: نموذج سياسي اخر يقدمه الأخوان أحمد نجيب الشابي ومية الجريبي هذه الأيام في حياتنا الوطنية العامة , نموذج قطع مع الصمت والانكسار وتوسل الحقوق بأساليب التبتل والخشوع أمام أصحاب النعمة والسلطان , نموذج يتقد أملا وعطاء ورغبة في الاصلاح بعيدا عن أشكال التنطع أو المغالاة أو الشطط في المطلبية السياسية ... الحزب الديمقراطي التقدمي بقادته المتجددين وبشبابه المناضل وبفضائه السياسي المفتوح وبعناصره النسائية والرجالية على حد سواء يقف أمام لحظة وطنية تاريخية بعد أن استلم زمام المبادرة من تشكل 18 أكتوبر الذي دخل في منعرج حوارات كادت أن تخرجه عن مساره الأول في ظل تجاذب داخلي مازال يستحضر مقومات حرب داحس والغبراء التي أجهضت امال التونسيين في حياة وطنية وديمقراطية أرقى من نموذج التنمية الاخصائية لتطلعاتنا الحقوقية والسياسية . نموذج اخر للمرأة التونسية تقدمه الأستاذة مية الجريبي , وهي تترأس اليوم الأمانة العامة للديمقراطي التقدمي , المرأة التي أريد لها أن تكون ديكورا بين جدران القصور , أو مساهمة في صناعة صمتها ,أو بضاعة في سوق اعلامية تعتمد الاثارة الجسدية كبديل عن مواصفات الجودة والكفاءة والامتياز والابداع والتفوق في فضاء اعلامي قتلوه وكبلوه بحوارات صمت القبور ... امرأة في الأربعينات من عمرها تحمل أحلام التونسيين والتونسيات في دولة تتقيد بالقانون العادل والحكم الراشد الذي يتوق الى أنسنة السياسة وتفكيك طلاسمها وأحاجيها المستعصية لدى رجالها على التفسير منذ أن حاولوا ايهامنا بتنمية عرجاء مخصاة من معاني الكرامة والمشاركة واحترام قداسة هذا الانسان . هكذا هي المناضلة مية الجريبي حين تذكرني بجيل مناضلات أخريات شاركنني أحلام الجامعة التونسية حين كنا طلابا نحلم بالتخرج والوظيف والمكانة الاجتماعية المحترمة وسط فضاء سياسي من نوع اخر , ليس فيه للمتنفذ والمتسلق والسادي سلطان على رقاب الأحرار والحريرات من أبناء تونس وبناتها البررة . اليوم وان تباعدت المسافات المكانية , فان اللحظة الزمنية تجعلني على أبواب الجامعة من جديد شامخا مرفوع الهامة منتصب القامة حتى وان تسربل عساكرها باللون الأسود ليحولوا أفراح أمسنا الى أحزان حين أطلقوا الرصاص على جموع الطلاب سنة 1990 ليسقط يومها الشهيد صلاح الدين باباي مضرجا في دمائه وابراهيم الخياري في حالة شللية مزمنة لست أدري ان كان مازال يصحب معها أنفاس الحياة . أنفاس الحياة يحملها الأستاذ أحمد نجيب الشابي وهو الذي يعاني من مشكلات حقيقية مع القلب وسبق له أن تردد في الغرض على مصحات تونسية وفرنسية قصد الاستشفاء , ولكن ذلك لم يمنعه من التخلي عن "بريستيج" القادة والزعماء الذين يحولون بينهم وبين هموم الناس بحجاب ونظار ومكاتب وحواجز , تحولهم الى الهة حتى وان كانوا في صلب الجسم المعارض ولم يتذوقوا بعد طعم السلطة . رجل في الخمسينات من عمره يحمل صفات الاحترام والتواضع ودماثة الأخلاق ولم تكبله الألقاب ولم تختطفه أضواء الاعلام المخادع لتحوله الى ملك دون عرش الملكية ... هكذا هو الأستاذ أحمد نجيب الشابي حين خلع بزة المحاماة التي يمتهنها ليتحول الى رجل في ملابس المناضل البسيط الذي تحيط به قلوب عشرات الالاف من التونسيين والتونسيات وهم يتطلعون الى رؤية تونس على طريق الاصلاح السياسي والحقوقي والاعلامي ,بعد أن سئموا تخشب نموذج تنموي يريد لنا أن نمشي مشية الأعرج الشبعان , أو الأعمى الذي يعيش على رؤية مخيلات الأجسام ... ان نضالات الشابي والجريبي تعتبر اليوم فتقا حقيقيا في حالة صمت لن تدوم مهما تغنى الخطاب الرسمي بفضائل النمو والتقدم والاستقرار , واذا لم تصغ السلطة الى صوتيهما العاقلين ومايمثلانه من رصيد أدبي ومعنوي بحكم موقعهما النخبوي والسياسي المعتدل , فان القائمين عليها يقدمون بذلك هدية ثمينة بين أيدي الراديكالية الفكرية والدينية والسياسية التي نسأل الله أن يجنب تونس وشعبها مخاطرها الحقيقية التي تتربص بكامل المنطقة والاقليم . أمل نضالي جديد يتدفق بين أحضان النخب الفاعلة , ونموذج اخر في اجابة التونسيين والتونسيات على مظالم متراكمة , ولكن جوابهم عبر عن أصالة شعب واعتدال مجتمع ونخوة وطن لانريد له الانحدار الى محاضن العنف والارهاب نتاج رؤية احادية لاترى الواقع الا من منظار الغش الذي يصنعه المقربون والمتزلفون وأصحاب المصالح الشخصية التي تنسف جشعا وطمعا مصالح وطن نتألم الى ماأصابه من حالة جمود وشلل سياسي بالمقارنة مع مايعيشه العالم الحر والاقليم من عظيم تحولات . حرره مرسل الكسيبي* بتاريخ 13 رمضان 1428 ه- 25 سبتمبر 2007 *كاتب واعلامي تونسي- رئيس تحرير صحيفة الوسط التونسية :