كرّست زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى المغرب، التي تختتم الأربعاء، عودة بلاده القوية، ليس فقط في ساحتها التقليدية: المغرب العربي، وإنّما أيضا العالم بفضل اتفاقيات مهمة. وفيما يعدّ قرار إنشاء أوّل خطّ للقطار فائق السرعة الذي سيربط طنجة بالدار البيضاء، ولاحقا بمراكش، بتكلفة تفوق ملياري دولار، أبرز قرار ستكون فوائده داخلية صرفة للمغرب، تعدّ اتفاقية التعاون في مجال التقنية النووية أبرز قرار من شأنه أن تكون له بدوره تداعيات خارجية في ظرف يتميز بجدل محموم، غذاه البرنامج النووي الإيراني، بشأن استخدام الطاقة النووية. وما يزيد من أهمية القرار أنه لن يكون الوحيد الذي تتوصّل إليه فرنسا في المغرب العربي، حيث من المتوقع أن تبرم اتفاقيات مماثلة مع الجزائروتونس. ورأت فرنسا أن تنوّع في حزمة اتفاقاتها من خلال مشروع القطار فائق السرعة في المغرب، وكذلك إمكانية اختيار مطار توزر، جنوبتونس، لإطلاق الصواريخ والأقمار الاصطناعية. ويرى المراقبون أنّ إدماج اتفاقات التعاون النووي ضمن حزمة اتفاقات متنوعة تضفي مزيدا من المصداقية على السياسة الفرنسية، ولاسيما لدى الرأي العام، فضلا عن ضمّ مزيد من التحالفات إلى مواقفها المتعلقة بالسياسة النووية في العالم. ساركوزي: الاتفاق مع المغرب رسالة لإيران فقد قال ساركوزي: "لقد قررنا إطلاق مشروع كبير جديد يتعلق بالطاقة النووية المدنية، وقد اخترنا مستشارين من جهتنا للتتنسيق مع الكوادر المغربية والفرنسية." وقال إنه يتوقع أن يحظى المغرب بفرع نووي مدني بالشراكة مع فرنسا، "حيث أن طاقة المستقبل لا ينبغي أن تبقى حكرا على الدول الصناعية، في الوقت الذي يتم فيه احترام المعاهدات الدولية." وأضاف: "عندما نقول هذا فإنّها طريقة لنقول لإيران إنّ التعاون ممكن، وأنه ليس محكوما علينا بالمواجهة." غير أنّه يجدر التذكير أنّ وزير الخارجية الإيراني مونشهر متكي، قبل أنباء استقالته، انتقد ما وصفه "بالتمييز" الذي تنتهجه باريس بشأن التعاون معها في المجال النووي. وقال إن الفرنسيين، قبل 30 عاما، وأثناء "النظام الديكتاتوري للشاه" لم يجدوا غضاضة في التعاون مع طهران في مجال التقنية النووية، وكان "ذلك بإجماع كل الطبقة السياسية." يورانيوم الفوسفات ووفقا للتقارير القادمة من المغرب، فإنّ الطرف المسؤول في هذا الصدد سيكون شركة "أريفا"، والتي وقع رئيستها آن لوفرجون بروتوكول التعاون مع المكتب الشريفي للفوسفات، بهدف استخراج اليورانيوم من هذه المادة. وتقول المصادر إنه من المتوقع أن يفضي التعاون لاحقا إلى إنشاء مولد نووي في مدينة مراكش. ويضرب المغرب بذلك عصفورين بحجر واحد، حيث أنّ المملكة تعدّ من أكبر منتجي الفوسفات في العالم. غير أنّ انهيار الأسعار في نهاية القرن الماضي، خلّف تداعيات مأساوية في هذا الميدان ، مما أدى إلى إغلاق المصانع، الأمر ألذي ساهم في شحّ مورد مالي مهم للمغرب، كان يضخّ موارد ضخمة بالعملة الصعبة. تونس: اعتماد على كفاءاتها وفيما مازال الأمر غير واضح بالنسبة إلى مدى التعاون الفرنسي-التونسي في مجال التقنية النووية، إلا أنّ ما حدث بالنسبة إلى المغرب ربّما يصحّ تطبيقه مع الشقيقة المغاربية، تونس، رغم أنّها أعلنت قبل سنة، أنها ستعول على كفاءاتها هذا المجال. وكانت تونس تعدّ من منتجي الفوسفات المهمين في العالم، غير أنّ انهيار الأسعار، وكذلك نضوب المناجم أثّر كثيرا في إنتاجها لهذه المادة. ومع ذلك، لا تزال البلاد تضمّ مناجم لها في غربها يمكن أن توجهها لمحاكاة ما يتوقع إنجازه في المغرب. وعموما، فقد أعلنت تونس نهاية العام الماضي، أنّها كلفت شركتها الوطنية للكهرباء والغاز بالشروع في اعداد الدراسات لتطوير انتاج الكهرباء باعتماد الطاقة النووية وأنشاء اول محطة كهرونووية في تونس. وقال مدير عام هذه الشركة، إنّ هذه الدراسات تهدف الى تركيز محطة كهرونووية بطاقة انتاج في حدود 900 ميغاواط، (وهي أدنى طاقة تجارية لمثل هذه المحطات) في أفق 2020، أي ما يمثل 20 بالمائة من الطاقة الإجمالية للبلاد في تلك الفترة. وأوضح مدير عام الشركة ان الاستثمارات الخاصة بتركيز محطة كهرونووية تصل الى ثلاثة اضعاف تركيز محطة حرارية كلاسيكية تعملبالوقود، لكن تكلفة انتاج 1 ميغواط من الكهرباء باعتماد الطاقة النووية هي أقل ب70 بالمائة من كلفة انتاج نفس الكمية، واقل بنسبة 15 بالمائة باعتماد الدورة المزدوجة. وأشار إلى أن اعتماد المحروقات في المحطات الكهرونووية لا يشكل سوى 30 بالمائة، مما يضمن استقلالية هذه الطاقة عن ارتفاع اسعار النفط في العالم. ومن المتوقع أن يقوم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي العام المقبل بزيارة إلى تونس تستغرق عدة أيام، تسبقها زيارات متبادلة لنحو عشرين وزيرا من الدولتين من أجل الإعداد للاتفاقيات. أما بالنسبة إلى الجزائر فقد ناقش ساركوزي ونظيره بوتفليقة في يوليو/تموز، ملفات الطاقة، ولاسيما الغاز والتقنية النووية المدنية. وشدد ساركوزي على "رغبة فرنسا في التعاون مع الجزائر في ميدان الطاقة على مختلف الأصعدة، طاقة اليوم: الغاز، وطاقة الغد: التقنية النووية المدنية، وكذلك في ميدان الصناعات الغذائية والصناعة وجاهزية المؤسسات الفرنسية للاستثمار القوي." وتعد الجزائر من أوائل الدول العربية التي حاولت اقتحام هذا المجال منذ فترة طويلة، إلاّ أن الوضع الاقتصادي وكثرة القلاقل الداخلية، وعدم توفّر كوادر علمية متخصصة للنهوض ببرنامج نووي ذي فاعلية، لم يمكنها من ذلك. وقد اقتصر النشاط الجزائري في هذا المجال على صور للتعاون مع بعض الدول، مثل ألمانيا، والأرجنتين، وكوريا الشمالية، وباكستان لإنشاء مفاعلات أبحاث، حيث تمتلك الجزائر مفاعلين نووين بقدرة ضعيفة يستخدمان للأغراض السلمية. غير أنّ العلاقات "المتميزة" التي عادة ما تعرفها الجزائر مع إيران بحكم "زمالتها" في منظمة أوبك، فضلا عن "حساسية" العلاقات مع المملكة المغربية، بحكم النزاع بينهما ضمن قضية الصحراء، تجعلها تأمل في الحصول على التقنية النووية. كما أنّ دخول الاتفاق الفرنسي-المغربي حيز التنفيذ، من شأنه أن يدفع قدما الطرفين الفرنسي والجزائري نحو الاتفاق. وسبق أن أعلنت كل من الجزائر ومصر والمغرب وتونس والامارات العربية المتحدة والممكلة العربية السعودية أنها تبحث عن التقنية الذرية، مما تصاعد معه شبح التسلح النووي في الشرق الأوسط . وقال مارك فيتزباتريك، خبير الانتشار النووي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن الدافع المفاجئ لامتلاك العرب السلاح النووي واضح، حيث سيزودهم "بطوق آمن... لو لم تكن لإيران هذه القابلية لامتلاك هذا السلاح النووي، فمن المحتمل أنك لن ترى هذا التسرع المفاجئ في العالم العربي." ويشكّل ارتفاع سعر النفط الدافع الكبير لدول مثل تونس والمغرب ومصر للحصول على التقنية النووية، حيث أنها تحتاج إلى طاقة آمنة، علما أنها لا تمتلك مخزونا كافيا من النفط والغاز، فضلا عن سبل مواجهة التزايد السكاني، ولاسيما في مصر والمغرب. إلا أنّ "المعطى التاريخي" ربّما لا يلعب إلى جانب مصر بفعل المعطيات الجيوسياسية في منطقتها. أما بالنسبة إلى دول الخليج، مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين، ورغم قربها من إيران، إلا أنّ امتلاكها الاحتياطات النفطية الاكبر في العالم، فضلا عن قلة عدد السكان، إضافة إلى أسباب "سياسية"، هذه جميعها يضعف من موقفها، وفقا لمراقبين. 2201 (GMT+04:00) - 24/10/07