بينما كان ياسر عرفات، الزعيم الفلسطيني يرقد محتضراً في أحد مستشفيات باريس في تشرين الثاني عام 2004، قيل لزوجته السيدة سهى أن تستمر في التحدث إليه، وكان ذلك آخر أمل في إخراجه من غيبوبته. في الأسبوع الماضي، وفي أول مقابلة أجريت معها منذ وفاته، قالت سهى: "تحدثت إليه آنذاك عن الأشياء التي كان يكبرها أكثر ما يكون.. فلسطين، القدس .. طفولته ووالدته. وكنا نسمعه الآيات التي يحبها من القرآن الكريم أيضاً، لكنه لم يستعد وعيه أبداً". وضعها مرض عرفات في بقعة ضوء قاسية، حيث زعمت التقارير بأنها كانت تماحك فيما يتعلق ببنود وصية ما، وتضغط على المسؤولين الفلسطينيين من اجل منحها ملايين الدولارات لتواصل أسلوب حياتها الذي كان يعتقد بأنه مترف بعد رحيل زوجها. وتقول سهى عن ذلك: "لقد كانت تلك أسوأ أيام حياتي". وتعيش سهى حالياً بهدوء في مالطا مع والدتها وكريمتها زهوة البالغة من العمر 12 عاما. وتقول إن عرفات لم يترك وصية ولا أملاكاً ولا ملايين. ووفق ما تقوله سهى البالغة من العمر 44 سنة، فإنها تتلقى مخصصات من السلطة الفلسطينية تبلغ 10.000 دولار شهرياً (5000 جنيه استرليني)، وهو مبلغ كبير بالنسبة للعديد من الفلسطينيين، لكنه بعيد كل البعد عن الأرقام المبالغ فيها التي جرى الحديث عنها عشية وفاته. تقول سهى: "لم أكن أفرق بين الليل والنهار، وغالبا ما كنت اعتقد بأن ما كان يدور من حولي ليس سوى كابوس، وبأنني سأفيق لاكتشف انه لم يكن حقيقة". وبموجب القانون الفرنسي فإن الأطباء يقدمون المعلومات الطبية إلى الشخص الأقرب صلة من المريض، ولذلك اتهمت السيدة سهى عرفات بوضع العالم في الظلام فيما يتعلق بصحة زوجها الذي يعتبر أسطورة في عيون أبناء شعبه. كان عرفات قد تداعى مريضا خلال أحد الاجتماعات، ووصف اطباؤه الفلسطينيون في حينه حالته بأنها إصابة بالإنفلونزا، ثم تحول التشخيص إلى تسمم غذائي. وسرعان ما قدم أطباء لعلاجه من تونس والأردن ومصر، ولم يستطيعوا فعل شيء إلى أن تم نقله إلى مستشفى عسكري فرنسي في ضواحي باريس. وقالت سهى: "لم أرد أن امرر الكثير من المعلومات إلى العالم بغية حماية زوجي ومن أجل محاولة اكتشاف سبب مرضه". وكان الزعيم عرفات قد أمضى ثلاث سنوات تحت حصار الجيش الإسرائيلي لمكان إقامته في مقره الرئاسي -المقاطعة- في رام الله. ويسود اعتقاد في أوساط أتباعه بأن العدو قد تمكن من دس السم له في الطعام، وقد شجع الصمت الذي التزمت به باريس على تأكيد ذلك الاعتقاد، سيما وان الأطباء الفرنسيين وقفوا عاجزين عن علاجه من الاختلال الدموي النادر الذي أودى بحياته قبل ثلاث سنوات. بدون تردد، أجابت سهى عن سؤال حول ما إذا كان عرفات قد تعرض للاغتيال، فقالت: "لقد قضى زوجي شهيداً.. لقد كان هناك شيء ما هناك، لكن التقارير الطبية لم تكن قطعية على الإطلاق. إنهم لم يستطيعوا أن يتوصلوا إلى دليل دامغ وحسب، ولا اعتقد بأننا سنتمكن يوما ما من سبر غور ذلك". اما فيما يخص "استشهادها" هي في وسائل الإعلام، فقد كانت إجابتها فلسفية. وقالت: "هذا هو كل شيء عن ياسر عرفات الذي كان له الكثير من الأعداء المعروفين. إن هذا هو ما أدعوه اغتيال الشخصية". وأضافت: "إن مهاجمة زوجته وعائلته كان يضر به شخصيا ومباشرة، ولهذا قاموا بذلك... بل إنهم فبركوا شائعات عن صحة ابنتي –حيث زُعم بأنها كانت تعاني من اللوكيميا". كانت سهى قد اتهمت بأنها تعيش حياة مترفة في باريس في الوقت الذي استبسل فيه عرفات أمام الحصار الإسرائيلي لمقره في مدينة رام الله في الضفة الغربية. وقد أشيع عنها أنها تمتلك عقارات في العاصمة الفرنسية، وأنها كانت تقضي وقتها في التسوق برفقة زوجة البليونير وتاجر الأسلحة السعودي عدنان خاشقجي وشقيقة العاهل المغربي. ولم يكن أي شيء من هذا القبيل صحيحاً، كما تقول. وأضافت: "كنت قد قابلت السيدة خاشقجي مرة واحدة، ولم أذهب للتسوق برفقتها أبداً، ولا أمتلك أي عقارات من أي نوع كان. وشقتي المستأجرة في باريس هي في بناية قديمة وعادية". عاشت سهى وعائلتها لأكثر من ثلاث سنوات في تونس. لكنها جردت من مواطنيتها في آب- أغسطس الماضي بسبب خلاف بدا وأنه مع زوجة الرئيس التونسي حول تأسيس مدرسة. وقد ضحكت سهى من الإشاعات التي أفادت بأن تلك المشاكل كانت لها صلة بخططها للزواج من شقيق سيدة تونس الأولى. وقالت: "ليست هناك ولا شذرة من الحقيقة في ذلك"، مشيرة الى ان الاشياء الشخصية، بما في ذلك أوراق زوجها قد "صودرت" من جانب السلطات في تونس، وقالت "ونحن نأمل بأن نتمكن من استعادتها قريبا". تحدثت سهى عرفات بحزن عن أول اجتماع ضمها ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1985، وقالت: "لقد زرته برفقة والدتي وأخواتي. كنت في الثانية والعشرين من العمر وكان هو في منتصف الخمسينات. لقد كان الزعيم الذي وضع القضية الفلسطينية على خارطة العالم. وكانت سهى، وهي ابنة مصرفي وكاتبة قد أمضت طفولتها في الضفة الغربية. ودرست في مدرسة مسيحية كاثوليكية قبل أن تنخرط في جامعة السوربون، حيث تخرجت منها عام 1986 متخصصة في العلوم السياسية واللغويات. في لقاء لاحق مع عرفات اكتشفت انه احتفظ بصورة فوتوغرافية لها. وأضافت: "لقد قال لي إنه أحبني من أول مرة، وأغمض عينيه ومضى إلى القول: "لو كنت أكبر سنا لكنت تزوجتك". وبعد ذلك، تابعت سهى زيارة عرفات، موفدة غالب الأحيان من والدتها ريموندا الطويل، الناشطة في الدفاع عن القضية الفلسطينية، والتي تنحدر من عائلة ثرية تمتلك أراضي في شمالي إسرائيل. ثم عقد الزوجان قرانهما في تونس سراً عام 1989. وكانت الأمور في حينها شبه سيئة بالنسبة للفلسطينيين إلى درجة أن إقامة حفل زفاف بدا أمراً غير مناسب لعرفات حتى عام 1991، حين أعلنا زواجهما أمام العالم. اليوم، يبدو المستقبل قاتماً، حيث تتنافس الفصائل المتناحرة من فتح -جماعة عرفات- وحماس من أجل السيطرة على الأراضي الفلسطينية. وقالت سهى إن عرفات لو كان حياً لما حدث هذا الانحدار إلى الاقتتال بين الإخوة. وأضافت: "لقد كانت وحدة الفصائل الفلسطينية والشعب الفلسطيني هي أسمى شيء، وإنه لأمر محزن للغاية أن يجري ما يجري حالياً في فلسطين. إن هذا ليس جيدا لقضية السلام، وأنا لست متفائلة". وكان محمود عباس، الرئيس الفلسطيني قد افتتح متحفاً تذكارياً مبنياً من الزجاج والحجر بقيمة 800.000 جنيه استرليني لعرفات في رام الله مؤخراً في ذكرى وفاته، لكن أمل سهى هو أن لا يكون هذا الضريح هو المقر الأخير لعرفات. وقالت: "كانت وصيته أن يدفن في القدس وأن لا يتم التخلي أبداً عن الحقوق الفلسطينية، ولهذا اطلب من السلطة الفلسطينية أن تكتب على قبره ما يفيد بأنه مؤقت. وسيتم نقل جثمانه إلى القدس يوماً ما، وسأعمل جهدي للتأكد من تحقيق ذلك".