كان المرصد التونسي للاقتصاد من بين المنظمات التي تفاعلت مع ما جاء به قانون المالية للعام الحالي خاصة في فصليه المتعلقين بالضريبة على الافراد والضريبة على الشركات، وقد عمل على التأثير من أجل توجهات جبائية أكثر تصاعدية تكون الضريبة فيها آلية إعادة توزيع الثروة وتقليص الفوارق قبل أن تستغل لتحقيق أهداف اقتصادية غير مستدامة. وبينت، في هذا الإطار، مذكرة حديثة نشرها المرصد التونسي للاقتصاد ان قانون المالية لسنة 2025، حاول في سابقة أولى منذ اعوام، التوجه نحو خيارات ضريبية أكثر تصاعدية ونحو الترفيع في نسب الضريبة على الشركات، في مخالفة لسردية سادت منذ الثمانينات نادت بتخفيف العبء الجبائي لتحفيز الاستثمار وبالحد من تصاعدية الضريبة لتيسير استخلاصها. كما أوضحت مذكرة المرصد الأخيرة ان هذا التوجه تزامن مع نقاش مستفيض حول مشروع قانون المالية داخل مجلس نواب الشعب، في أكتوبر ونوفمبر الماضيين، في سياق زخم داخل أوساط مختلفة تفاعلا مع ما تم طرحه ومحاولة للتأثير في التوجهات المطروحة كل حسب أهدافه. ويكشف تطور المداخيل الجبائية في تونس اختلالا جليا في توزيع العبء الجبائي، فمن خلال العودة على توزيع الموارد الجبائية المتأتية من الضريبة المباشرة، تشير المعطيات الى تراجع مساهمة الضريبة على دخل الشركات في مجموع الموارد الجبائية مقابل انتقال هذا العبء الى كاهل الأشخاص. فمنذ أن كان كل منهما يمثل ما يقارب 22% من مجموع الموارد الضريبية سنة 2014، لم تتجاوز مساهمة الضريبة على الشركات 12.5% سنة 2023، مقابل مساهمة تفوق 28% للضريبة على دخل الأشخاص. ولفتت مذكرة المرصد الى اعتماد الحكومات المتعاقبة على التخفيض في نسبة الضريبة على الشركات والتحفيزات الجبائية كآليات أساسية لتحفيز الاستثمار الخاص. غير أنها لم تثبت نجاعتها في الوصول الى هذا الهدف مقارنة بالكلفة المالية الباهظة. اذ يكشف التقرير الذي نشره البنك الدولي، حول فاعلية النظام الجبائي تونس، عن عدم وجود تأثير مباشر للتخفيض في نسبة الضريبة الشركات على أدائها خاصة المصدرة منها، مستثنيا الشركات الناشئة التي تبقى في حاجة إلى آليات التحفيز الجبائي لضمان استدامتها مع الإشارة الى أن العوامل الأكثر تحفيزا للاستثمار تتعلق أساسا بالاستقرار السياسي والاقتصادي، ووجود إطار تنظيمي شفاف، وتوفر المهارات، إضافة الى جودة البنية التحتية.