لم تُفرج السلطات التونسية عن سجناء حركة «النهضة» الإسلامية المحظورة المتبقين في السجن منذ محاكمات العام 1992، مثلما كان متوقعا لمناسبة الذكرى العشرين لوصول الرئيس بن علي إلى سدة الرئاسة الأربعاء. ويظهر الإفراج الجزئي الذي اقتصر على سبعة قياديين، ليس بينهم صادق شورو رئيس مجلس شورى الحركة وبوراوي مخلوف القيادي البارز فيها، على أن طي صفحة الصراع بين الجانبين ما زال مؤجلا. وذلك رغم الحوارالذي جرى بينهما في شكل خفر وغير رسمي في العامين الماضيين، خصوصا في لقاء ضم وفدا من الحركة بقيادة رئيس مكتبها السياسي عامر العريض والسفير التونسي السابق في برن عفيف هنداوي الذي كان يشغل قبل ذلك منصب وزير الإتصال وحقوق الإنسان. وتسارعت في العامين الأخيرين خطوات الإفراج عن أعضاء الحركة المسجونين، بعدما أمضوا 15عاما في السجن بتهمة «التآمر على أمن الدولة»، فنزل عددهم من 500 إلى نحو ثلاثين فقط قبل الإفراج الأخير. وكان مراقبون توقعوا غلق ملف سجناء «النهضة» في الذكرى العشرين للتغيير. وتعززت هذه التوقعات مع إقدام السلطات على الإفراج عن عشرات من عناصر الحركة، من ضمنهم الناطق باسمها علي العريض ومدير صحيفتها «الفجر» حمادي الجبالي وعضو مكتبها السياسي زياد الدولاتلي. ومع تنامي ظاهرة «السلفية الجهادية» في البلد واندلاع مواجهات مطلع السنة على التخوم الجنوبية للعاصمة بين قوات الجيش والشرطة ومسلحين تدربوا في الجزائر، تراجع الصراع مع «النهضة» إلى الرتبة الثانية. والظاهر أن هذا المعطى الجديد لم يُغير من تصنيف «النهضة» على أنها خصم لدود للحكم، على رغم انضمامها منذ سنتين إلى ائتلاف علني شكلته أحزاب مدنية وتفاديها الإحتكاكات مع الحكم. ولوحظ أن السلطات باشرت في الفترة الأخيرة استخدام أسلوب الإحتواء في التعاطي مع الظاهرة الإسلامية بعدما كانت تُركز على الملاحقات الأمنية والمحاكمات. وأتت الخطوة الأولى في الإستراتيجية الجديدة مع إنشاء إذاعة القرآن الكريم التي أطلق عليها اسم «إذاعة الزيتونة» المقتبس من اسم أكبر مسجد في العاصمة تونس، والتي يملكها صخر الماطري صهر الرئيس بن علي. وقالت مصادر مطلعة إن هناك فكرة قيد الدرس في مراكز صنع القرار تتعلق باحتمال إنشاء حزب ديني معتدل ربما تُسند قيادته إلى مدير إذاعة «الزيتونة» كمال عمران. وهو أستاذ يُدرس الحضارة الإسلامية في الجامعة ولم تُعرف عنه نشاطات سياسية عدا تكليفه إدارة المحطات الإذاعية العمومية قبل نقله إلى إذاعة القرآن الكريم. وتؤكد مصادر مطلعة أن هناك تجاذبا داخل أوساط الحكم بين الإقدام على الترخيص لحزب ديني جديد، ربما يتزامن مع الترخيص ل»حزب اليسار الإشتراكي» الذي شكلته جماعة منشقة من «حزب العمال الشيوعي» (غير المرخص له)، والتحذير من كون «المغامرة» قد تقود إلى منزلق غير معلوم النتائج. ويستند أنصار الخيار الأول على نجاح التجربة الجزائرية مع مجتمع السلم «حمس» التي دُعي زعيمها أبو جرة سلطاني أخيرا للمشاركة في الندوة الدولية التي أقامها حزب التجمع الدستوري الديموقراطي الحاكم في تونس مطلع الأسبوع الجاري في العاصمة لمناسبة الذكرى العشرين لوصول الرئيس بن علي إلى سدة الرئاسة. وكان زعيمها الراحل محفوظ النحناح دُعي الى تونس أيضا في مناسبات سابقة. كذلك يستند المدافعون عن إنشاء حزب ديني على كون قانون الأحزاب لا يُجيز الترخيص سوى لحزب واحد عن كل تيار، لكنه يحظر في الوقت نفسه تشكيل أحزاب على أساس العرق أو الدين أو اللغة. وبعدما كان مُتوقعا إعلان تأسيس الحزب الجديد في السابع من الشهر الجاري، أرجئ القرار إلى وقت لاحق ربما للمزيد من «إنضاج الخطوة والتأني في درس استتباعاتها الداخلية والخارجية»، على ما قال مصدر مطلع.