وصلت مؤشرات ارتفاع الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية للمواطن خلال السنوات الأخيرة، وتحديدا منذ سنة 2011 حدّا قياسيا تداعت عنه أزمات اجتماعية واقتصادية لم تتوقّف عن التفاقم. ومن هذا المنطلق اهتمّ المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية بهذه المسائل، وبحكم وظائفه في التشخيص والمعاينة والرّصد، واستنباط الحلول واستشراف الآفاق، وتوصّل خبراء المعهد بالتعاون مع العديد من الباحثين والأخصائيين، واستنادا لنتائج بحوث المعهد الوطني للإحصاء والمعهد الوطني للإستهلاك، إلى رسم خارطة هذه الأزمات بالأرقام والنسب والمؤشرات، بعيدا عن كلّ توظيف مهما كان مأتاه. فقد بلغت نسبة التّضخم في تونس حوالي 7.4 بالمائة وأصبحت 60 بالمائة من الأسر التونسية تعاني من المديونية و47 بالمائة من الموظفين يستنفذون أجورهم قبل منتصف الشهر، كما ثبت أنّ 54 بالمائة من الآداءات التّي تدخل ميزانية الدّولة يتمّ اقتطاعها من مرتبات الأجراء، ووصل حجم مديونية الأسر التونسية لدى البنوك 23 مليون دينار سنة 2018، مقابل 10 مليون دينار سنة 2010. أمام هول هذه الأرق'ام الصادمة عجزت كل الحكومات المتعاقبة منذ سنة 2011 عن ايجاد الحلول العملية الناجعة لإيقاف هذا النزيف، وتعطّلت تبعا لذلك كلّ الإصلاحات الإقتصادية والإجتماعية الموعودة بسبب الصراعات السياسية، فحتّى مشروع قانون المالية لسنة 2019 لم يطرح حلولا قابلة للتنفيذ للحدّ من الإرتفاع المتزايد للأسعار والتدهور المتسارع للمقدرة الشرائية. لا شكّ وأنّ الإستقرار والسلم الإجتماعي مرتبطان جدليا وعضويا بحلّ هذه المشاكل التّي ترهق المواطنين وتسدّ أمامهم سبل التقدّم والتّطور وتحقيق الحدّ الأدنى من ضروريات العيش الكريم، وبالتالي لا يمكن للبلاد أن تتقدّم في أي مسار من المسارات، ما دامت هذه الأزمات قائمة بحدّة. وسعيا إلى أن تكون الحلول المقترحة مسنودة بمعطيات وأرقام دقيقة، ومتبوعة بآليات تنفيذ، تجمع بين التقني والإجتماعي الإنسانس، قام المعهد التونسي للدراسات الإستراتجية بإحتساب مؤشّر الأسعار الأوّلية لسلّة تحتوي على عدد من المواد الإستهلاكية الضرورية، لتضفي النتائج المتحصّل عليها إلى ارتفاع غير مسبوق لأسعار العديد من المةاد خلال سنة 2018 مقارنة بسنة 2010 ثمّ سنة 2015. واعتبارا لهذه النتائج الصادمة تمّت صياغة عدّة حلول لمواجهة هذا المدّ المزعزع للإستقرار في البلاد وتنقسم هذه الحلول العاجلة إلى: *دعم دور هياكل الرقابة الإقتصادية. *التحكم في مسالك التّوزيع. *إعادة هيكلة سوق الجملة وتحسين الوسيط (الهبّاط) وتطوير دوره من مجرّد وسيط إلى تاجر جملة. *تفعيل دور المجامع المهنية في التّدخل لتعديل الأسعار. *التنسيق بين وزارتي الفلاحة والتّجارة لمزيد التّخطيط لإيجاد توازن بين العرض والطلب. *تحجير توريد الموّاد الإستهلاكية والمنتوجات الفلاحية التّي يمكن صناعتها في تونس بإستثناء المواد الأساسية كالزيت والحبوب. *إخضاع تجارة التّفصيل بما في ذلك المساحات التجارة بسقف نسبة أرباح لا يتعدّى 20 بالمائة. أمّا الإجراءات الآجلة فهي كالآتي: -الرّفع من الإنتاج والإنتاجية ورفع الأجور بالإنتاجية -التّحكم في السوق الموازي بإيجاد آليات تشجيع على استعمال البطاقات البنكية في المعاملات المالية. -التّشجيع على الإستثمار لتطوير الإنتاج والترفيع من الكميات المعروضة لمجابهة ضغط الطلب وتخفيض الأسعار. -التخفيض من نسبة الفائدة قصد النزول بقيمة الدين المدفوع من طرف المستهلك، مما يؤدّي إلى ارتفاع المقدرة الشرائية. -دخول المؤسسات الصناعية الوطنية المتجانسة في تجمّعات لدعم قدراتها على التجديد التكنولوجي والحدّ من الإستيراد الخارجي.