الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    المسرحيون يودعون انور الشعافي    أولا وأخيرا: أم القضايا    بنزرت: إيقاف شبان من بينهم 3 قصّر نفذوا 'براكاج' لحافلة نقل مدرسي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    نابل.. وفاة طالب غرقا    مدنين: انطلاق نشاط شركتين اهليتين ستوفران اكثر من 100 موطن شغل    كاس امم افريقيا تحت 20 عاما: المنتخب ينهزم امام نظيره النيجيري    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    منتخب أقل من 20 سنة: تونس تواجه نيجيريا في مستهل مشوارها بكأس أمم إفريقيا    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    الطبوبي: المفاوضات الاجتماعية حقّ وليست منّة ويجب فتحها في أقرب الآجال    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    عيد الشغل.. مجلس نواب الشعب يؤكد "ما توليه تونس من أهمية للطبقة الشغيلة وللعمل"..    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    كأس أمم افريقيا لكرة لقدم تحت 20 عاما: فوز سيراليون وجنوب إفريقيا على مصر وتنزانيا    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    ترامب يرد على "السؤال الأصعب" ويعد ب"انتصارات اقتصادية ضخمة"    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    كرة اليد: الافريقي ينهي البطولة في المركز الثالث    Bâtisseurs – دولة و بناوها: فيلم وثائقي يخلّد رموزًا وطنية    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    عاجل/ اندلاع حريق ضخم بجبال القدس وحكومة الاحتلال تستنجد    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    تعرف على المشروب الأول للقضاء على الكرش..    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة الثورة الفرنسية : إرهاصات الثورة .. سقوط ارهاب الدولة

" الثورة الفرنسية كانت ثورة " كان هذا تحليل يساري معروف للثورة الفرنسية في إحدى المنتديات الاعلامية الفضائية ، و يبدو أنه خال الذهن تماما من أي معلومات مؤسسة عن الثورة الفرنسية التي لا يعلم الناس إلا الجانب اللامع فيها ، أو بتعبير آخر لم يروا فيها سوى لوحة الرخام المصقولة على قبرها . أما ما قاله آخر في لقاء تلفزيوني أيضا فثير الشفقة و يستدعي الصبر و السلوان .
وليدة الاختناقات : لقد جاءت الثورة الفرنسية وليدة لسجل الحروب المتصلة التي عرفتها أوربا منذ القرن الثاني الميلادي فصاعدا ، و من أكبرها حروب فرنسا ضد النمسا منذ سنة 1500 . فقد كانت الدول الاوروبية يواجه بعضها بعضا مواجهة الخصوم المدججين بالسلاح ، و لا تأمن الواحدة منها الاخرى ، و لا تعترف أي واحدة منها بأي قاعدة للسلوك سوى مصلحتها الخاصة ، و قد تحولت تلك السياسة التي كانت سائدة بين تلك الدول في أحقاب الديكتاتورية بأوربا ، إلى سياسة خارجية موجهة لنا نحن العرب و المسلمين و العالم ثالثيين اليوم . و كانت أوربا الديكتاتورية في ذلك الوقت تقيم التحالفات لتحقيق مصالح ظرفية فيما اصطلحت عليه فيما بعد باسم التوازن الدولي Balance of Power و قد كان ذلك سببا من أسباب حدوث الحروب ، و أحيانا الاستقرار . و كانت الدول الاضعف على غير دول بني يعرب في مواجهتهم للتحديات الخارجية ، تتحالف في وجه الدولة التي تعقد لنفسها لواء الزعامة في أوربا ، أو تطلب هذه الزعامة . و من بين تلك الدول فرنسا زعيمة الفرنكفونية المتحالفة مع ديكتاتوريات القرون الوسطى الافريقية اليوم . فقد شهد القرن السابع عشر ( الاوروبي ) وصولها إلى مكان الصدارة ، فاتحدت أوربا ضدها إلى أن اندحرت في القرن الثامن عشر ( الاوروبي ) و هو القرن الذي تكتلت فيه دول أوروبية مع فرنسا ذاتها لكسر شوكة البحرية البريطانية ، و الذي قاد إلى استقلال الولايات المتحدة الامريكية . لكن بريطانيا شهدت فيما بعد ثورة صناعية و حملة نهب لما بقي في أيديها من مستعمرات ، ساعد على استقرارها داخليا متكئة على نظامها الديمقراطي ( الداخلي ) و برلمانها القوي و صحافتها الحرة ، و هذا ما يفسر صمودها في الوقت الذي أطاحت فيه عواصف الثورات جميع حكومات أوربا تقريبا .
أما فرنسا فقد فقدت مكانتها العسكرية عندما الحق بها تحالف بريطانيا / بروسيا هزيمة منكرة في حرب السنوات السبع ،( حروبنا 6 أيام فقط ) في عهد الملك لويس الخامس عشر الذي كان غارقا في مباذله و فحشه فحاقت هزائم كبرى بفرنسا بسببها . وخلفه لويس السادس عشر 1774 . ورغم أن الحظ حالف فرنسا في الحرب الاهلية الامريكية إلا أن حزينة الدولة كانت خاوية بشكل خطير ، وزادت المعارضة التي فتت في عضد نظامها الذي لم يكن يعترف بأي سلطة للأمة أو حتى مشاركة في اتخاذ القرار ، كما هو حال أوطاننا اليوم . و بناء على ذلك كثر اللصوص من موظفي الدولة الكبار ، و الوزراء و المدراء و من يقع تعيينهم بواسطة الملك أو زوجته وحاشيتها . وعندما حلت عشية الثورة كان النظام قد فقد معظم أنصاره تقريبا . كان هنالك تطلع شعبي لشئ جديد غير المألوف و الممل "الحكومة الرشيدة " و " السمعة الطيبة في المحافل الدولية " و " المعجزة " و كان المنافقون المستفيدون من النظام يفعلون ذلك من أجل الثراء غير المشروع أو البقاء في الوظائف و الحصول على الامتيازات المادية و المعنوية ، ولأنهم كانوا قلة مقارنة مع الملايين المحرومة فقد سقطوا جميعا بعد حين من الدهر .
النظام الاجتماعي قبل الثورة : النظام الاجتماعي قبل الثورة الفرنسية كان قائما على طبقتين ، تمثل الاولى العوام أوالشعب أو ( رجل الشارع ) المحقر في التعبير السلطوي الاستبدادي ، و الطبقة الثانية هي طبقة النبلاء و ذوي الصلة بالبلاط و الكنيسة الغارقة في الفساد المزينة للحاكم كل تصرفاته المشينة بحق المواطن و الوطن . كما هو الحال الآن في تونس . وكانت الطبقة الثانية تنعم بامتيازات هائلة . كانت معفاة من الضرائب التي يدفعها ، وجل الشارع ،أو رجل الشارع لا فرق ، و كانت الرتب العليا في الجيش مقصورة عليهم ، و منهم كان يتألف بلاط فرساي بكل ما عرف عنه من رونق و أبهة . و كان عبء الضرائب الاكبر يقع على كاهل سكان القرى و الفلاحين والعمال والموظفين الصغار ، كما يتم اليوم تمويل صندوق 21/ 21 . وكان الحكام يعيشون عيشة ملوك ألف ليلة و ليلة ، كانت بالفعل أساطير حقيقية ، لم نرى مثيلا إلا في تونس اليوم ،و لذلك كان وقود الثورة من الفقراء المعدمين ، كما سيأتي .
الوضع الثقافي قبل الثورة : كانت فرنسا تحتل المكانة الاولى في عالم الفكر ، وكان المفكرون الفرنسيون قادة لحركة ثقافية عم صداها مختلف أنحاء أوربا بل الولايات المتحدة الامركية ، وظهر مفكرون من أمثال بوك ولينتز . ويعد هيوم و جبهبوني وروبنسون في انجلترا و ليسينج و كنت وشيلر في ألمانيا و بنيامين فرانكلين في أمريكا جزءا لا يتجزأ من حركة تهدف للتغيير ، إضافة لكل من مونتيسيكيو ، و روسو . أما فولتير الذي يعشقه محمد الشرفي لوجود شبه بينهما ، فقد كان يتملق البابا بإظهار عداوته للاسلام . ففولتير ليس من الكتاب و المثقفين الذين كانوا يعادون الوضع القائم بكل تفاصيله بل بانتقائية وانتهازية واضحة كما يفعل بعض فلول اليسار التونسي والليبراليين المشوهين . ففولتير كما يقومه مفكرون غربيون سطحي التفكير ، و لم يضف أي جديد هام إلى أي من جوانب الفكر الاوروبي ، و لكنه روج لافكار كانت معروفة في أوربا من قبل . و من أعجب العجب أن يتملق فولتير البابا بسب الاسلام ، ثم يوجه سهامه للكنيسة متملقا قادة الثورة ، كما يفعل من غيروا جلودهم وأصبحوا حمالين في سوق الرأسمالية وافرازات الامبريالية بعد أن كانوا من المعادين لها ،ومن طلائع البروليتاريا والحزب الثوري والمبشرين بالفردوس الشيوعي . ونسو " الحتمية التاريخية و استنباطات الديالتيك و الصراع الطبقي ،وسيادة العالم من منطلق حركي ". فإذا بهم تحولوا من حتمية التاريخ الماركسية إلى نهاية التاريخ الفوكايامية ، و من مناضلين في الصراع الطبقي مع البروليتاريا إلى قوادين في الصراع الحضاري مع هنغتنغتون و اليمين الصهيوني في أمريكا ، و الديغولية الجديدة المعادية للاسلام في فرنسا .
وعودة لفولتير فقد كان يمتدح فردريك الاكبر ، و لم يكن نصيرا للتحرر أو الديمقراطية بل كان يعتبر ملكية فردريك الاكبر المستبدة " مخلصة خييرة تمثل شكل الحكومة الذي ينبغي أن يحتذى به " و هذا ما يقوله الشرفي عندما يبرر ما يسميه " اجراءات قاسية ضرورية " لتبرير القمع الذي مارسه إبان توليه الوزارة في تونس ، و هو يقتات اليوم من القوادة الفكرية في باريس .
أما مونيسكيو فقد كان باحثا متعمقا في المسائل الدستورية و محافظا بطبعه . و كتابه " روح القوانين " إنما هو بحث عام في أشكال الحكومة . وقد صار كتابه المعين الذي يتزود منه بالافكار ، أولئك الذين انصرفوا إلى مهمة البناء السياسي لدولهم ، و قد تأثر به دستور الولايات المتحدة ، إلا أن الكتاب متأثر بدوره بالدستور الانجليزيي كما اعترف هو بذلك فمونيسكيو يشيد بالحكومة المقيدة التي تخضع في تصرفاتها لمجموعة من الضوابط والمراجع . و يشيد بنظام فصل السلطات ، أي استقلال فروع الدولة الثلاثة ، التشريعية و القضائية و التنفيذية عن بعضها البعض .
أما روسو فهو من بين كتاب عصره الذين أثاروا أشد المشاعر تباينا من حب وبغض ، ولم تتفق الآراء بشأنه حتى اليوم . وهو يمثل في رأيي من عدة أوجه إحدى القوى الكبرى في التيار الرئيسي لعصره . لقد كان شديد الميل للدين ، و لكنه لم يكن كاثوليكيا و لا نصرانيا ، و معتقده الحقيقي لا يزال لغزا ، حتى أن البعض يعتقد أنه اعتنق الاسلام . فقد كان يحس بشرور عصره وآلام المستضعفين ، و كتابه " العقد الاجتماعي " الذي نشر في سنة 1762 يلخص آراءه في الحكم " ولد الانسان حرا فما باله مكبلا بالاغلال في كل مكان " و هي ترجمة بتصرف لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه " متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم امهاتهم أحرارا " . و يبدو أن روسو قد تأثر بالاسلام في كثير من مواقفه . إن روسو يؤكد أن الدولة مدينة بوجودها للشعب و أن من حقه أن يغيرها ، ويبدل أشكالها أو يعدل فيها .و يؤكد روسو على ضرورة الدين ، و معاقبة الخارجين عليه بالاعدام إذا اقتضى الأمر .
و إلى جانب هؤلاء كانت هناك مجموعة أخرى من أبرز شخصياتها ميرابو " أبو السياسة " كما يسميه الفرنسيون ، وساي وكويزناي صاحب كتاب " الجدول الاقتصادي " Economique Tableau الذي وصف في حينه بأنه الدواء الناجع لمتاعب فرنسا . و لا يمكننا أن نذكر ملخصا لكل كتابات المفكرين الثلاثة لضيق المساحة و لكن يمكن تلخيصها في الجمل التالية " استخدام العمال في الارض هو مصدر كل ثروة " " العمال أكثر الطبقات إنتاجا بل ربما الطبقة المنتجة الوحيدة " " تدخل الحكومة يجب أن يقل إلى أدنى حد " و " الاصلاح الأساسي و الحقيقي يتمثل في إطلاق الحرية الكاملة للتجارة و إنشاء نظام عام للتعليم و جميع الضرائب يجب أن تلغى و تتركز في ضريبة واحدة هي ضريبة الأرض " .
و لا ندري إن كان ميرابو قد قرأ كتاب البيوع لابي يوسف الذي نجد الكثير من الاستنباطات قريبة منه . و يرى ميرابو أن المبادئ المذكورة كفيلة باصلاح مافسد . و قد بذل تيرغو و الذي كان تلميذا نجيبا من تلامذة المدرسة الاخيرة جهودا ضخمة لتطبيق تعاليم كويز ناي عندما كان مفتشا في الاقاليم ثم كوزير للمالية ، و قد كان للمدرسة الاخيرة أثر ملموس في مجرى الثورة الفرنسية . و لما حانت ساعة التغيير بلورت الثورة أهدافها في الشعار الثلاثي الحرية و المساواة و الاخاء .
و بقطع النظر عما يقوله البعض عن الثورة الفرنسية فإن الفرنسيين كانوا يقصدون بالشعار المرفوع بأن الحرية تأمين الفرد من تغول الدولة الاستبدادية ، و بالمساواة ، المساواة في الحقوق أمام القانون ، و إلغاء الامتيازات الخاصة ، أما الاخاء فقد كان الاخاء بين أفراد المجتمع و قد عقدت عدة اجتماعات حماسية عشية 1789 تآخى فيها النبلاء و الفلاحون .
الوضع السياسي : لم يكن الصيت الذي كان يتمتع به كتاب فرنسا في أوربا و الولايات المتحدة في ذلك الحين أي تأثير على الوضع السياسي الرسمي في فرنسا فقد خلف لويس الرابع عشر ، لويس الخامس عشر ، و خلف الاخير لويس السادس العشر ، و كانت تلك السلسلة من الخلاعة و المجون و بالتالي الهزائم ، كما يحدث في تونس اليوم سمة عصرهم ،فقد كان لويس السادس عشر متزوج من نمساوية و كان أصلها وبالا عليها و على زوجها و جلب عليه وعليها كراهية البلاد بأكملها لا سيما بعد أن اشتبكت فرنسا من جديد مع النمسا . و كان الاهالي يزدرونها و خاصة عند الثورة فيطلقون عليها لفظ " المرأة النمساوية " فقد كانت تؤدي أدوارا خطيرة كنساء زعمائنا تماما ولا سيما في التحريض على المعارضة والتشبث برفاهية القصر . و لم يغير لويس السادس عشر في النظام الاقتصادي ، و أبقى على نظام الامتيازات الذي يعفي النبلاء و الكنيسة من الضرائب و كذلك حاشية الملك . الامر الذي ارهق الاقتصاد الفرنسي و أصابه بالركود . و يسجل المؤرخون أن العجز المالي للدولة هو الذي فتح باب الثورة . إضافة للتكاليف الباهضة لحروب القرن الثامن عشر , و كانت الحاجة الرئيسية تكمن في موازنة الدخل بالمصروفات ، ولكن ذلك كان أمر صعب المنال لانه كان يجب تغيير نظم الحكم الفرنسية تغييرا كاملا . لقد أكد ذلك جهود المخلصين من أمثال تيرجو الذي كان يرغب في اصلاح الشؤون العامة للدولة و اصلاح نظام الضرائب و إشراك المستثنين فيها و توفير حرية التجارة في الداخل و الخارج و تطبيق أفكار العدالة و الانسانية ، و لكن ككل مصلح في كل نظام فاسد تآمر عليه المنتفعون من عصابة البلاط ومنهم ماري انطوانيت النمساوية زوجة الملك ، فأعفاه الملك من منصبه و تولى مكانه نيكر الفرنسي البروتستانتي والذي طرد من منصبه علم 1781 على إثر نشر بيان عن الوضع الاقتصادي في فرنسا ، ثم أعيد لنفس المنصب عندما بدأت ارهاصات الثورة وبقي في ذلك المنصب حتى 1790 . و قد أكدت الاحداث أن الامر لا يحتاج للاشخاص بقدر حاجته للبرامج و الاصلاحات مع التأكيد على دور الاشخاص في التنفيذ و الاخلاص في العمل . فقد كانت الحكومة تخفي على الشعب حقيقة الاوضاع فيما لم يبد النبلاء و الكنيسة الغنية وكبار موظفي الدولة أي استعداد للتبرع لخزينة الدولة . ولم تنفع القسمة السياسية مثل مجلس طبقات الامة و التي تمثل الكنيسة و النبلاء و العامة و الذين يجتمعون في قاعات متفرقة و دور العامة يتمثل فقط في تقديم الشكاوي و ليس لهم حق الاعتراض أو سن القوانين أو البت في أي أمر .
اندلاع الثورة : في أول يوليو 1789 بدأ العد التنازلي للملكية في فرنسا ورفض العامة التعاون مع الحكومة بأي شكل من الاشكال حتى تقبل اجتماع مجلس طبقات الامة في قاعة واحدة والتصويت بنظام الصوت الواحد و استمرت المقاومة 10 ايام و انقطع نظام دفع الضرائب و اتجهت فرنسا نحو الحرب الاهلية . و في 14 يونيو أعلن عن تشكيل " الجمعية الوطنية " بديلا عن مجلس طبقات الامة و خطى الثوار خطوتهم الاولى و قد وافقت الحكومة في 17 يونيو على المسمى الجديد بأغلبيية 491 صوتا مقابل 90 صوتا فقط . و في 20 يونيو أعلن ممثلو العامة ( الشعب ) دستورا جديدا لفرنسا . و بدأت في فرنسا حملات نهب لاملاك النبلاء و تحرك الملك و اصدر أوامره للقوات المسلحة لتسيطر على الوضع و لكن الجيش و الجندرمة أو الكثير منهما كانوا من ابناء الشعب فانحازوا إلى المستضعفين دون حاجة لقراءة ديكارت أو غيره من الفلاسفة الذين كانت لهم سقطات فضيعة إلى جانب ما قاموا به من أعمال رائعة . و قد ساهم أولئك الجنود في إسقاط الباستيل ووضع الملك امام الامر الواقع وسطع نجم ممثلي الشعب ( العامة ) وظهرت الصحافة الحرة بعد ذلك وليس قبله والجمعيات الثقافية والسياسية والاندية المختلفة خاصة ذات الطابع الثوري كنادي الكردليين ونادي اليعاقبة الذي أصبح فيما بعد إحدى القوى الكبرى التي طبعت الثورة بطابعها الذي عرفت به ، و قد مارس اليعاقبة ديكتاتورية واضحة في الجمعية التاسيسية استعملت فيها القوة أو هددت بها في معظم الاحيان . وفي 5 أكتوبر 1789 احتشدت مجموعات من الناس أمام دار البلدية في باريس مطالبين بادئ الامر بالخبز ، و في منتصف الليل دخلو إلى القصر وكادوا يقتلون الملك و الملكة . و في 6 أكتوبر غادر الملك فرساي إلى قصر التويلدي و أصبحت باريس عاصمة للثورة ، و هرب النبلاء و يا لهم من نبلاء إلى بريطانيا و في أول أغسطس وضعت الثورة وثيقة حقوق الانسان و التي منها " يولد الناس احرارا و متساوين في الحقوق " و " هدف كل تشكيل سياسي هو المحافظة على حقوق الانسان و هي حق الحرية و الملكية و الامن و مقاومة الظلم " و " الامة مصدر التنمية الكاملة و لا يجوز لاي جماعة أو فرد ممارسة السلطة ما لم تكن مستمدة من الامة " و " الحرية تتمثب في السماح للفرد بأن يفعل ما لا يضر الآخرين " .
الثورة تأكل نفسها : في 21 سبتمبر 1792 ألغيت الملكية في فرنسا و في 11 ديسمبر اتهم الملك بالتآمر ضد الامة وفي 21 يناير 1793 أعدم الملك . سيق الآلاف من الناس إلى المقصلة بتهمة معاداة الثورة . و تم تكوين " الأمن العام " و تولى دانتون من اليعاقبة الذي يعد أشدهم تطرفا و سفكا للدماء . و انقسم اليسار الراديكالي إلى قسمين " الجيروند " و هو اسم أحد الاقاليم الفرنسية و تعد الجمهورية مثلهم الاعلى ، و يحضون بتأييد الريف الفرنسي و من زعمائهم بريسو و بيزو و فرنيو ورولان . و الشق الآخر هم اليعاقبة الاقوى في باريس و زعماؤهم روسبير و مارا و دانتون . و دخل الطرفان اليساريان في صراع دموي و تبادل الطرفان الاتهامات . و في 2 يونيو 1793 بدأت حملة لملاحقة الجيروند و أرسلو للسجن و منه إلى المقصلة . وقد وصف عهد اليعاقبة بعهد الارهاب الذي بدا في الواقع في أغسطس 1792 و الذي بلغ ذروته مع نكبة الجيروند وسقوطهم على يد رفاقهم . و من دواعي السخرية أن اليعاقبة ظلوا رغم قيام حكمهم على محكمة الثورة و المقصلة يمارسون السلطة طوال الوقت باسم الشعب !!! . لكن دانتون الذي لعب دورا كبيرا في الثورة وممارسة الارهاب باسم الشعب و الدولة سقط في 10 يوليو 1793 ليخلفه روسبير . و ليس أنصار الملكية و أعداء فرنسا من تم اعدامهم بل أعدم علماء في كافة التخصصات لان قادة الثورة شكوا في ولائهم أو توانوا في أداء مهامهم مثل عالم الفلك باتي , و عوقبت مدنا فرنسية مثل ليون طولون عقوبات جماعية لاظهارها التململ من الثوار الديكتاتوريين . و كعادة المغرورين أعلن روسبير أن فرنسا تسبق الدول الاوروبية بألف عام و بالتالي لا بد من جعل تاريخ فرنسا يبدأ من موعد الثورة و أعاد ترتيب الشهور و اسماءها و ايام الاسبوع من 7 ايام إلى 10 و ظل الامر كذلك حتى مجئ نابليون سنة 1804 . ثم جاءت فكرة اتخاذ ديانة جديدة سموها عبادة العقل و أغروا القساوسة على ترك الكاثوليكية و قطعوا علاقة فرنسا بالفاتيكان و في 24 نوفمبر 1793 أغلقت جميع الكنائس في باريس و حولت 2400 كنيسة إلى عبادة العقل المبهمة . و انقسم اليعاقبة بدورهم إلى ثلاثة مجموعات لكل منها أنصارها ، وراحت تحارب بعضها بعضا و انتهى بها المطاف إلى أن ترسل كل منهما بالاخرى إلى المقصلة ، و هذه سنة الثورات و الانظمة التي لا تحترم الآليات الديمقراطية و احترام الراي الآخر ، و العمل على الانتصار لارائهم على جثث الآخرين و يرجع ذلك إلى الخوف فكان كل فريق ينظر إلى خصمه السياسي سافكا لدمه إن هو وصل للسلطة كما نرى اليوم الخوف من الاسلاميين . و هذا روسبير قد أحس أنه مهدد طالما ظل دانتون و كميل و ديمولان و غيرهم على قيد الحياة و في 5 أبريل نفذ فيهم حكم الاعدام الذي كان سريعا . بيد أن عهد الارهاب لم يكن لينتهي لانه كان مرتكزا على الخوف خوف كل زعيم سياسي من خصومه و من الهلاك الذي ينتظره إن هو خسر المعركة و لذلك بدل من أن ينتهي ارهاب الدولة الرفاقية صار أحمى وطيسا . و سقط ما بين 10 يونيو و 27 يوليو 1376 ضحية . و في 27 يوليو سقط روسبير و حمل بعدها إلى السجن لكنه تمكن من الخروج في اليوم التالي و بدأت حرب فعليه بين أنصاره و خصومه . و في 12 نوفمبر 1794 أغلق نادي اليعاقبة و بدأت أحكام الاعدام تتضاءل و عاد 75 من أعضاء الجيروند من السجون إلى مقاعدهم بالمؤتمر . في حين كانت فرنسا تقاسي الفقر و اضطراب أوضاعها التجارية . و قد مهدت تلك الصراعات و ذلك الارهاب لصعود نابليون بونابرت عرش فرنسا ، و كانت تلك قصة الثورة الفرنسية .
تنويه : جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.