اجتمع وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيّد نهاية الأسبوع الفارط بمحمد علي الحويج وزير الاقتصاد والتجارة الليبي الذي يؤدي زيارة عمل إلى تونس. وبينت الوزارة في بلاغ رسمي ان اللقاء كان مناسبة تطرق خلالها الجانبان الى العلاقات التاريخية المتميزة التي تجمع البلدين والشعبين الشقيقين والى الفرص المتاحة لإقامة شراكة استراتيجية تؤسس لتكامل اقتصادي حقيقي خدمة للمصلحة المشتركة. كما تطرق الجانبان، حسب البلاغ، الى ضرورة وضع تصور مشترك لدفع التبادل والاستثمار خاصة في بعض القطاعات الحياتية وذات البعد الإستراتيجي على غرار الصناعات الدوائية والإنتاج الغذائي لاسيما على مستوى المواد الاولية وكذلك الخدمات الصحية، مشددين على أهمية دور هياكل الدعم العمومية والقطاع الخاص وكذلك القطاع المالي والبنكي في هذا الاتجاه الذي أصبح يمثل اليوم أحد أبرز التحديات وهو ما أكدته الأحداث والأزمات العالمية الأخيرة. وتعرض الجانبان، في ذات السياق، إلى أهمية دعم القطاع الخاص في البلدين الشقيقين ومساعدته من خلال توفير الظروف والآليات الملائمة له لمزيد التقارب سواء على مستوي الاستثمار في البلدين أو للتوجه في إطار مشترك نحو الأسواق الإفريقية. واقترح الوزير ان تشكيل فريق عمل مشترك للتعمق في مجمل التصورات المقدمة من مختلف جوانبها ووضع برنامج تحرك عملي تشترك في بلورته مختلف الاطراف المعنية لا سيما القطاع الخاص. غير ان هذا السعي من قبل وزير الاقتصاد والتخطيط ل "إسعاف" الاقتصاد التونسي عبر البوابة الليبية ليس جديدا، اذ سبق وان اجتمع سمير سعيّد في 25 نوفمبر 2021، بوزير الصناعة والمعادن الليبي أحمد أبو هيسة الذي كان آنذاك في زيارة عمل إلى تونس بمناسبة انعقاد الملتقى الاقتصادي التونسي- الليبي نهاية نوفمبر المنقضي حيث أكد سعيّد بالمناسبة، على ما توليه الحكومة التونسية من اهتمام وحرص لتطوير التعاون الثنائي بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات وخاصة في المجال الاقتصادي، مشيرا إلى توفر الإمكانيات والفرص لبناء شراكة إستراتيجية تخدم مصلحة الجانبين في إطار التكامل والعمل على تحقيق الازدهار الاقتصادي والاجتماعي في كل من تونس وليبيا. غير ان كل النوايا التي عبر عليها وزير الاقتصاد والتخطيط في لقاءاته المتعددة مع المسؤولين الليبيين لم تجد طريقها الى التنفيذ وذلك بالتأكيد لعدم وجود خطة عمل للتعاون الحقيقي مع الجانب الليبي، من جهة ولوجود عوائق هيكلية، على هذا المستوى، سيما فيما يتعلق بالإشكاليات التي يتسبب فيها قانون الصرف التونسي وتركز البيروقراطية وضعف تنافسية المنتوج التونسي وفقدانه لموقعه بالسوق الليبية، من جهة أخرى. هذا وكانت وزيرة التجارة وتنمية الصادرات فضيلة الرابحي قد ترأست اواخر شهر جانفي الفارط اجتماعا موسعا، خصص للنظر في تحديد هيكلة المساهمات العمومية في رأس مال الشركة التي ستتولى التصرف في المنطقة الحرة للأنشطة التجارية واللوجستية ببنقردان المنتظر دخولها حيز الخدمة منذ سنوات طوال وذاك بحضور والي مدنين سعيد بن زايد والرئيس المدير العام للديوان التونسي للتجارة الياس بن عامر إلى جانب ممثلين عن الهياكل الإدارية والبنكية. وتعود في الواقع خطة احداث منطقة حرة ببنقردان بغرض تطوير المبادلات بين تونس وليبيا الى سنوات طوال خلت وبدا النظر في هذا المشروع في مرحلة أولى في أكتوبر 2016 على مستوى ولاية مدنين وذلك بالتحديد فيما يتعلق بالملف الفني الخاص بإصدار قرار تحديد المنطقة التي يتعين تغطيتها بمثال التهيئة العمرانية ضمن المراجعة الجزئية لمثال التهيئة لبلدية بنقردان. ولكن هذا المشروع ما زال يراوح مكانه باعتبار انه لم تتجسم بعد أي رؤية واضحة للمشروع على غرار كافة مشاريع المناطق الحرة سيما على الحدود الجزائرية بسبب غياب الإرادة وضعف الكفاءة علاوة على تعقد الإجراءات الإدارية واضاعة فرص التعامل التجاري. يذكر انه منذ تفكك ليبيا وانخرام السيطرة على المعابر الحدودية مع تونس، شهد نسق المبادلات التجارية بين الجانبين، تصديرا وتوريدا، تراجعا حادا من 10 مليار دينار سنويا الى ما لا يزيد عن 800 مليون دينار مما أنهك بالكامل الاقتصاديات الجهوية لأربع ولايات كبرى في الوسط وضاعف نسب البطالة. وتستمر هذه الوضعية الى اليوم وبالتأكيد لسنوات أخرى طوال في ظل خسارة تونس لموطأ قدم اقتصادي مهم في ليبيا نتيجة فشل الحكومات التونسية ما بعد 2011 في فرض وجودها اقليميا، من جهة وانقضاض أطراف دولية عديدة على السوق الليبية وتمكنها من السيطرة عليها، من جهة أخرى. وفي المقابل، توطدت التجارة غير المشروعة عبر الحدود مع ليبيا التي تشكل منذ عقود عدة حقيقة اجتماعية واقتصادية راسخة تتضمّن المغادرين للمدارس، وخريجي الجامعات العاطلين عن العمل، والموظفين الساعين إلى اقتناص دخل إضافي. ويشار إلى مثل هذه النشاطات على أنها "العمل على الخط"، وهي تشمل نقل البضائع، وبيع السلع والوقود في منافذ غير قانونية. وأدى سقوط نظامي بن علي والقذافي إلى عرقلة اقتصاد الحدود على وقع تنافس وتقاتل محموم بين الجماعات المسلحة في الغرب الليبي، وفشل الحكومات المتعاقبة في تونس وطرابلس في السيطرة على الحدود وتنظيمها. وادت كذلك عوامل مختلفة الى اعاقة انسياب الحركة الاقتصادية البينية وسدّ المنافذ على السلع التونسية ومنع تدفقها بالعمق الليبي ما خلق مساحات ترويجية كبرى لأسواق اخرى، وكبد تونس خسائر ضخمة، اذ كشف تقرير حديث للبنك الدولي عن أن تونس تخسر نحو 800 مليون دولار (2200 مليون دينار سنوياً) ، كتأثير مباشر لانهيار التعاملات مع ليبيا في مجال الاستثمارات والصادرات.