عاجل : فاطمة المسدي تطالب بترحيل المهاجرين وتجريم إيجار المنازل لهم في صفاقس    بنزرت: الافراج عن 23 شخصا محتفظ بهم في قضيّة الفولاذ    الناطق باسم محكمة تونس يوضح أسباب فتح تحقيق ضد الصحفية خلود مبروك    عاجل/ خبير تركي يُحذّر من زلازل مدمّرة في إسطنبول..    رئيس الفيفا يهنئ الترجي الرياضي بمناسبة تاهله لمونديال الاندية 2025..    الرابطة الأولى: تشكيلة الإتحاد المنستيري في مواجهة الملعب التونسي    الرابطة الأولى: تشكيلة فريق قوافل قفصة في مواجهة إتحاد بن قردان    ب 28 مليون مستخدم.. "ثريدز" يتفوق على "إكس" في هذا البلد    المجلس المحلي بسيدي علي بن عون يطالب السلطات بحل نهائي لإشكالية انقطاع التيار الكهربائي    استشهاد شابين فلسطينيين وإصابة اثنين آخرين بنيران الاحتلال الصهيوني غربي "جنين"..#خبر_عاجل    عاجل/ الحوثيون يطلقون صواريخ على سفينتين في البحر الأحمر..    عاجل تلاميذ منطقة الحاج قاسم 2يستغيثون للمرة الثانية في نفس الأسبوع..الحافلة معطلة    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    رئيس الجمهورية قيس سعيّد.. المفسدون... إمّا يعيدون الأموال أو يحاسبهم القضاء    مذكّرات سياسي في «الشروق» (5) وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... يتكلّم الصادقية حاضنة المعرفة والعمل الوطني...!    أخبار المال والأعمال    الرابطة الثانية (ج 7 إيابا) قمة مثيرة بين «الجليزة» و«الستيدة»    تقديرات بانحسار عجز الميزانية الى 6.6 ٪ من الناتج المحلي    "حماس" تعلن تسلمها رد الاحتلال حول مقترحاتها لصفقة تبادل الأسرى ووقف النار بغزة    فضاءات أغلقت أبوابها وأخرى هجرها روادها .. من يعيد الحياة الى المكتبات العمومية؟    تنديد بمحتوى ''سين وجيم الجنسانية''    مع الشروق .. «طوفان الأقصى» أسقط كل الأقنعة.. كشف كل العورات    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    الكاف..جرحى في حادث مرور..    ماذا في لقاء وزير الخارجية بنظيره الكاميروني؟    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    طقس الليلة    تسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لدى اليونسكو: آخر الاستعدادات    وزارة التجارة تتخذ اجراءات في قطاع الأعلاف منها التخفيض في أسعار فيتورة الصوجا المنتجة محليا    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    أكثر من 20 ألف طالب تونسي يتابعون دراساتهم في الخارج    نابل: الاحتفاظ بشخص محكوم بالسجن من أجل "الانتماء إلى تنظيم إرهابي" (الحرس الوطني)    الرابطة 1 ( تفادي النزول - الجولة الثامنة): مواجهات صعبة للنادي البنزرتي واتحاد تطاوين    بطولة الرابطة 1 (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    الجزائر تسجل حضورها ب 25 دار نشر وأكثر من 600 عنوان في معرض تونس الدولي للكتاب    المؤرخ الهادي التيمومي في ندوة بمعرض تونس الدولي للكتاب : هناك من يعطي دروسا في التاريخ وهو لم يدرسه مطلقا    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب؟    البطولة الافريقية للجيدو - ميدالية فضية لعلاء الدين شلبي في وزن -73 كلغ    التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيدين للفلسطينيين    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    افتتاح المداولات 31 لطب الأسنان تحت شعار طب الأسنان المتقدم من البحث إلى التطبيق    تضم فتيات قاصرات: تفكيك شبكة دعارة تنشط بتونس الكبرى    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    تقلص العجز التجاري الشهري    هام/ ترسيم هؤولاء الأعوان الوقتيين بهذه الولايات..    الشابّة: يُفارق الحياة وهو يحفر قبرا    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    التشكيلة المنتظرة للترجي في مواجهة صن داونز    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة الثورة الفرنسية : إرهاصات الثورة .. سقوط ارهاب الدولة

" الثورة الفرنسية كانت ثورة " كان هذا تحليل يساري معروف للثورة الفرنسية في إحدى المنتديات الاعلامية الفضائية ، و يبدو أنه خال الذهن تماما من أي معلومات مؤسسة عن الثورة الفرنسية التي لا يعلم الناس إلا الجانب اللامع فيها ، أو بتعبير آخر لم يروا فيها سوى لوحة الرخام المصقولة على قبرها . أما ما قاله آخر في لقاء تلفزيوني أيضا فثير الشفقة و يستدعي الصبر و السلوان .
وليدة الاختناقات : لقد جاءت الثورة الفرنسية وليدة لسجل الحروب المتصلة التي عرفتها أوربا منذ القرن الثاني الميلادي فصاعدا ، و من أكبرها حروب فرنسا ضد النمسا منذ سنة 1500 . فقد كانت الدول الاوروبية يواجه بعضها بعضا مواجهة الخصوم المدججين بالسلاح ، و لا تأمن الواحدة منها الاخرى ، و لا تعترف أي واحدة منها بأي قاعدة للسلوك سوى مصلحتها الخاصة ، و قد تحولت تلك السياسة التي كانت سائدة بين تلك الدول في أحقاب الديكتاتورية بأوربا ، إلى سياسة خارجية موجهة لنا نحن العرب و المسلمين و العالم ثالثيين اليوم . و كانت أوربا الديكتاتورية في ذلك الوقت تقيم التحالفات لتحقيق مصالح ظرفية فيما اصطلحت عليه فيما بعد باسم التوازن الدولي Balance of Power و قد كان ذلك سببا من أسباب حدوث الحروب ، و أحيانا الاستقرار . و كانت الدول الاضعف على غير دول بني يعرب في مواجهتهم للتحديات الخارجية ، تتحالف في وجه الدولة التي تعقد لنفسها لواء الزعامة في أوربا ، أو تطلب هذه الزعامة . و من بين تلك الدول فرنسا زعيمة الفرنكفونية المتحالفة مع ديكتاتوريات القرون الوسطى الافريقية اليوم . فقد شهد القرن السابع عشر ( الاوروبي ) وصولها إلى مكان الصدارة ، فاتحدت أوربا ضدها إلى أن اندحرت في القرن الثامن عشر ( الاوروبي ) و هو القرن الذي تكتلت فيه دول أوروبية مع فرنسا ذاتها لكسر شوكة البحرية البريطانية ، و الذي قاد إلى استقلال الولايات المتحدة الامريكية . لكن بريطانيا شهدت فيما بعد ثورة صناعية و حملة نهب لما بقي في أيديها من مستعمرات ، ساعد على استقرارها داخليا متكئة على نظامها الديمقراطي ( الداخلي ) و برلمانها القوي و صحافتها الحرة ، و هذا ما يفسر صمودها في الوقت الذي أطاحت فيه عواصف الثورات جميع حكومات أوربا تقريبا .
أما فرنسا فقد فقدت مكانتها العسكرية عندما الحق بها تحالف بريطانيا / بروسيا هزيمة منكرة في حرب السنوات السبع ،( حروبنا 6 أيام فقط ) في عهد الملك لويس الخامس عشر الذي كان غارقا في مباذله و فحشه فحاقت هزائم كبرى بفرنسا بسببها . وخلفه لويس السادس عشر 1774 . ورغم أن الحظ حالف فرنسا في الحرب الاهلية الامريكية إلا أن حزينة الدولة كانت خاوية بشكل خطير ، وزادت المعارضة التي فتت في عضد نظامها الذي لم يكن يعترف بأي سلطة للأمة أو حتى مشاركة في اتخاذ القرار ، كما هو حال أوطاننا اليوم . و بناء على ذلك كثر اللصوص من موظفي الدولة الكبار ، و الوزراء و المدراء و من يقع تعيينهم بواسطة الملك أو زوجته وحاشيتها . وعندما حلت عشية الثورة كان النظام قد فقد معظم أنصاره تقريبا . كان هنالك تطلع شعبي لشئ جديد غير المألوف و الممل "الحكومة الرشيدة " و " السمعة الطيبة في المحافل الدولية " و " المعجزة " و كان المنافقون المستفيدون من النظام يفعلون ذلك من أجل الثراء غير المشروع أو البقاء في الوظائف و الحصول على الامتيازات المادية و المعنوية ، ولأنهم كانوا قلة مقارنة مع الملايين المحرومة فقد سقطوا جميعا بعد حين من الدهر .
النظام الاجتماعي قبل الثورة : النظام الاجتماعي قبل الثورة الفرنسية كان قائما على طبقتين ، تمثل الاولى العوام أوالشعب أو ( رجل الشارع ) المحقر في التعبير السلطوي الاستبدادي ، و الطبقة الثانية هي طبقة النبلاء و ذوي الصلة بالبلاط و الكنيسة الغارقة في الفساد المزينة للحاكم كل تصرفاته المشينة بحق المواطن و الوطن . كما هو الحال الآن في تونس . وكانت الطبقة الثانية تنعم بامتيازات هائلة . كانت معفاة من الضرائب التي يدفعها ، وجل الشارع ،أو رجل الشارع لا فرق ، و كانت الرتب العليا في الجيش مقصورة عليهم ، و منهم كان يتألف بلاط فرساي بكل ما عرف عنه من رونق و أبهة . و كان عبء الضرائب الاكبر يقع على كاهل سكان القرى و الفلاحين والعمال والموظفين الصغار ، كما يتم اليوم تمويل صندوق 21/ 21 . وكان الحكام يعيشون عيشة ملوك ألف ليلة و ليلة ، كانت بالفعل أساطير حقيقية ، لم نرى مثيلا إلا في تونس اليوم ،و لذلك كان وقود الثورة من الفقراء المعدمين ، كما سيأتي .
الوضع الثقافي قبل الثورة : كانت فرنسا تحتل المكانة الاولى في عالم الفكر ، وكان المفكرون الفرنسيون قادة لحركة ثقافية عم صداها مختلف أنحاء أوربا بل الولايات المتحدة الامركية ، وظهر مفكرون من أمثال بوك ولينتز . ويعد هيوم و جبهبوني وروبنسون في انجلترا و ليسينج و كنت وشيلر في ألمانيا و بنيامين فرانكلين في أمريكا جزءا لا يتجزأ من حركة تهدف للتغيير ، إضافة لكل من مونتيسيكيو ، و روسو . أما فولتير الذي يعشقه محمد الشرفي لوجود شبه بينهما ، فقد كان يتملق البابا بإظهار عداوته للاسلام . ففولتير ليس من الكتاب و المثقفين الذين كانوا يعادون الوضع القائم بكل تفاصيله بل بانتقائية وانتهازية واضحة كما يفعل بعض فلول اليسار التونسي والليبراليين المشوهين . ففولتير كما يقومه مفكرون غربيون سطحي التفكير ، و لم يضف أي جديد هام إلى أي من جوانب الفكر الاوروبي ، و لكنه روج لافكار كانت معروفة في أوربا من قبل . و من أعجب العجب أن يتملق فولتير البابا بسب الاسلام ، ثم يوجه سهامه للكنيسة متملقا قادة الثورة ، كما يفعل من غيروا جلودهم وأصبحوا حمالين في سوق الرأسمالية وافرازات الامبريالية بعد أن كانوا من المعادين لها ،ومن طلائع البروليتاريا والحزب الثوري والمبشرين بالفردوس الشيوعي . ونسو " الحتمية التاريخية و استنباطات الديالتيك و الصراع الطبقي ،وسيادة العالم من منطلق حركي ". فإذا بهم تحولوا من حتمية التاريخ الماركسية إلى نهاية التاريخ الفوكايامية ، و من مناضلين في الصراع الطبقي مع البروليتاريا إلى قوادين في الصراع الحضاري مع هنغتنغتون و اليمين الصهيوني في أمريكا ، و الديغولية الجديدة المعادية للاسلام في فرنسا .
وعودة لفولتير فقد كان يمتدح فردريك الاكبر ، و لم يكن نصيرا للتحرر أو الديمقراطية بل كان يعتبر ملكية فردريك الاكبر المستبدة " مخلصة خييرة تمثل شكل الحكومة الذي ينبغي أن يحتذى به " و هذا ما يقوله الشرفي عندما يبرر ما يسميه " اجراءات قاسية ضرورية " لتبرير القمع الذي مارسه إبان توليه الوزارة في تونس ، و هو يقتات اليوم من القوادة الفكرية في باريس .
أما مونيسكيو فقد كان باحثا متعمقا في المسائل الدستورية و محافظا بطبعه . و كتابه " روح القوانين " إنما هو بحث عام في أشكال الحكومة . وقد صار كتابه المعين الذي يتزود منه بالافكار ، أولئك الذين انصرفوا إلى مهمة البناء السياسي لدولهم ، و قد تأثر به دستور الولايات المتحدة ، إلا أن الكتاب متأثر بدوره بالدستور الانجليزيي كما اعترف هو بذلك فمونيسكيو يشيد بالحكومة المقيدة التي تخضع في تصرفاتها لمجموعة من الضوابط والمراجع . و يشيد بنظام فصل السلطات ، أي استقلال فروع الدولة الثلاثة ، التشريعية و القضائية و التنفيذية عن بعضها البعض .
أما روسو فهو من بين كتاب عصره الذين أثاروا أشد المشاعر تباينا من حب وبغض ، ولم تتفق الآراء بشأنه حتى اليوم . وهو يمثل في رأيي من عدة أوجه إحدى القوى الكبرى في التيار الرئيسي لعصره . لقد كان شديد الميل للدين ، و لكنه لم يكن كاثوليكيا و لا نصرانيا ، و معتقده الحقيقي لا يزال لغزا ، حتى أن البعض يعتقد أنه اعتنق الاسلام . فقد كان يحس بشرور عصره وآلام المستضعفين ، و كتابه " العقد الاجتماعي " الذي نشر في سنة 1762 يلخص آراءه في الحكم " ولد الانسان حرا فما باله مكبلا بالاغلال في كل مكان " و هي ترجمة بتصرف لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه " متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم امهاتهم أحرارا " . و يبدو أن روسو قد تأثر بالاسلام في كثير من مواقفه . إن روسو يؤكد أن الدولة مدينة بوجودها للشعب و أن من حقه أن يغيرها ، ويبدل أشكالها أو يعدل فيها .و يؤكد روسو على ضرورة الدين ، و معاقبة الخارجين عليه بالاعدام إذا اقتضى الأمر .
و إلى جانب هؤلاء كانت هناك مجموعة أخرى من أبرز شخصياتها ميرابو " أبو السياسة " كما يسميه الفرنسيون ، وساي وكويزناي صاحب كتاب " الجدول الاقتصادي " Economique Tableau الذي وصف في حينه بأنه الدواء الناجع لمتاعب فرنسا . و لا يمكننا أن نذكر ملخصا لكل كتابات المفكرين الثلاثة لضيق المساحة و لكن يمكن تلخيصها في الجمل التالية " استخدام العمال في الارض هو مصدر كل ثروة " " العمال أكثر الطبقات إنتاجا بل ربما الطبقة المنتجة الوحيدة " " تدخل الحكومة يجب أن يقل إلى أدنى حد " و " الاصلاح الأساسي و الحقيقي يتمثل في إطلاق الحرية الكاملة للتجارة و إنشاء نظام عام للتعليم و جميع الضرائب يجب أن تلغى و تتركز في ضريبة واحدة هي ضريبة الأرض " .
و لا ندري إن كان ميرابو قد قرأ كتاب البيوع لابي يوسف الذي نجد الكثير من الاستنباطات قريبة منه . و يرى ميرابو أن المبادئ المذكورة كفيلة باصلاح مافسد . و قد بذل تيرغو و الذي كان تلميذا نجيبا من تلامذة المدرسة الاخيرة جهودا ضخمة لتطبيق تعاليم كويز ناي عندما كان مفتشا في الاقاليم ثم كوزير للمالية ، و قد كان للمدرسة الاخيرة أثر ملموس في مجرى الثورة الفرنسية . و لما حانت ساعة التغيير بلورت الثورة أهدافها في الشعار الثلاثي الحرية و المساواة و الاخاء .
و بقطع النظر عما يقوله البعض عن الثورة الفرنسية فإن الفرنسيين كانوا يقصدون بالشعار المرفوع بأن الحرية تأمين الفرد من تغول الدولة الاستبدادية ، و بالمساواة ، المساواة في الحقوق أمام القانون ، و إلغاء الامتيازات الخاصة ، أما الاخاء فقد كان الاخاء بين أفراد المجتمع و قد عقدت عدة اجتماعات حماسية عشية 1789 تآخى فيها النبلاء و الفلاحون .
الوضع السياسي : لم يكن الصيت الذي كان يتمتع به كتاب فرنسا في أوربا و الولايات المتحدة في ذلك الحين أي تأثير على الوضع السياسي الرسمي في فرنسا فقد خلف لويس الرابع عشر ، لويس الخامس عشر ، و خلف الاخير لويس السادس العشر ، و كانت تلك السلسلة من الخلاعة و المجون و بالتالي الهزائم ، كما يحدث في تونس اليوم سمة عصرهم ،فقد كان لويس السادس عشر متزوج من نمساوية و كان أصلها وبالا عليها و على زوجها و جلب عليه وعليها كراهية البلاد بأكملها لا سيما بعد أن اشتبكت فرنسا من جديد مع النمسا . و كان الاهالي يزدرونها و خاصة عند الثورة فيطلقون عليها لفظ " المرأة النمساوية " فقد كانت تؤدي أدوارا خطيرة كنساء زعمائنا تماما ولا سيما في التحريض على المعارضة والتشبث برفاهية القصر . و لم يغير لويس السادس عشر في النظام الاقتصادي ، و أبقى على نظام الامتيازات الذي يعفي النبلاء و الكنيسة من الضرائب و كذلك حاشية الملك . الامر الذي ارهق الاقتصاد الفرنسي و أصابه بالركود . و يسجل المؤرخون أن العجز المالي للدولة هو الذي فتح باب الثورة . إضافة للتكاليف الباهضة لحروب القرن الثامن عشر , و كانت الحاجة الرئيسية تكمن في موازنة الدخل بالمصروفات ، ولكن ذلك كان أمر صعب المنال لانه كان يجب تغيير نظم الحكم الفرنسية تغييرا كاملا . لقد أكد ذلك جهود المخلصين من أمثال تيرجو الذي كان يرغب في اصلاح الشؤون العامة للدولة و اصلاح نظام الضرائب و إشراك المستثنين فيها و توفير حرية التجارة في الداخل و الخارج و تطبيق أفكار العدالة و الانسانية ، و لكن ككل مصلح في كل نظام فاسد تآمر عليه المنتفعون من عصابة البلاط ومنهم ماري انطوانيت النمساوية زوجة الملك ، فأعفاه الملك من منصبه و تولى مكانه نيكر الفرنسي البروتستانتي والذي طرد من منصبه علم 1781 على إثر نشر بيان عن الوضع الاقتصادي في فرنسا ، ثم أعيد لنفس المنصب عندما بدأت ارهاصات الثورة وبقي في ذلك المنصب حتى 1790 . و قد أكدت الاحداث أن الامر لا يحتاج للاشخاص بقدر حاجته للبرامج و الاصلاحات مع التأكيد على دور الاشخاص في التنفيذ و الاخلاص في العمل . فقد كانت الحكومة تخفي على الشعب حقيقة الاوضاع فيما لم يبد النبلاء و الكنيسة الغنية وكبار موظفي الدولة أي استعداد للتبرع لخزينة الدولة . ولم تنفع القسمة السياسية مثل مجلس طبقات الامة و التي تمثل الكنيسة و النبلاء و العامة و الذين يجتمعون في قاعات متفرقة و دور العامة يتمثل فقط في تقديم الشكاوي و ليس لهم حق الاعتراض أو سن القوانين أو البت في أي أمر .
اندلاع الثورة : في أول يوليو 1789 بدأ العد التنازلي للملكية في فرنسا ورفض العامة التعاون مع الحكومة بأي شكل من الاشكال حتى تقبل اجتماع مجلس طبقات الامة في قاعة واحدة والتصويت بنظام الصوت الواحد و استمرت المقاومة 10 ايام و انقطع نظام دفع الضرائب و اتجهت فرنسا نحو الحرب الاهلية . و في 14 يونيو أعلن عن تشكيل " الجمعية الوطنية " بديلا عن مجلس طبقات الامة و خطى الثوار خطوتهم الاولى و قد وافقت الحكومة في 17 يونيو على المسمى الجديد بأغلبيية 491 صوتا مقابل 90 صوتا فقط . و في 20 يونيو أعلن ممثلو العامة ( الشعب ) دستورا جديدا لفرنسا . و بدأت في فرنسا حملات نهب لاملاك النبلاء و تحرك الملك و اصدر أوامره للقوات المسلحة لتسيطر على الوضع و لكن الجيش و الجندرمة أو الكثير منهما كانوا من ابناء الشعب فانحازوا إلى المستضعفين دون حاجة لقراءة ديكارت أو غيره من الفلاسفة الذين كانت لهم سقطات فضيعة إلى جانب ما قاموا به من أعمال رائعة . و قد ساهم أولئك الجنود في إسقاط الباستيل ووضع الملك امام الامر الواقع وسطع نجم ممثلي الشعب ( العامة ) وظهرت الصحافة الحرة بعد ذلك وليس قبله والجمعيات الثقافية والسياسية والاندية المختلفة خاصة ذات الطابع الثوري كنادي الكردليين ونادي اليعاقبة الذي أصبح فيما بعد إحدى القوى الكبرى التي طبعت الثورة بطابعها الذي عرفت به ، و قد مارس اليعاقبة ديكتاتورية واضحة في الجمعية التاسيسية استعملت فيها القوة أو هددت بها في معظم الاحيان . وفي 5 أكتوبر 1789 احتشدت مجموعات من الناس أمام دار البلدية في باريس مطالبين بادئ الامر بالخبز ، و في منتصف الليل دخلو إلى القصر وكادوا يقتلون الملك و الملكة . و في 6 أكتوبر غادر الملك فرساي إلى قصر التويلدي و أصبحت باريس عاصمة للثورة ، و هرب النبلاء و يا لهم من نبلاء إلى بريطانيا و في أول أغسطس وضعت الثورة وثيقة حقوق الانسان و التي منها " يولد الناس احرارا و متساوين في الحقوق " و " هدف كل تشكيل سياسي هو المحافظة على حقوق الانسان و هي حق الحرية و الملكية و الامن و مقاومة الظلم " و " الامة مصدر التنمية الكاملة و لا يجوز لاي جماعة أو فرد ممارسة السلطة ما لم تكن مستمدة من الامة " و " الحرية تتمثب في السماح للفرد بأن يفعل ما لا يضر الآخرين " .
الثورة تأكل نفسها : في 21 سبتمبر 1792 ألغيت الملكية في فرنسا و في 11 ديسمبر اتهم الملك بالتآمر ضد الامة وفي 21 يناير 1793 أعدم الملك . سيق الآلاف من الناس إلى المقصلة بتهمة معاداة الثورة . و تم تكوين " الأمن العام " و تولى دانتون من اليعاقبة الذي يعد أشدهم تطرفا و سفكا للدماء . و انقسم اليسار الراديكالي إلى قسمين " الجيروند " و هو اسم أحد الاقاليم الفرنسية و تعد الجمهورية مثلهم الاعلى ، و يحضون بتأييد الريف الفرنسي و من زعمائهم بريسو و بيزو و فرنيو ورولان . و الشق الآخر هم اليعاقبة الاقوى في باريس و زعماؤهم روسبير و مارا و دانتون . و دخل الطرفان اليساريان في صراع دموي و تبادل الطرفان الاتهامات . و في 2 يونيو 1793 بدأت حملة لملاحقة الجيروند و أرسلو للسجن و منه إلى المقصلة . وقد وصف عهد اليعاقبة بعهد الارهاب الذي بدا في الواقع في أغسطس 1792 و الذي بلغ ذروته مع نكبة الجيروند وسقوطهم على يد رفاقهم . و من دواعي السخرية أن اليعاقبة ظلوا رغم قيام حكمهم على محكمة الثورة و المقصلة يمارسون السلطة طوال الوقت باسم الشعب !!! . لكن دانتون الذي لعب دورا كبيرا في الثورة وممارسة الارهاب باسم الشعب و الدولة سقط في 10 يوليو 1793 ليخلفه روسبير . و ليس أنصار الملكية و أعداء فرنسا من تم اعدامهم بل أعدم علماء في كافة التخصصات لان قادة الثورة شكوا في ولائهم أو توانوا في أداء مهامهم مثل عالم الفلك باتي , و عوقبت مدنا فرنسية مثل ليون طولون عقوبات جماعية لاظهارها التململ من الثوار الديكتاتوريين . و كعادة المغرورين أعلن روسبير أن فرنسا تسبق الدول الاوروبية بألف عام و بالتالي لا بد من جعل تاريخ فرنسا يبدأ من موعد الثورة و أعاد ترتيب الشهور و اسماءها و ايام الاسبوع من 7 ايام إلى 10 و ظل الامر كذلك حتى مجئ نابليون سنة 1804 . ثم جاءت فكرة اتخاذ ديانة جديدة سموها عبادة العقل و أغروا القساوسة على ترك الكاثوليكية و قطعوا علاقة فرنسا بالفاتيكان و في 24 نوفمبر 1793 أغلقت جميع الكنائس في باريس و حولت 2400 كنيسة إلى عبادة العقل المبهمة . و انقسم اليعاقبة بدورهم إلى ثلاثة مجموعات لكل منها أنصارها ، وراحت تحارب بعضها بعضا و انتهى بها المطاف إلى أن ترسل كل منهما بالاخرى إلى المقصلة ، و هذه سنة الثورات و الانظمة التي لا تحترم الآليات الديمقراطية و احترام الراي الآخر ، و العمل على الانتصار لارائهم على جثث الآخرين و يرجع ذلك إلى الخوف فكان كل فريق ينظر إلى خصمه السياسي سافكا لدمه إن هو وصل للسلطة كما نرى اليوم الخوف من الاسلاميين . و هذا روسبير قد أحس أنه مهدد طالما ظل دانتون و كميل و ديمولان و غيرهم على قيد الحياة و في 5 أبريل نفذ فيهم حكم الاعدام الذي كان سريعا . بيد أن عهد الارهاب لم يكن لينتهي لانه كان مرتكزا على الخوف خوف كل زعيم سياسي من خصومه و من الهلاك الذي ينتظره إن هو خسر المعركة و لذلك بدل من أن ينتهي ارهاب الدولة الرفاقية صار أحمى وطيسا . و سقط ما بين 10 يونيو و 27 يوليو 1376 ضحية . و في 27 يوليو سقط روسبير و حمل بعدها إلى السجن لكنه تمكن من الخروج في اليوم التالي و بدأت حرب فعليه بين أنصاره و خصومه . و في 12 نوفمبر 1794 أغلق نادي اليعاقبة و بدأت أحكام الاعدام تتضاءل و عاد 75 من أعضاء الجيروند من السجون إلى مقاعدهم بالمؤتمر . في حين كانت فرنسا تقاسي الفقر و اضطراب أوضاعها التجارية . و قد مهدت تلك الصراعات و ذلك الارهاب لصعود نابليون بونابرت عرش فرنسا ، و كانت تلك قصة الثورة الفرنسية .
تنويه : جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.