أنصتوا معي إلى هذه الكلمات وأقول أنصتوا وأعني ما أقول وأنا أعلم أني أدعوكم إلى قراءة جمل وفقرات وسطور، أدعوكم أن تعيشوا هذه الكلمات المشتعلة، هذه الخناجر المفتوحة، هذا الصراخ الذي يمزق الأبيض والأسود ولا يسمح للفجر بمكان للطلوع، لا يترك ستارا ولا ضياء إلا عبره دون تحفظ ودون استئذان... إقرأوا معي هذه الكلمات من الرصاص وأرجوا أن تكملوا الفقرة ولا تتعثروا في تضاريس الندم والحيرة، ودون الإحساس بالغثيان والدوار وبالحياء...أرجو أن لا تتوقفوا في الطريق وأن تبادروا بالتساؤل : من أنا وعلى أي أرض أقف وما هو دوري في الحياة؟؟؟... هل أعلن إفلاسي أمام العامة أم انسحب القهقرى وأنا ألعن كل حرف لا يحمل نقاط رجولة ومروءة وكرامة!!!، أنصتوا رحمكم الله :[1] " [إخوتنا الكرام، إن إخوتكم بعد خروجهم من السجن وجدوا أنفسهم في سجن كبير[2]. اصطدموا بواقع لم يكن في خلدهم حتى في المنام. وجدوا أنفسهم بعد طول مدة السجن أمام تحديات مادية ومعنوية تجاوزت حسبانهم خاصة على المستوى العائلي. طرقوا كل الأبواب للارتزاق..، تبخرت كل الأحلام و الآمال، شحّ العمل، تنكّر الأهل و العشيرة و تمردت بعض العائلات (الزوجة والأبناء) على الأخ الغلبان التائه الحيران، فهناك من هجر البيت و هناك من هجرته زوجته.... أمراض كثيرة، أمراض المعدة، و أمراض المفاصل وغسل الكلي و حالات فشل تام وحالات سرطان بعضها ميئوس منه و حالات وفيات. والإشكال أن أغلب الإخوة المسرّحين ليس لهم بطاقات علاج. ومن بينهم عدد كبير من العاطلين عن العمل أو العاجزين عن العمل بسبب المرض... إخواني الكرام"ارحموا عزيز قوم ذل" مقولة تتطلب منكم التوقف عندها و التمعن في كل حرف فيها و من كل دلالاتها. و نحن على يقين أنه لا يرضيكم أن تسمعوا المزيد لأنه يدمي القلوب، و اللبيب من الإشارة يفهم.... إننا لا نريد أن نرهق كاهلكم بمعاناتنا و لكن اشتدت المعاناة وعظمت. التجأنا إليكم بعد الله فأغيثونا. التجأنا إليكم نشكو مآسينا، نطلب العون و الدعم و السند حفاظا على كرامة إخوانكم و على علو همتهم و حفاظا على مشاعرهم..] " هذه هي القصة، قصة مواطن بلا وطن، قصة سجن بلا سجان، قصة تقطر ألما وعجزا... فماذا نحن فاعلون؟ كلماتي وندائي ليس موجها إلى فئة دون أخرى، بل هو موجه إلى كل قلب سليم، حاكما كان أو محكوما، عارض أو لم يعارض، في أي موقع كان، وبأي خلفية يفكر.. الجميع يحمل قسطا في الإجابة والجميع مدعو لمرآة ضميره، الجميع مدعو للوقوف يوما أمام شهادة التاريخ قبل الوقوف أمام الله! تعست السياسة وكل مقارباتها إذا لم تؤدي إلى رفع مظلمة ومد يد الرحمة لمن يطلبها!! إلى الجحبم كل المواقف والممارسات أيا كان مصدرها إذا عجزت أن تكفكف دمعة يتيم وتلبي طلب شيخ أو عجوز مرمي على جانب الطريق. من لهؤلاء البؤساء الذين تنكر لهم أجوارهم في هذا الوطن فما تركوا لهم إلا لباس الحياء والتقوى؟؟؟، من لهؤلاء وليس لهم أبواقا و"أكتاف" ولا حتى ايتسامة رضا وعفو وتجاوز؟... إن المرء ليعجز وهو يرى هذه الوجوه الشاحبة وهذه النداءات العاجزة وهذا الصمت المدقع حول أناس من جلدتنا يسكنون حينا، ويتنفسون هوائنا، ويحملون جنسيتنا، وهم يعيشون بيننا في مستنقعات التشفي والشماتة والموت البطيء، هل أنادي حسبنا الله؟ سوف أنادي ولكن لا تكفي، هل أقول "ما يدوم حال" سوف أقول ولكن لا تكفي.. "إن الله لا يغيروا ما بقوم حتى يغيروا ما أنفسهم" ذلك هو ملجئي وعوني ومن هنا نبدأ ومن هنا نقف وأول هذا التغيير هو الكلمة الموقف، الكلمة الفعل. أقف هنا عن الكتابة لأن المقام تجاوزها في هذه اللحظة الزمنية التي تتراوح بين قتامة وسواد وأحزان أريد سقوطهم ونهاية كابوسهم، وبين باب مفتوح على الأمل والظن الحسن في وجوه خير وأيادي بركة، وإني لازلت أعتقد أن التونسي للتونسي رحمة مهما اسودّ المكان وعلاه كثير من الدخان، وأن هذه الأيام المباركة وهذه الليالي العشر الفاضلة خير زمان، لكي لا يبقى تونسي واحد ملقى على طريق اللامبالاة والنسيان. هوامش : [1] رسالة وصلت أخيرا من تونس إلى جمعية تكافل للإغاثة و التضامن بباريس، ونشرتها عديد المواقع التونسية. [2] لقد كتبت منذ سنتين عن هذا السجن الكبير في مقال بعنوان "مأساة السجن الكبير" انظر موقع اللقاء www.liqaa.net ركن اللقاء السياسي. أكتوبر 2007/ رمضان 1427 المصدر : موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net