبات «حارة»، لم يكن قاطعاً في ردِّه، إذ ترك إمكانية احتواء اللوز «البلْدي» على حبات مُرة المذاق رهيناً بحظ السيدة. ولأن السيدة لم ترغب في المغامرة بشراء لوز يُمكن أن يكون مخلوطاً بحبَّات مُرة المذاق قد تفسد حلاوة الجلسة والشاي، حين يقدم للضيوف، فضلاً عن أن اللوز البلْدي المعروض أمامها يتضمن كثيرًا من الحبات المكسورة، على خلاف اللوز الرومي الذي، وإن كان مذاقه دون مذاق اللوز البلْدي، فإنه يغري بتقديمه للضيوف، سواءٌ لنقاوته أو لحلاوته، فقد طلبت من البائع أن يزن لها كيلوغراماً من اللوز «الرومي»، قبل أن تقترح عليه أن يزن لها كيلوغراماً آخر من جوز «رومي»، قال لها البائع إنه مستورد من الهند. ولم ترغب السيدة في المغامرة بشراء الجوز «البلْدي»، لأن الكمية التي كانت قد اشترتها في المرة السابقة بدت كما لو أن البائع (أو المنتج) أغرقها في الماء، قبل أن يدفع بها إلى السوق، لذلك فقد كان طبيعياً أن تفسد وألا تصير صالحة للأكل. ولأن السيدة رغبت، أيضاً، في تمر يرافق اللوز والجوز، فقد اقترح عليها البائع تمرًا مغربياً وآخر من تونس، وحيث أن علبة التمر المغربي أعطتها شعوراً بعدم الارتياح والتخوف من إمكانية أن يكون أسفل العُلبة مغشوشاً وليس من نفس جودة «وجهها»، فقد فضلت علبة التمر التونسي. وفي النهاية، ستغادر هذه السيدة المغربية سوق الفواكه الجافة بمراكش وفي حقيبتها لوز إسباني وجوز هندي وتمر تونسي.