لا يزال السودان يعيش في ظل أزماته المستعصية ، و لا سيما أزمة دارفورالتي لا يبدو أن ثمة ضوء في نهاية النفق يضع حدا لها، على الرغم من أن المسار السياسي شهد تقدما نسبيا، خاصة بعد قرار مجلس الأمن الدولي الأخير 1769 بإرسال قوات دولية قوامها ستة وعشرون ألف جندي إلى الإقليم لتحل محل القوات الإفريقية. ثم جاءت زيارة الأمين العام للأمم المتحدة للسودان واتفاقه مع حكومة الخرطوم على إصدار بيان مشترك لإنهاء العنف وبدء المفاوضات بين الحكومة السودانية وحركات التمرد في ليبيا في السابع والعشرين من تشرين أول/ أكتوبر الجاري، لتعطي دفعة جديدة لإيجاد تسوية لأزمة دارفور. و تحاول ليبيا جاهدة أن يشكل الاجتماع المقبل الذي سيعقد في طرابلس ، حلا نهائيا وشاملا للصراع الدامي في هذا الإقليم العربي .وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قام بزيارة إلى ليبيا الشهر الماضي، وهي المحطة الأخيرة في جولته الإفريقية، في محاولة لدفع عملية السلام في دارفور، ووضع حد لحرب أهلية مستمرة منذ أربعة أعوام. فعلى أثر المؤتمر الدولي برعاية الأممالمتحدة و الاتحاد الإفريقي تم اتخاذ قرارإحياء العملية السياسية لتسوية النزاع في يوليو في طرابلس، نظرا لأن عددا من قادة التمرد في إقليم دارفور، و بينهم عبد الواحد عبد النور ، تربطهم علاقات تاريخية مع ليبيا. و لا يبدو أن مهمة الزعيم الليبي معمر القذافي ستكون سهلة، إذ سبق أن وقعت الفصائل المتمردة مع الحكومة السودانية اتفاق أبوجا في شهر ماية 2005، سرعان ما نقضته الفصائل عينها لأسباب داخلية و أخرى خارجية، و هو الوضع الذي قاد إلى تفجر الوضع الأمني و العسكري في إقليم دارفور مجددا ، نتاج تفشي ظاهرة النهب المسلح ومحاولة الدولة القضاء عليها بالاستعانة بالجهد الشعبي. وهذا ما دفع بالعامل القبلي في أتون الصراع. إذ إن معظم من استجاب لنداء الحكومة لمحاربة النهب المسلح كانوا من القبائل العربية في الإقليم، فاعتقدت القبائل الأخرى أنها مستهدفة، لأن معظم عمليات المطاردة والملاحقة كان مسرحها مناطق القبائل غير العربية. وقد توافقت ثماني فصائل للتمردفي بداية آب في أروشا بتنزانيا ، على «سقف» مشترك للمطالب، تمهيدا لمفاوضات مع الخرطوم. بيد أن حركة تحرير السودان التي يرأسها عبد الواحد عبد النور الذي يقيم في باريس ،رفضت المشاركة في محادثات أروشا مؤخرا، ورفضت أيضا المشاركة في مفاوضات طرابلس الغرب ،راهنة حضورها بوقف العنف وإرسال القوات الدولية أولا. و ليس خافيا على أحد ، أن الولاياتالمتحدة الأميركية تعمل على تقطيع أوصال السودان ،و تفكيكة من الداخل ، تمهيدا لتقسيمه إلى دويلات ما قبل الوطنية ، دويلات تقوم على أساس العرق والدين و المذهب.وفي هذا السياق، ليس مستغربا أن يلمح مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية إلى إمكانية حل مشكلات دارفور بالطريقة نفسها التي عولجت بها مشكلة الجنوب، في إشارة إلى مبدأ تقرير المصير، وهو ما بدأ يردده متمردو دارفور هذه الأيام مع مطالب تقسيم الثروة والسلطة. ويحيق الخطر باتفاق سلام بين شمال السودان وجنوبه، ما يهدد بتداعي الاتفاق والعودة إلى حرب أهلية واسعة النطاق، حتى في الوقت الذي يسعى فيه زعماء العالم إلى وضع حد للعنف في اقليم دارفور.وتمخض الصراع بين الشمال والجنوب الذي تدور رحاه منذ عقدين من الزمن ليصبح أطول صراع من نوعه في القارة الإفريقية عن مقتل نحو مليوني شخص. وتوقف القتال بعد إبرام اتفاق سلام في نيفاشا عام 2005 بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي يهيمن على الشمال ومتمردي السودان الجنوبيين السابقين ممثلين في الحركة الشعبية لتحرير السودان التي تقول إن تنفيذ الاتفاق تعثر بسبب مداهمة قوات الأمن السودانية المدججة بالسلاح مقار لها، ما يهدد علاقة المشاركة في السلطة . وتجيء المداهمة بعد يوم من تحذير أطلقه زعيم الحركة الشعبية ورئيس حكومة الجنود والنائب الأول للرئيس السوداني سلفاكير ميارديت أن السودان يقف على شفا حرب بين الشمال والجنوب. وقال سلفاكير الاثنين الماضي إن اتفاق السلام في خطر، وأضاف أمام البرلمان في جوبا عاصمة جنوب السودان إنه قلق ويشعر بانزعاج بالغ بشأن تنفيذ اتفاق السلام الشامل، من احتمال أن يعود السودان أدراجه إلى الحرب إذا لم نتصرف الآن مع شريكنا حزب المؤتمر الوطني. وتثير الحركة الشعبية لتحرير السودان دوماً شكوكاً في مدى صدقية والتزام حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وتقول إنه ينفذ اتفاق السلام الشامل بصورة انتقائية، وحاول إعادة التفاوض بشأن جوانب في الوثيقة.ومن الأمور الشائكة البروتوكول الخاص بمنطقة أبيي الغنية بالنفط وترسيم الحدود بين الشمال والجنوب، وانسحاب القوات الشمالية من الجنوب.ويتهم مسؤولو الحركة الشعبية حزب المؤتمر الوطني الحاكم أيضاً باحتجاز أموال من أجل تعداد يعد حاسماً للانتخابات التي ستجري في ،2009 والاستفتاء الخاص بالانفصال أو الوحدة الذي سيجري في 2011.