يبدو أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أراد في مناسبة، أول زيارة له للصين عقب انتخابه أن يغير من نمط العلاقات مع بكين، على أثر زيارته للصين نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، طاويا بذلك صفحة المساندة التي كان سلفه جاك شيراك يتباهى بها إزاء القوة الصينية الناشئة. وغابت عن خطاب ساركوزي مصطلحات “عالم متعدد الأقطاب”، و”شراكة استراتيجية وشاملة بين فرنسا والصين”، بوصفها أساساً لمقاربة شيراك الذي كان يُحَيِي وصول هذه القوة الصينية العظمى الوازنة للقوة الأمريكية. وأكد ساركوزي رغبة بلاده في إعادة تقييم العملة الصينية (اليوان)، لافتاً إلى أنها “دولة كبيرة يجب أن تتمتع بعملة قوية”، وأضاف “سأحاول إقناع المسؤولين الصينيين بأن التناغم الدولي الذي تلتزم به الصين يجب أن يترجم بإعادة التوازن بين العملات الرئيسية”. ووقعت شركات فرنسية عقودا تجارية مع الصين بقيمة 20 مليار يورو(30 مليار دولار). وأهم العقود الموقعة وأكبرها هو بيع 160 طائرة ركاب من مجموعة “ايرباص” الأوروبية التي تتخذ من باريس مقرا لها، ومعظمها من طراز” آي 320” و”آي 330” بقيمة عشرة مليارات يورو (14،8 مليار دولار). وفي القطاع النووي، باعت مجموعة “أريفا” الفرنسية الصين مفاعلين “إي بي إر” ووقودا لازما لتشغيلهما بقيمة إجمالية تبلغ ثمانية مليارات يورو(11،9 مليار دولار)، على أن يسدد الجانب الصيني معظم المبلغ باليورو وليس بالدولار، بحسب ما أوضحت رئيسة مجلس إدارة المجموعة أن لوفيرجون، على أن يسدد الجزء المتعلق باليورانيوم بالدولار. ويمكن “أريفا” أن تعمل على إنشاء مصنع لإعادة معالجة النفايات النووية تقدر تكاليفه بنحو 15 مليار يورو، ولفتت لوفيرجون إلى أن الاتفاق “لن يوقع الآن”، واعتبرت أنه “عقد قياسي إذ لم يسجل التاريخ مثله في القطاع النووي المدني”، وتتوقع الصين أن تبني 32 محطة نووية حتى 2020. كما وقعت شركة “الكاتل لوسنت” عقودا جديدة مع مشغلي الهاتف الخليوي في الصين “شاينا موبايل” و”إينر مونغوليا يونيكوم” بقيمة 750 مليون يورو. وستدخل مجموعة “سويز” للطاقة والبيئة في رأسمال الشركة الصينية للمياه التابعة لمدينة شونغكيك. وأعلن رئيس مجلس إدارة “سويز” جيرار ميستراليت “يمكن أن نشارك في هذه الشركة، وهي الأولى للمياه في الصين”. وخلال زيارة ساركوزي الأخيرة إلى الصين، كانت فرنسا تحتل المرتبة العاشرة من بين المستثمرين الدوليين، وفي المرتبة الثالثة على الصعيد الأوروبي. وتحاول دراسة تم تجميعها في “كتاب أبيض” عرض أخيراً في بكين من قبل خبراء المهمات الاقتصادية في الصين، ومستشاري التجارة الخارجية، تقديم صورة إشعاعية لوجود الشركات الفرنسية التي نقلت خطوط إنتاجها إلى الصين. فهناك 850 شركة فرنسية توظف نحو 250 ألف شخص في الصين، وقدر حجم المبيعات بنحو 20 مليار يورو في عام ،2006 أي ضعف الصادرات الفرنسية إلى الصين (8 مليارات يورو في عام 2006). وبالنسبة لكاتبي هذه الدراسة، فإن الصين أصبحت مطالبة أكثر فأكثر “بأن تكون محرك النمو” للشركات الفرنسية. فالمبيعات تتقدم بنحو 20% إلى 25% سنويا. وعلى الرغم من أن السوق الصينية أصبحت مصدرا لتحقيق الأرباح، الموصوفة ب”المقبولة” من قبل غالبية الشركات الفرنسية، فإن هذه الأخيرة تتحدث عن العقبات التي تعترضها في مسارها مثل النزاعات مع الشريك المحلي، انتهاكات حقوق الملكية الفكرية، ومصاعب إدارة الموارد الإنسانية. وتندرج هذه العقبات في إطار أوسع، حيث تشجع الحكومة الصينية نشوء أقطاب محليين قادرين على منافسة الشركات الأجنبية. وعلى الرغم من أن الصين قطعت شوطا لا بأس به على صعيد تحديث القوانين، ولاسيما تلك المتعلقة بحماية الملكية الفكرية، فإننا نجد أشكالاً جديدة من الحماية الجمركة في طور الظهور: فالسلطات الصينية مستمرة في حماية القطاعات المسماة “استراتيجية”، بينما تحظى الشركات المحلية الرائدة بدعم ضمني من قبل الحكومة الصينية. * باحث اقتصادي