السينما هي مرآة المجتمع و صانعة الأفكار و مغذّية العقول، كما أنّها بمثابة العودة إلى الرّحم للبعث من جديد، و هو على الأقل ما لاحظناه من خلال مواكبة العرض الأول لفيلم في عينيا في سجن المرناقية ضمن فعاليات أيّام قرطاج السّينمائية داخل السّجون. فيلم في عينيا لمخرجه نجيب باقاضي مادة فنيّة بامتياز قد تغيّر فكرة العديد منا حول التّوحد، الفيلم الذّي تمّ عرضه اليوم بالسّجن المدني بالمرناقية تضمّن بحثا و إلماما كبيرين بكلّ التفاصيل التّي قد يعانيها أي طفل مريض بالتوحد وهذه التفاصيل جسّدها طفل يدعى إدريس الخروبي لا يتجاوز عمره التسع سنوات بكلّ دقة و حرفيّة حتّى أنّك تخاله مصاب بالتّوحد و هو الأمر الذّي أكّد عكسه المخرج نجيب بلقاضي، والذّي أكّد كذلك انّه لم يتردّد و لو لثانية في الموافقة على عرض فلمه لأوّل مرّة ضمن تظاهرة السينما في السجون، مبديا إعجابه الكبير بحلقة النّقاش التي تعدّ ثريّة و خارجة عن المألوف. و هو نفس الأمرّ الذّي أكّده بطل الفلم نضال السّعدي، الذّي لعب دور أب الطّفل المصاب بالتوحد و الذّي قرّر العودة من فرنسا ليعتني بابنه خاصة بعد إصابة الأم بمرض، و أشار السّعدي إلى أنّ هذه البادرة التي جاءت باقتراح من المنظّمة الدّولية لمناهضة التعذيب و باركتها إدارة التّظاهرة و إدارة السّجون و الإصلاح، و كانت نافذة لهؤلاء السّجناء على الحياة الخارجية و فرصة للبعض منهم لاكتشاف عدد من المعلومات على مرض التّوحد و هو ما تمّ التماسه خاصة خلال النّقاش الذّي دار بعد عرض الفلم. و من جانبه أكّد سفيان مزغيش النّاطق الرّسمي للإدارة العامة للسّجون و الإصلاح أنّ 500 سجين تمكّنوا اليوم من متابعة الفلم داخل السّجن و أكثر من 5000 عبر التلفازات داخل الغرف السّجنيّة بالمرناقية و سيستفيد من هذه الدّورة الرّابعة لأيّام قرطاج السينمائيّة داخل السّجون أكثر من 5000نزيل و سيتمّ عرض 5 أفلام داخل 5 مؤسّسات سجنيّة و فلم داخل إصلاحيّة و سيتمّ عرض نفس الفلم الذّي سيعرض بسجن المسعدين لجناح النّساء أيضا و المراد بهذه البادرة هو ضمان حقّ السجين كإنسان في الثّقافة و ترسيخ حبّ الفنّ و الحياة و تغيير بعض السلوكيات التي قد تشمل نوعا من العنف أو التّطرف، وقد قدم عدد من الدّول الشقيقة كالمغرب و الجزائر لمواكبة هذه التجربة و نقلها إلى بلدانهم، على حدّ تعبيره. و كما يقال، من قلب الألم و الحزن تخلق إرادة الإبداع و التميزّ فالسّجن هو المكان الذّي قد تجد فيه الشّيء و نقيضه و قد تلتقي بأشخاص مبدعين و فنّنين فمن السّجناء هناك الشّعراء و الكتّاب و الفنانين الذّين لم تمنعهم القضبان وفق تعبيرهم عن ممارسة مواهبهم أو تطويرها و إخراج طاقات دفينة داخلهم لم تسلب منهم كالحريّة وقد يتطوّر مفهوم العقاب و “المحنة” إلى الإلهام و التّميز و هو ما عايناه مع سجين شاعر. و أخيرا عبّر عدد من السّجناء عن أهمّية هذه البادرة بالنسبة لهم و دورها في الترفيه عنهم و تغيير بعض الأفكار السائدة لدى البعض منهم و خاصة على مستوى علاقة السّجان بالسّجين، و لم ينسوا كذلك لفت الانتباه إلى مشكل الاكتظاظ الذّي تعاني منه كافة السّجون التونسيّة. * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *