استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    طبرقة: عميد المحامين يدعو وزارة العدل الى تفعيل إجراءات التقاضي الالكتروني    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    تعزيز جديد في صفوف الأهلي المصري خلال مواجهة الترجي    طبرقة: المؤتمر الدولي لعلوم الرياضة في دورته التاسعة    سوسة: وفاة طالبتين اختناقا بالغاز    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    أقسام ومعدّات حديثة بمستشفى القصرين    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    اليوم.. انقطاع الكهرباء بمناطق في هذه الولايات    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    يتضمن "تنازلات".. تفاصيل مقترح الإحتلال لوقف الحرب    اكتشاف أحد أقدم النجوم خارج مجرة درب التبانة    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    كلوب يعلق على المشادة الكلامية مع محمد صلاح    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية    وزير الخارجية يواصل سلسلة لقاءاته مع مسؤولين بالكامرون    وزير الثقافة الإيطالي: "نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس في مجال الثقافة والتراث    معرض تونس الدولي للكتاب : أمسية لتكريم ارواح شهداء غزة من الصحفيين    ''ربع سكان العالم'' يعانون من فقر الدم وتبعاته الخطيرة    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    تخص الحديقة الأثرية بروما وقصر الجم.. إمضاء اتفاقية توأمة بين وزارتي الثقافة التونسية و الايطالية    توزر.. مطالبة بحماية المدينة العتيقة وتنقيح مجلة حماية التراث    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    اعتماد خطة عمل مشتركة تونسية بريطانية في مجال التعليم العالي    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الثقافة الإيطالي    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    رئيس الفيفا يهنئ الترجي ع بمناسبة تاهله لمونديال الاندية 2025    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    رئيس الجمهورية قيس سعيّد.. المفسدون... إمّا يعيدون الأموال أو يحاسبهم القضاء    أخبار الملعب التونسي ..لا بديل عن الانتصار وتحذير للجمهور    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    وزير الفلاحة: "القطيع متاعنا تعب" [فيديو]    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    قفصة: ضبط الاستعدادات لحماية المحاصيل الزراعية من الحرائق خلال الصّيف    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    عميرة يؤكّد تواصل نقص الأدوية في الصيدليات    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحياة السياسية في تونس : بين الحركية و الركود...أي دور للأحزاب السياسية؟

يعرف المشهد السياسي في تونس حراكا حقيقيا تساهم فيه كافة الأحزاب السياسية كلّ من موقعه وكل حسب قراءته للوضع السياسي... ومع ذلك ثمة من مازال يعتبر "أنّ الركود هو الميزة الأساسية للمشهد السياسي في تونس" وأنّ أداء الأحزاب السياسية في تونس "مازال لم يرتق إلى مستوى الفعل المؤثر".
ويعتبر هؤلاء أنّ ملامح الحراك السياسي التي بدأت تظهر منذ مدة مردّها المحطات الانتخابية المقبلة.
"الوطن" طرحت وجهة النظر هذه على عدد من الناشطين السياسيين والإعلاميين وهم السادة:
المنصف الشابي (عضو المكتب السياسي للاتحاد الديمقراطي الوحدوي) وصالح عطية (كاتب وصحفي) وعبد الحميد المصباح (ناشط سياسي) والمنصف الشريقي (ناشط سياسي وحقوقي).
وكان من المفروض أن يشارك في هذا الملف السيد محمد القوماني (الحزب الديمقراطي التقدمي) والسيد حسين الماجري (عضو المكتب السياسي لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين) لكنهما اعتذرا في آخر لحظة لأسباب موضوعية.
قبل الخوض في توصيف المشهد السياسي التونسي الراهن أريد تقديم بعض الملاحظات العامة حول سير الحياة السياسية في بلادنا.
الملاحظة الأولى تتعلق بما يعتري صورة الساحة من تشويش يمنح حصر التموقعات الحقيقية للقوى السياسية وتحديد أحجامها بدقة واستقراء التفاعلات المحتملة في أفق الاستفهامات القادمة. وهذا التشويش يقوم أولا وبالذات على السياسيات الدعائية التي عادة ما تميل إلى المبالغة في التقييمات الذاتية وكذلك إلى المبالغة في تقييم الخصوم وتأسست على هذه الظاهرة ثقافة حزبية راسخة في الأنانية والنرجسية وعاجزة تماما رغم بعض مظاهر التلاقي على الارتقاء إلى أفق المطلب الوطني والمصلحة الوطنية وهذا الكلام يسري على الجميع دون استثناء وهو يتجسد بصورة واضحة في الخطاب السياسي لهذه القوى. فالحزب الحاكم مازالت أطرافه مترددة بين الانسجام مع خطابه الرسمي الداعي إلى التعددية باعتبارها إحدى آليات النهوض بالساحة السياسية وجعلها عنصرا فاعلا في أفق البناء الوطني وبين التشبث بنزعة الهيمنة على الحياة وتوظيف جميع الوسائل الرسمية والشعبية لغرض منع أي تغير في علاقة القوى داخل الساحة السياسية أو أي تطور قد يفضي إلى فرضية التداول على السلطة.
وللحقيقة يجب أن نقول بأن تطوير حزب بحجم التجمع الدستوري الديمقراطي يتطلب جهدا أو وقتا كبيرين وإن ذلك التطوير بحد ذاته أمر ضروري وأن السنوات الأخيرة شهدت استقطابا واضحا للقوى التي يحتوي عليها هذا الحزب مالت فيه كفة القوى الإصلاحية إلى انتصار على قوى الجذب إلى الخلف وهي مسألة محددة لمستقبل بلادنا وهناك إمكانية جدية لتسريع هذه التحولات الإيجابية التي تجعل من هذا الحزب طرفا سياسيا في التفاعلات الضرورية والممكنة للساحة السياسية التونسية.
أما مصدر التشويش الثاني فهو في بعض القوى التي تمارس خطابا لا يتناسب تماما وأحجامها الحقيقية وتطرح لقواعدها ولعموم التونسيين أهدافا لا تمت للمرحلة بصلة عادة ما تكون مطبوعة بطابع الذاتية وشيء من قصر النظر والروح الحزبية الضيقة.
وهي في أغلب الأحيان مدارس متقاربة الرؤى والمشارب إلى حد يعيه لكنها ترفض لأسباب تاريخية وأخرى شخصية أحيانا أن توحد صفوفها أو أنها تفشل في ذلك. قد يعزي الفشل أحيانا إلى عوامل خارجية.
إن هذه العقلية التي سوف أتعمد الامتناع عن وصفها بأية أوصاف سلبية تمثل عائقا كبيرا في سبيل توحيد ما أمكن توحيده من قوى شعبية قد تمثل قطب تجميع وفعل حقيقي يمثل لتونس القوة البديلة في فرضية التداول على السلطة.
وبمعنى آخر فإذا كان هذا التداول لا يمثل اليوم احتمالا جديا فالمسؤولية في ذلك تعود لطرفين بشكل أساسي أولهما القوى المغالبة في صفوف الحزب الحاكم والقوى "المصعدة" في صفوف المعارضة الوطنية.
ونعود الآن إلى المشهد السياسي لنقول بأنه يزداد تعقدا يوما بعد يوم ويتكسر فيه أمل التجميع على صخور الذاتيات المؤمنة والتحريكات الداخلية والخارجية التي لا تنجو منها أية ساحة سياسية في العالم.
فالحزب الحاكم يمثل رسميا تسعة أعشار التمثيل الرسمي وهو في الحياة اليومية للمواطن يمثل أكثر من ذلك بكثير لأنه يسعى من خلال امتلاكها تملكه للآلة ووسائل الدولة وتقمصه دورها في جوانب لا تحصى من حياة المجتمع إلى التأكيد أن لا أحد يقدر على القيام بهذه الأدوار سواه وهو ما يتنافى مع كل مذاهب التعددية والديمقراطية التين أصبحتا شعاره الرئيسي منذ تحول السابع من نوفمبر. وقد رفضت دوائره القيادية حتى اليوم ولأسباب معلومة جميع مبادرات الحوار من أجل التوصل إلى صيغ تعايش ومشاركة حقيقية في القرار والتسيير على نطاق وطني. أما الاستشارات التي تنظمها السلطة فهي تبدو أحيانا وكأنها مزعجة لبعض دوائر الحزب الحاكم لأنها تفتح الطريق لمشاركة أكبر لقوى المعارضة الوطنية في تسيير الشأن العام ويحدوني أمل كبير بأن ينعكس تغلب قوى الإصلاح على القوى المحافظة داخل الحزب الحاكم إيجابا على المشهد السياسي بالتوصل إلى صيغ حوارية تستند إلى العقل وإلى قوة الاقتراح أكثر من إسنادها إلى قوة العدد.
وفي جانب المعارضة هناك قوى جدية تعمل جاهدة على وضع مخططات ورؤى وطنية ناتجة عن قرارات عميقة للمتغيرات الدولية ولتطورات المحيط العربي والإسلامي والإفريقي وغيرها وهي تصيغ جميع مقترحاتها بوضوح كامل في وثائق وكتب وصحف لا ينكر أهميتها إلا المعتمدون رفض الحقيقة والخائفون من التطورات التي تنتظر بلادنا وتنتظرها بلادنا.
فكيف ينفي العاقل أن حركة الديمقراطيين الاشتراكيين وحزب الوحدة الشعبية وحركة التجديد والاتحاد الديمقراطي الوحدوي على سبيل المثال لا الحصر كلها قوى لا تملك بدائل ولا تقدر على تقديم الاقتراحات الوجيهة ولا تقوى على التعبئة الواسعة ومخاطبة الشعب التونسي بما يتوافق مع طموحاته الشرعية وأحلامه أو أن تتحمل مسؤولية المشاركة الفعلية في القرار الرسمي في أفق إصلاحي ضيعه ثلاثين سنة من نشأة بعض هذه الأحزاب تأسست نخبة سياسية جديدة معارضة ووطنية عريقة في التجربة والاقتدار لا يحق لأي كان أن يشكك في مصداقيتها أو أن يدعي بأنها عقيمة أو أن ينعتها بما تتلفظ به بعض رموز المشهد السياسي الوطني من الفاظ ونعوت مشينة إزاءها وقد أثبتت المناسبات الانتخابية الماضية حسن بصيرة قيادات هذه الأحزاب فاحتلت جزءا مما تستحق مجالس التمثيل الشعبي وهي اليوم تخوض معركة إعلاء صروحها وبنائها بوسائل متواضعة وهناك أيضا بعض القوى التي لا تفصلنا عنها سوى مسافات قصيرة في فهم القضايا الجوهرية كالالتزام الوطني والاختيار القومي وحتى الوحدوي. والأهداف السياسية المبنية على المطلب الديمقراطي والاجتماعية المطالبة بالتوزيع العادل لثمار الجهد الوطني والثروة الوطنية.
ونحن من جانبنا نفضل النظر إلى الساحة الشائعة التي تجمعنا وهذه القوى بالرغم من أنها تصر على التمسك ببعض نقاط الاختلاف والمبالغة في إبرازها منحا لسبل الحوار. فهذه القوى اختارت تكتيكا آخر للوضع القائم فأعلنت المواجهة. نافية عن النظام القائم وعلى الحزب الحاكم أية توجهات إصلاحية ورافضة الاعتراف بما تم إنجازه في بلادنا من إصلاحات عميقة استهدفت البنى والعقليات والثقافات مقدمة صورة سوداء عما نعيشه مستندة إلى بعض البؤر الراسبة من الماضي البائد وحالمة بوتائر نمو لا يقوى عليها سيرنا بحكم الجغرافيا والتاريخ وضعف الوسائل وإذا شاركناها الرأي بأن أخطاء عديدة ارتكبت فإن الوقت قد حان لأن تنظر بجد إلى ما تحقق ونبحث عن سبل اللحاق بالركب وهو يسير لا أن نمعن في الخطأ والشتيمة لأن ذلك لن يحل مشاكلها ولن يعوضها عن شيء مما خسرته من وقت ومن فرص حضور ومساهمة حقيقية في صناعة المشهد الوطني التونسي ولا أستثني هنا القوى التي لم تتحصل على تأشيرة العمل القانوني فرغم اعترافي لها بأدوارها التاريخية والحالية ورغم اعتقادي أن لها الحق بأن تعمل في إطار القانون وبكل أريحية إلا أنني لا أعتقد أنها ستضيف شيئا كبيرا للمشهد السياسي الوطني إذا استثنينا مجموعة تونس الخضراء التي تحمل مشروعا حقيقيا حضاريا وسياسيا وبالمحصلة فإني أعتقد أننا نسير في اتجاه الاستحقاقات القادمة بصفوف متفرقة وقد يكون ذلك مفيدا في المدى المتوسط كما أنه سوف يكون من المفيد جدا أن تعطي الفرصة للقوى المحرومة من تأشيرة العمل القانوني بأن تنزل بصورة فعلية إلى ساحات الصراع السياسي حتى نتبين حجمها الحقيقي وتحتل ما يحق لها أن تحتله مساحة في المشهد السياسي الوطني لا أن تكون حوانيت مغلقة لا يعلم محتواها إلا الله.
ولكن التمشي الوطني يفرض علينا جميعا أن يرتقي في هذا المشهد السياسي إلى توجيه قواه لأننا بلد صغير لا يتحمل تشتت القوى الفاعلة فيه ولا يتحمل تصور الصراعات إلى أبعد من حدود معلومة ومتحكم فيها بصورة واضحة وصارمة إن لزم الأمر لأن الانزلاق نحو المجهول والذي نلاحظ تطوراته الخطيرة في عديد الأقطار العربية هو أمر سهل أما الخروج منه إلى النور فهو ما لا يضمنه أحد وليس لبنان الشقيق وعراق الدماء والدموع وصومال التمزق والاندثار سوى أمثلة صارخة على ذلك.
بقي أن نقول إن مسألة اللجوء إلى شهادة الأجنبي على أوضاعنا الداخلية والاستناد إليه في مواجهة السلطة وفتح الأبواب أمامه ليكون حاضرا في أهم أحداثنا الوطنية فكلها مسائل مرفوضة ونحن نختار أن نرد عليها بالنصيحة لا بالتنديد والشتيمة يجب أن يتوقف العمل بهذه الأساليب وأن ننظر إلى بعضنا نضرة بناءة فإذا كنت اختلف عنك فخذ مني ما تراه صالحا وإذا كنت ترى أنني لا أصلح لشيء فلعل نظرك هو الذي يحتاج إلى الإصلاح والمراجعة. فأصلحه وراجعه اعتبارا بتجارب الأسبقين الآخرين وحتى الأجنبيين الذين أتقنوا فن التوحد وتخطي العقبات الذاتية.
أما النقطة الاخيرة التي أود الحديث عنها فهي تتعلق بالتيار الإسلامي وهو يطرح عندي إشكالا كبيرا جدا. فأنا مسلم والناس كلهم في بلدي مسلمون فما الذي يميز الغير عني في الدفاع عن الإسلام في بلد مرجعيته الإسلامية واضحة في قوانيينه وفي حياته اليومية وحتى في هندسته المعمارية أم أن البعض يريدون استمالة العواطف سبيلا لاعتلاء سدة الحكم.
إني لا أمانع من أن يشمل الحوار الوطني من يمثلون هذا التيار حتى لا يشعروا بالغبن ولا يتمترسوا في قناعات وأساليب عمل لا تمت بشيء إلى المصلحة الوطنية ولكنني قلت في أكثر من مناسبة وأعيد القول أن لهذا الحوار شروطا أولها أن تكون أوراقه مكشوفة وأن يكون الالتزام بنتائجه كاملا وليعلم من أراد ذلك إننا لا نتأخر في أحزابنا وفي اجتماعاتها ومؤتمراتها وعلى أعمدة صحفها عن واجب الدفاع عن الدين الإسلامي الحنيف أيمانا واختيارا لا قصرا وعنوة كما تفرض الديانات والمظاهر الدينية في ما يحيط بنا من عوالم عصيبة ومتقلبة.
تلك هي بعض ملاحظات الشريعة حول توظيف المشهد السياسي في تونس وبعض الآراء الخاصة بآداء القوى السياسية (وليس الأحزاب) اعتقادا منا بأن القراءة العامة تهيئ لقراءات خصوصية ربما تتوفر لنا فرصة قادمة للخوض فيها.
ليس بوسع أي مراقب نزيه للوضع السياسي، أن يتحدث عن وجود ركود سياسي في البلاد، على العكس من ذلك تماما، ثمة حراك واضح، يطفو حينا ويخبو حينا آخر، لكنه حراك موجود ولافت أيضا ... الأمر يتوقف عند مفهوم " الركود"، فإذا كنا نقصد بذلك وجود مأزق في العلاقة بين السلطة وأحزاب المعارضة، أو بعض مكونات الساحة السياسية، فهذا ما لا يمكن إنكاره، بل إن السمة المميزة للسنوات الثلاث الماضية، هي الركود في هذا الاتجاه نتيجة غياب أي علاقة أو أية آلية حوار جادة وفعالة بين السلطة والأحزاب السياسية المعترف بها، أما إذا كان المقصود بالركود عدم وجود أي نشاط أو فعل سياسي لأحزاب المعارضة، فهذا تقييم غير دقيق، فهناك فعاليات وحراك في جميع الأحزاب تقريبا، وإن بدرجات متفاوتة، فثمة اجتماعات وندوات وموائد مستديرة إلى جانب صدور بيانات ومواقف من قضايا وطنية وعربية ودولية، بل إن المشهد السياسي عرف خلال السنوات القليلة الماضية تشكل تحالفات هنا وهناك، ومشاورات ثنائية وثلاثية وفعاليات سياسية وفكرية مشتركة، وهو ما يعني أن موضوع الركود في المشهد السياسي، لا معنى له في هذا السياق.
الجدير بالذكر والمثير للانتباه في المشهد السياسي الوطني، هو حالة الاستقطاب الثنائي الموجودة بين الحزب الحاكم / السلطة، وتحالف 18 أكتوبر/ الحزب الديمقراطي التقدمي، وهو استقطاب زاد في إضعاف عدد من الأحزاب المكونة للمشهد السياسي، خصوصا تلك التي اصطبغت مواقفها بالتردد أو الديماغوجية السياسية أو الانتهازية، تحت عنوان جذاب : "الموالاة" ... وهو وضع تسبب في نوع من الخلل في المشهد الحزبي، على الرغم من وجود بعض الأحزاب من خارج تحالف 18 أكتوبر، التي شكلت لنفسها خطابا مغايرا ومواقف جادة، أقرب للاعتدال والوسطية، منه لنوع من الاصطفاف خلف أحد طرفي الاستقطاب، أو ادعاء نوع من الحياد والاستقلالية المزعومة، ومن بين هذه الأحزاب على وجه التحديد، حركة الديمقراطيين الاشتراكيين والاتحاد الديمقراطي الوحدوي اللذين يعرفان نوعا من التمايز عن باقي الكائنات الحزبية الأخرى...
من هنا، فالحديث عن الركود، يصبح حديثا بلا جدوى سياسية، اللهم إلا إذا كان المقصود، حصول شغب ومعارك وصراعات كدليل على عدم وجود ركود في حياتنا السياسية، وهذه – في الحقيقة – من الأمور التي لم تعد مؤشرا لوضع سياسي صحي حتى في التجارب الديمقراطية ذاتها.
وضعنا السياسي حينئذ في حراك، لكنه حراك بطيء بسبب أمرين اثنين :
· ضعف بعض الأحزاب من الناحية التنظيمية والهيكلية، ومن جهة شعبيتها وتأثيرها الاجتماعي والسياسي...
· استمرار السلطة في التعاطي غير السياسي مع الوضع السياسي، بذرائع مختلفة، على غرار الحفاظ على الاستقرار ومكافحة الإرهاب ومقاومة ما يوصف ب
" النزعات الميّالة إلى التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية" ... وهي ذرائع مفهومة لكنها لا يمكن أن تفسر التضخم في مستوى المعالجة الأمنية لملفات سياسية بالأساس ...
وعلى هذا الأساس، فالمشهد السياسي يبقى بحاجة إلى توفر جملة من العناصر لمزيد تفعيله، خصوصا مع اقتراب الاستحقاقات الرئاسية المقبلة، ومن بين هذه العناصر :
1- مزيد انفتاح الإعلام الوطني، المستقل والمعارض، على الرأي والرأي الآخر، بعيدا عن أية وصاية أو انتقاء...
2- دخول الحزب الحاكم ( التجمع الدستوري الديمقراطي) على خط التجاذب والمماحكة السياسية مع بقية الأحزاب الموجودة، بعيدا عن أي تعال، ربما أضر استراتيجيا بالمشهد السياسي، سيما وأن التجمع الدستوري، يتوفر على خبرة ضخمة وتجربة جد ثرية، وبإمكانه إدارة اللعبة السياسية بشكل شفاف وواضح وبأكثر فعالية ...
3- تطوير القوانين المنظمة للحياة السياسية بشكل يسمح بتعددية حزبية أكثر فعالية...
4- فتح المشهد الإعلامي ( السمعي والبصري)، لمختلف التعبيرات الحزبية القانونية بعيدا عن أي إقصاء أو حسابات سياسوية..
5- إيجاد آلية حوار وطني بين جميع مكونات الساحة السياسية على أجندة واضحة، بينها تطوير المشهد السياسي نحو مزيد من " لبر لته" في جميع الجوانب، الإعلامية والقانونية والسياسية .. في مقابل رفض " العكاز الخارجي" تحت أي مبرر أو ذريعة...
وفيما يتعلق بأداء الأحزاب، فهو يخضع لعدة عوامل ومعطيات منها حجم الحزب ومرجعيته ومدى شعبيته واصطفافه الإيديولوجي أو السياسي، إلى جانب الدور الذي حدده لنفسه في المشهد الوطني، والأجندة التي ضبطها لتحركه، بالإضافة إلى علاقته بالسلطة ... من هنا يمكن " تصنيف" أداء الأحزاب على النحو التالي :
- حزب حاكم قوي، ومهيمن سياسيا وشعبيا على المشهد السياسي.
- أحزاب تقف على طرف نقيض مع التجمع الدستوري، شعارها إعادة النظر في قواعد اللعبة السياسية بالبلاد، عبر نوع من القطيعة مع الحكومة، وأجندة مطالب تقفز على الواقع السياسي باتجاه التأسيس لمنظومة قوانين وعلاقات وشروط فعل سياسي مغاير، لكنها أجندة تبدو طوباوية في بعض مكوناتها وحيثياتها ..
- أحزاب تحرص على أن تمسك العصا من وسطها، بشيء من البراغماتية، وبعيدا عن أي ارتماءه ضمن هذا الفريق أو ذاك، على الرغم من نعتها ب " الموالاة"...
- أحزاب تبدو هويتها شديدة الارتباط بالسلطة، وتحرك ضمن أفق محدد، وفي سياق " ميكانيزم"، هي نتاج له ورقم فيه وليست لاعبا يتوفر على هامش من الاستقلالية في القرارات والمواقف والتحركات ... أحزاب هي جزء من أزمة المشهد السياسي، ولا يمكن أن تكون طرفا فاعلا في تحريكه ...
وفي خصوص الاستحقاقات الرئاسية والتشريعية القادمة
- في الحقيقة ثمة تصوران للاستحقاقات الانتخابية القادمة ... تصور ينطلق من رؤية إصلاحية، تعتبر أن تعديل القانون الانتخابي، واعتماد القائمات بالنسبية بدل الأغلبية ، وتقليص عدد الدوائر الانتخابية وضبط مكاتب الاقتراع بحيث تسمح بتوفير " رقباء" من أحزاب المعارضة، وفتح الانتخابات الرئاسية لترشحات عديدة وغير محسوبة، واعتماد نوع من الشفافية والنزاهة في العملية الانتخابية، كل ذلك يمكن أن يجعل من الاستحقاقات الانتخابية القادمة، المقررة في خريف العام 2009، موعدا يؤسس لمرحلة سياسية في البلاد، يمكن أن تؤدي لاحقا إلى التداول على الحكم.
- وثمة تصور ثان، يجعل من محطة 2009، المبتدأ والمنتهى للوضع السياسي، فهي إما أن تفتح باب التداول على الحكم، وفقا لشروط وآليات وقواعد لعبة جديدة تقطع مع الأسلوب الممارس حاليا، وإما أن تكون مجرد موعد انتخابي قانوني، تجري بواسطته إعادة إنتاج نفس المشهد السياسي بمكوناته وثقافته وتحالفاته وتوازناته.
- أضف إلى ذلك، فإن مشروع القانون الانتخابي" الاستثنائي" الذي يجري إعداده صلب الحكومة بخصوص شروط الترشح للانتخابات الرئاسية والتشريعية، سيكون محددا للمحطة الانتخابية القادمة، سواء باتجاه تفعيلها وجعلها موعدا مهما لجهة تحقيق " انتقال ديمقراطي حقيقي" – كما يوصف من قبل عديد الفعاليات السياسية – أو باتجاه استمرار نفس الشروط الراهنة، وبالتالي الإبقاء على المشهد الحالي بمكونات وموازين القوى فيه وخطابه وعلاقاته وتحالفاته...
- شخصيا وبحسب المؤشرات المتوفرة حاليا، لا أتوقع فرزا جديدا للمشهد السياسي، قد يحصل حراك انتخابي موزع بين مشروع وغير مشروع، وقد تبرز بعض الأحزاب بحسن إعدادها التنظيمي والهيكلي لهذه الاستحقاقات، بشكل يسمح لها بأن تكون أكثر فعالية خلال مرحلة ما بعد الانتخابات.. لكن أن ينتج الموعد الانتخابي القادم، تغيرا في المشهد الحزبي، فذلك من المستبعد، لأن الأمور مرتبطة بمدى النضج الحاصل صلب الحكومة و "حزب الأغلبية" و"المعارضة الراديكالية" و" معارضة الموالاة" والتيار الوسطي في المشهد السياسي...
عبد الحميد مصباح (ناشط سياسي)
الاختلاف في وجهات النظر دليل على وجود فعل سياسي يستوجب التقييم
تسارعت خلال المدة القليلة الماضية وتيرة الجدل حول موضوع تقييم الوضع السياسي على الصعيد الوطني/الداخلي ارتباطا بما شهدته وتشهده الساحة السياسية من حراك وتجاذب تباينت فيه وجهات النظر بين مختلف المتابعين والمراقبين.
مشهد سياسي ديناميكي
من المهم الإشارة في البداية إلى أن حالة الحراك التي يعرفها مسرح الجدل السياسي في تونس، تعتبر علامة صحية وشهادة سلامة بالنسبة للمسار السياسي، ذلك أن اختلاف وجهات النظر وحتى تباينها يقيم الدليل على وجود فعل سياسي يستوجب التقييم. ووجود مناخ سياسي ديمقراطي يوفر إمكانات الإجهار الحر بالتقييم.
فالإقرار العلني والصريح بوجود مناخ سياسي منغلق. إقرار يحمل في ذاته دعائم دحضه، ذلك أن من التوابع الأصلية للمشهد السياسي المنغلق عدم القدرة على الإجهار بالقول بانغلاقه.
ولقد كان للقرارات الرئاسية الأخيرة، المعلنة بمناسبة عشرينية التحول دور مهم في مزيد تكريس البناء الديمقراطي التعددي، ومزيد الدفع بإسهام القوى الوطنية المعارضة في رسم ملامح مجتمع الغد.
هذه القرارات التي نحن على يقين من أنها ستتبع بأخرى سائرة في نفس الاتجاه خاصة مع ما عرف عن الأنموذج التونسي في التسيير السياسي من سير مندرج ومتناسق نحو الأمام.
في ذات السياق، من الواجب الانتباه إلى أن القوى والحساسيات والأحزاب الوطنية المؤمنة بالخيار الديمقراطي التعددي مطالبة اليوم بأن تتحمل مسؤولياتها في حماية مشروعها المجتمعي، وتحصين المكتسبات الحضارية التي ضحى من أجلها أجيال من التونسيين على مر تاريخ تونس الحديث والمعاصر.
وكقوة وطنية معارضة فإننا نؤمن بأن إمكانات مزيد تعهد الوضع السياسي بالإصلاح مسألة ممكنة بل ومتأكدة، بالنظر إلى أهمية الإصلاح السياسي والانفتاح على المختلف في ديمومة استقرار المجتمعات وبالنظر إلى تسارع انساق التحولات وما يستوجبه ذلك من تسريع في نسق الإصلاحات.
في مقولة معارضة الموالاة
بداية فإن مصطلح "الموالاة" يعتبر مصطلحا غربيا عن توصيفات الساحة السياسية في تونس إلى مدة زمنية قريبة، وهو توصيف مستورد نزع من سياقه السياسي والحضاري الأصلي ليتم إسقاطه على مشهد سياسي تونسي لا يمت بأي صلة للواقع الأصلي الذي نشأ فيه التوصيف من حيث الخصائص "الأثنية"/الطائفية. ومن حيث مركزية وفاعلية السلطة السياسية ومن حيث استقلالية القرار الوطني ومن حيث وجود تقاليد للتعايش السياسي بين الاختلافات.
والأصل في الأمور أن المعارضة لا يمكن أن تكون موالية للسلطة أو للحزب المظطلع بالحكم. لأن ذلك من شأنه أن ينزع عنها الخاصية الأصل لوجودها والأداة الرئيسية لفعلها وتأثيرها السياسي.
ومقابل ذلك فإن المعارضة لا تعني العدائية "تجاه السلطة" "والقطيعة السياسية والتنظيمية" مع هياكل الدولة والسعي المتواصل لإيجاد مرتكزات توتير للساحة السياسية سواء بالافتعال أو بالتضخيم، واستغلال الثقة المهتزة نسبيا من طرف مجموعة كبيرة من التونسيين في إعلامنا الوطني لتمرير بذور التفرقة والتشكيك سواء في سلامة المسار السياسي أو في مناعة النسيج المجتمعي.
فالشرط الأصلي لممارسة المعارضة، بل للممارسة السياسية على العموم، سواء من موقع السلطة أو من موقع المعارضة هو "الولاء المفرد لتونس". وهو الشرط الذي ستتحدد به وانطلاقا منه كل السلوكات الآتية، فكل ممارسة سياسية في نظرنا تظل مشروطة بوجوب انصهارها ضمن هذا السياق الأصل وبالتالي فإن تقييمها يجب أن يكون مستندا إلى قاعدة عامة أصلية وهي مدى الاندراج من ثابت "الولاء للوطن مفردا".
وبالتالي إن في اشتراط قاعدة "الولاء للوطن" كشرط أساسي للتفاعل بين القوى السايسية من شأنه من حيث المبدأ أن يوسع في نطاق الاشتراط لكن ذلك وللأسف قد يجعل النطاق أكثر ضيقا بالنسبة إلى البعض.
ومن هذا المنطلق، فإننا لا نرى اعوجاجا في مشهد سياسي أساسه سلطة سياسية ومعارضة وفاقية، طالما كانت السلطة السياسية سلطة وطنية. وطالما كانت وفاقية المعارضة مؤسسة على المبدئيّة .
وأعتقد أنه ليس من الصعب الانتباه إلى أنّ ما يوصف اليوم "بأحزاب الموالاة" كانت الأكثر انتظاما وانسجاما ومبدئية في مواقفها. فقد اختارت (اختيار حر) أن تنظم للمشروع السياسي الوليد الذي تأسس مع التحول فساندته كما سانده الجميع تقريبا. وأمضت الميثاق الوطني الذي عصفت به بعد قوى التظليم وظل خطابها ثابتا كما ظلت مواقعها ثابتة نسبيا من مختلف القضايا وطنيا وإقليميا ودوليا.
إن كثيرا من موردي شعار الموالاة وحتى تخليهم عنها (الموالاة) انتقالهم إلى الراديكالية مازلنا إلى اليوم في انتظار الاطلاع على المرتكزات النظرية الإيديولوجية والمفهومية لهذا التحول.
وفي هذا السياق فمن المهم التساؤل" أي من هذين المشهدين يصح نعته بالغريب؟
مشهد أول تؤثثه سلطة سياسية ساعية لاستقلال قرارها الوطني مؤمنة بالمدنية والحداثة جادة في اتجاهها نحو تكريس الديمقراطية والتعددية ومعارضة وفاقية مدنية التوجه حداثية التصور ديمقراطية البرامج؟
أم المشهد الثاني وشخوصه تحالف بين يسار حداثي، علماني، مدني... ويمين من منظوره أن الديمقراطية بدعة والعلمانية كفر والتحديث إحداث (الإحداث مخالفة السلف).
المنصف الشريقي (ناشط سياسي وحقوقي)
من أجل فتح أفق للتنمية سياسية حقيقية
يشهد الوضع السياسي حراكا يبدو مرتبطا باستحقاقات 2009 ولكنه أعمق بكثير من ذلك فالمشهد السياسي ومنذ 2004 على الأقل، شهد تغييرا ملحوظا.
فمن جهة السلطة وبعد مرحلة من تشنج العلاقة بينها وبين بعض أحزاب المعارضة القانونية ومنظمات المجتمع المدني المستقلة، لاحظنا أن هذا التشنج بدأ يهدأ قليلا وأخلى مكانه لبعض محاولات المعالجة السياسية وفي هذا الإطار تندرج المساعي لفض ملف الرابطة التونسية لحقوق الإنسان والسماح بعقد مؤتمرات حزبي التجديد والديمقراطي التقدمي وفض إضراب نجيب الشابي كما أن أحزاب المعارضة تصدر جرائدها وتنتقد السلطة كل من موقعه كما أصبحنا نسمع ونقرأ عن وعود للسلطة بتنقية الحياة السياسية لا سيما بعد أحداث سليمان التي أقنعت أن الإجراءات الأمنية على نجاعتها غير كافية. وأيضا بمناسبة الاستعداد لاستحقاق 2009.
ولكن والحق يقال فإن التشنج مازال يطبع معالجة بعض الملفات والحراك لم تسفر عنه إجراءات عملية إلى حد الآن.
ومن جهة المعارضة فإن الحراك فيها قد أفضى إلى تغيير الاستقطابات التي عرفناها في 2004. ويمكن القول أن المشهد يمتاز ببداية تشكل قطب للأحزاب المتحالفة مع السلطة. وهي ترى أن بتحالفها ذاك يمكن أن تساهم في تنمية الحياة السياسية ولكن فعلها مازال لم يثمر ما يؤكد منهجها ويضفي عليه المصداقية.
أما قطب 18/10 فهو مولود جديد ما إن تأسس حتى شق صف الحركة الديمقراطية والتقدمية. بل لعل مكوناته حاولوا ذلك حتى قبل التشكل حين لم يساندوا مرشح المبادرة الديمقراطية في رئاسية 2004 السيد محمد علي الحلواني بل اعتبروه "مرشحا علي القياس"!
لقد فرضت مكونات 18/10 إضراب الجوع بمناسبة قمة المعلومات وفاجأتنا بتأسيس هيأتها ومنتداها، وتضم ليبراليين ويساريين وإسلاميين وتطورت من "وحدة عمل" حول ثلاثة مطالب للحريات إلى تحالف دائم حول مطالب سياسية. وهذا التحالف إنما يندرج ضمن تصور أمريكي أوروبي لتقديم الإسلام المعتدل "كجزء من الحركة الديمقراطية بعد الإفراج عن مناضلين وتمكينهم من مكان في الواقع السياسي.
وقد أراد أن يظهر كتحالف معارضة راديكالية ولكن ذلك لم يتجاوز الشعارات وطرق العمل الفردية البطولية الاستفزازية.
وقد تقدم منه مرشح الحزب الديمقراطي التقدمي برئاسية 2009 السيد أحمد نجيب الشابي دون سابق إعلام ودون نقاش حتى مع حلفائه وذلك لوضع الجميع أمام الأمر الواقع مثلما وضعهم في إضراب الجوع.
ولكن "الزعيم" أحمد نجيب الشابي استفاد من الدعم الأمريكي الأوروبي ممن يعتبرهم "أصدقاء الحرية وأصدقاء تونس"! ومن هيئة 18/10 ليتقدم لرئاسية 2009 ببرنامج ليبرالي ويميني وشعبوي وفي إطار ما يطرحه داعموه من القوى الهيمنية، من ضرورة إيجاد حركية بمناسبة الانتخابات 2009.
أما المبادرة الديمقراطية التي تأسست بمناسبة انتخابات 2004 فهي تمثل جبهة سياسية انتخابية أرادت أن تكون معبرا عن الحركة الديمقراطية في مستوى البرنامج والهدف وطرق العمل الجماهرية فجلبت إليها طيفا عريضا من الحركة الديمقراطية والتقدمية. ولكن ما إن خطت الانتخابات رحالها حتى تعثرت المبادرة لما أرادت أن تكون نواة القطب الديمقراطي الدائم المبادرة/الإتلاف. ثم تعطل المسار لما دخل التجديد في تحضير مؤتمره... ومنذ انتهائه لم تقدر مكونات المبادرة/الإتلاف على التقدم وهي تناقض قضايا تمس تشخيص الوضع السياسي ونوعية التحالف وأهدافه وبرامجه ولربما تثمر حراكا فعالا نسبيا.
ولا يمكننا أن نغفل فاعلين جديدين في المشهد السياسي والذين أصبح لهما تأثير ملموس في الحياة السياسية.
أولهما القنوات الخليجية الظلامية التي أصبحت من القوة بمكان بحيث أحدثت ردة فكرية في مجتمعنا وهذا انعكس حتى على الأحزاب والشخصيات ولو بدرجات.
أما الفاعل السياسي الثاني فهي السفارة الأمريكية والتي أصبحت "تتدخل في شأن البلاد الخاص دون تورع ماسة السيادة الوطنية". وأصبح عديد الوجوه من 18/10 وغيرهم يحجون إليها لكي يتناولوا أوضاع البلاد بالنقاش والتقييم! ولكن المتحمسين لهذا المسار الغريب عن الحركة الديمقراطية والتقدمية قد أصابهم الإحباط بعد أن عرفوا أن البلدان الأقوى في العالم إنما تقف في صف السلطة القائمة بعدما أنجزته من مشاريع استثمارية أجنبية جبارة ومن مقاومة فعالة للإرهاب!
وإذا كان ميزان القوى تراجع للسلطة اليوم فإنه يزيدها مسؤولية في تمثل الوضع وربطه بالمحيط الدولي لإيجاد الإجراءات السياسية الكفيلة بتنمية الحياة السياسية بالفعل لتحصين البلاد والعباد.
إن لمّ الحركة الديمقراطية أمر صعب اليوم ولكنه ليس مستحيلا. فالمهمة هي تجميع كل القوى الديمقراطية والتقدمية المؤمنة بنمط الحكم الجمهوري تحسبا لأعدائه وخاصة من الإسلاميين ممن يطرحون بديلا فاشيا متخلفا بالدين ويتسلون إلى الحركة الديمقراطية عن طريق 18/10 والفضائيات السوداء والانترنت... ويلقون الدعم الأمريكي والأوروبي والرجعي العربي.
تجميع كل القوى الديمقراطية والتقدمية المؤمنة بضرورة إصلاح النظام السياسي وفتح باب المشاركة للأحزاب المدنية وذلك من أجل دعم العلمانية: بتحرير الحياة السياسية وتحرير الدين من أي توضيف وتفعيل المؤسسات...
تجميع كل القوى الديمقراطية والتقدمية المناهضة للإمبريالية والصهيونية والرافضة للبدائل التي تحاك في السفارات وعن طريق الشبكات الدولية.
تجميع القوى الديمقراطية والتقدمية المؤمنة بالجمهورية الديمقراطية كبديل حد أدنى وببرنامج للحريات.
ونحن نرى أنه في الإمكان إدراج هذا البرنامج وهذه الأهداف ضمن حركيته وبمناسبة انتخابات 2009 ولكن من الضروري أن تتجمع كل القوى الديمقراطية والتقدمية حول خطة عمل مباشرة تهدف إلى التقدم بمقترح إجراءات ملموسة تسهل الترشح للرئاسة ومجلس النواب والبلديات وتوفر الحد الأدنى من الضمانات لإجراء انتخابات ديمقراطية وشفافة تليق بتونس التي سوف تكون محط أنظار العالم سنة 2009.
ورغم الاضطراب الذي أحدثه السيد أحمد نجيب الشابي بترشحه المسقط والمتسرع إلا أنه من الضروري تجاوزه لأنه لا يمثل الديمقراطية ولا السيادة الوطنية ونحن ندعو كل القوى المؤمنة بالديمقراطية والتقدمية إلى الالتفاف حول أرضية ديمقراطية دنيا هدفها توفير ظروف مناسبة للمشاركة في الانتخابات المقبلة علها تعطي بصيصا من الأمل وتجمع أبناء الوطن المؤمنين بقيم الجمهورية الديمقراطية حتى يحصنون بلادهم ضد التعصب والجمود والتخلف ضد العمالة والاستبداد والإرهاب فيفتحون أفقا لتنمية سياسية حقيقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.